"الكفن" هو أداة النجاة أحيانًا من القتل، ففى صعيد مصر يتقدم القاتل إلى ولى الدم وأسرة المقتول بثوب أبيض يحمله فوق يديه فى إشارة منه لرغبته فى الصلح وإنهاء سلسال الدم بين أبناء العائلتين وكتابة سطور النهاية فى الخصومات الثأرية التى تجرى فى هذا المجتمع.
وشهدت قرية كلح الجبل بمركز إدفو شمال محافظة أسوان، اليوم، الاثنين، مراسم إنهاء خصومة ثأرية جرت بين عائلتين واستمرت لمدة 17 عامًا، وتم الصلح بين عائلتى "آل جاد وآل رضوان" بتقديم الكفن فى وجود الأجاويد وكبار العائلتين وما يزيد عن 5 آلاف شخصًا من أهالى القرية والقرى المجاورة لها.
بدأت مراسم الصلح، التى حضرها إبراهيم سليمان، رئيس مدينة إدفو، والشيخ عبد السلام مصطفى رئيس لجنة المصالحات والشيخ إبراهيم على عبد الغنى عضو لجنة المصالحات، وعدد من القيادات الدينية ولجان المصالحات فى إدفو، بتلاوة آيات من القران الكريم وتقديم موعظة والتشديد على حرمة الدماء بين المتخاصمين وضرورة اللجوء إلى القانون لأخذ الحقوق وعدم الإسراف فى قتل أبرياء ليس لهم علاقة بالقتل كما هو سائر عن عادات الثأر فى صعيد مصر.
وأكد إبراهيم سليمان، رئيس مدينة إدفو، أن الخصومة كانت بين عائلتى "آل جاد وآل رضوان" بقرية كلح الجبل بمركز إدفو، واستمرت الخصومة التى بدأت خلال عام 2004 لنحو 17 سنة، وبعدها تدخل الأجاويد ولجان المصالحات لإنهاء سلسال الدم، وتقدمت عائلة القتل بالكفن إلى ولى الدم لعائلة المقتول لقبول الكفن وهو ما يعنى إنهاء الخصومة والصلح بين العائلتين.
من جانبهم، عبر أهالى القرية لـ"اليوم السابع"، عن سعادتهم بتوفيق الله عز وجل فى إنهاء هذه الخصومة التى استمرت لسنوات طوال بين أطراف المنازعة ووقف سلسال الدم بين العائلتين خاصة أن المجتمع القبلى فى صعيد مصر يتعايش فيه أبناء العمومة والجيران مع بعضهم البعض وتتلاحم بيوتهم وتربطهم مصالح مشتركة وجيرة.
قال محمد عثمان حسين، أحد الأهالى، أنه حدث كبير وجلل فى إتمام الصلح بين آل جاد وآل رضوان، لأنه يتم بذل مجهود كبير ومشقة فى إرضاء الطرفين وخاصة أسرة المقتول التى ترضى بوقف نهر الدماء والقبول بالصلح لتوفير حياة آمنة لأسرة العائلتين، موجهًا الشكر لرئيس لجنة المصالحات بإدفو الشيخ عبد السلام مصطفى، ومحافظ أسوان اللواء أشرف عطية، لرعايتهما الصلح، وكل من ساهم فى هذا الحدث الطيب.
وتابع محمود محمد يوسف، من الأهالى، بأن يوم الصلح أو يوم "الكفن" يكون يوم مهيب يحضره الآلاف من أهالى القرية والقرى المجاورة، ويبدأ الإعداد له بتجهيز "صوان" كبير وتخصيص مقاعد لكبار الضيوف من التنفيذيين والقيادات الدينية ورجال المصالحات، ويتم تقديم المشروبات والطعام لجميع ضيوف هذا الصلح.
وأشار محمد مصطفى عثمان، إلى أن إتمام الصلح لا يتم إلا بتقديم الكفن وهى عادة جرت قبل سنوات فى مجتمعاتنا الجنوبية، ويتقدم القاتل الصفوف حاملًا كفنه على يده ويقدمه إلى ولى الدم من أسرة المقتول والذى يمسح بظهر سكين معه على الكفن فى إشارة إلى العفو والصفح عن القاتل وإعلان انتهاء الخصومة بين العائلتين للانطلاق نحو حياة جديدة خالية من الدماء، وذلك حقنًا لدماء المسلمين والأهل من أبناء المجتمعات القروية والجنوبية فى صعيد مصر.
وعلق حسن دسوقى، من الأهالى، بأن الخصومات الثأرية هى إرث جاهلى، وللأسف لا يزال يعانى منها مجتمعات الصعيد وخاصة مركز إدفو بجميع قبائلها، وندعو الجميع أن يعفو كما تم العفو عن القاتل فى صلح اليوم، لأنه طريق الصلاح بين القبائل خاصة أن جميع العائلات تربطهم صلة قرابة وأنساب وعلاقات اجتماعية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة