مسارات عدة اتخذتها الدبلوماسية المصرية بهدف وحيد، وهو الوصول إلى حل تفاوضى فيما يتعلق بقضية سد النهضة مع إثيوبيا، ما يمثل امتدادا صريحا للتوجه الذى تتبناه مصر، تجاه محيطها الإفريقى، وفى القلب منه دول حوض النيل، والتي ترتبط بها عبر "شريان الحياة"، وهو ما يبدو في التحركات التي اتخذتها القاهرة مؤخرا، عبر "طرق" أبواب العديد من المنظمات الدولية، من أجل التدخل وإيجاد حل جذرى للأزمة، يمكن من خلاله كسر حالة التعنت الإثيوبى، وإصرار أديس أبابا على التحرك بأحادية، تحمل فى طياتها انتهاكا لحقوق دول المصب التاريخية فى مياه النيل.
ولعل التوجه المصرى الأخير إلى مجلس الأمن الدولى، لم يكن الأول من نوعه، حيث سبقه، تحركات أخرى شبيهة، أبرزها الانغماس في المفاوضات مع الجانب الإثيوبى تحت رعاية الاتحاد الإفريقى، واتجهت بعد ذلك نحو جامعة الدول العربية، باعتبارها دولة عضو بها، وهى خطوات تهدف في مجملها إلى اتخاذ كافة الطرق الدبلوماسية، للوصول إلى حل، ناهيك عن النجاح الكبير في حشد قطاع كبير من أعضاء المجتمع الدولى لدعم الحقوق المصرية السودانية، في الوقت الذى واصلت فيها إثيوبيا تعنتها، ورفضها، لكل السبل، وهو ما يترجم عدم قدرتها على مجاراة الاختراقات الدبلوماسية الكبيرة التي حققتها مصر، فيما يتعلق بحقوقها المائية، وإثبات حقوقها الشرعية التي لا تقبل التفاوض خاصة أن القضية محل الجدل تبقى حيوية.
وعن اللجوء لمجلس الأمن الدولى، يقول مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير محمد إدريس، إن الخطوة تمثل مسارا بين عدة مسارات اتخذتها للوصول إلى حل بشأن سد النهضة، ولكنه ليس المسار الوحيد، موضحا أنها جاءت بعد سنوات من عدم الوصول إلى نتائج.
وأضاف، في تصريحات تلفزيونية، أن هدف مصر من عرض الأزمة على مجلس الأمن مناقشة القضية بين الدول المختلفة، مضيفا: "هناك يوميا إشكالات وأزمات لم يستطع المجلس أن يوقفها في ليبيا وسوريا واليمن، ولكن هذا لم يمنع الأطراف أن تذهب إلى المجلس لبحث الأزمات".
السفير محمد إدريس
وأشار إلى أن الأشقاء في تونس ينخرطون على مدى الأسابيع الماضية لمناقشة القرار المقدم منهم لحل أزمة سد النهضة، وهذا المشروع يأخذ مشاورات وله حسابات كثيرة، والمدى الزمنى سيحدده أعضاء مجلس الأمن في النهاية، لطرح مشروع القرار للتصويت، مؤكدا أن القرار المقدم يدعو إلى العودة للمفاوضات في قضية سد النهضة.
ويدفع الحديث عن مشروع القرار التونسى، نحو الإشارة إلى الدور الذى لعبته جامعة الدول العربية، في حشد الدعم العربى، لحقوق مصر والسودان، وهو ما تجلى في أبهى صوره، خلال الاجتماع الوزارى غير العادى، والذى انعقد في الدوحة، في يونيو الماضى، والذى شهد التفافا عربيا وراء الحقوق التاريخية، لدولتى المصب، حيث اتخذوا قرارات من شأنها التوجه إلى مجلس الأمن، عبر العضو العربى (تونس)، والذى دعا إلى الجلسة بناء على طلب مصري سودانى مشترك، كما تحركت بعثات الجامعة في الخارج للترويج لحقوق الدولتين العربيتين، في العديد من الدول المؤثرة في عملية صنع القرار الدولى.
الموقف القوى الذى تبنته جامعة الدول العربية، أثار المخاوف الإثيوبية، والتي لجأت، في المقابل، إلى "دق إسفين" بين الكيان العربى المشترك، والاتحاد الإفريقى، عبر الترويج لفكرة مغلوطة، مفادها أن "بيت العرب" يسعى لمزاحمته، عبر الدخول على خط الأزمة، وهو ما يضاهى الحقيقة تماما، في ظل العديد من المشتركات التى تجمع بينهما، وأبرزها العضوية المشتركة لعشرة دول تجمع بين الهويتين العربية والإفريقية في المنظمتين، بالإضافة إلى النطاق الجغرافي الواسع المشترك بينهما، وهو الأمر الذي يساهم في تعزيز التعاون لمعالجة مختلف القضايا في مناطق الأزمات، بالإضافة إلى الاستفادة من العديد من المزايا الأخرى لتحقيق مصالح الدول الأعضاء بهما.
من جانبه، قال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات تلفزيونية، إن كل مساعي إثيوبيا في وقوع خلاف لن تسفر عن شيء، خاصة وأن جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي تجمعهما علاقات طيبة وآليات تعاون مشتركة، مؤكدا فى تصريح آخر أن الموقف المصرى والسودانى يبدو متوائما مع الموقف الدولى القائم على فكرة العودة إلى التفاوض، وعدم التحرك بأحادية، فيما يتعلق بمسائل ملء السد.
الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكى
وهنا تصبح الحاجة ملحة، لتوضيح الموقف الدولى بشكل عام، تجاه القضية، حيث تقوم في الأساس على ضرورة أن يكون التفاوض هو الأساس الحاكم فيما يتعلق بمسألة ملء السد، وهو ما يتضح في التصريحات التي أدلى بها مبعوث الاتحاد الأوروبى إلى إثيوبيا بيكا هافيستو، حول ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد، موضحا أنهم مارسوا ضغوطا كبيرة على أديس أبابا قبل بدء الملء الثانى، خاصة وأن غياب المعلومات الشفافة حول السد تثير حالة من القلق.
ولم تخرج الولايات المتحدة بعيدا عن الإطار الأوروبى، حيث أكد المتحدث الإقليمى باسم الخارجية الأمريكية ساميويل وربيرج، على ضرورة الوصول إلى اتفاق بين الدول الثلاثة، معربا عن استعداد بلاده الكامل لتقديم الدعم المطلوب للعودة إلى التفاوض. ودعا إلى ضرورة عدم اتخاذ أية خطوات أحادية.
وأضاف أن أزمة سد إثيوبيا مهمة ويجب أن يتم حلها، وأنه لابد أن يكون هناك توافق حول الإطار الزمنى من أجل الوصول لاتفاق بشأن السد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة