سلطت دراسة حديثة صادرة عن مركز الإنذار المبكر، الضوء على التواصل الذى جرى بين واشنطن والقاهرة خلال الأسابيع الماضية، حيث ركزت على الدلالات والسياقات الخاصة بالمحادثات بين الرئيس السيسى والرئيس الأمريكى جو بايدن.
أشارت الدراسة إلى أن سياق التواصل بين واشنطن والقاهرة منذ دخول جو بايدن للبيت الأبيض يمكن رصده على مستويين:
الأول: يتعلق بمتغيرات العلاقات الثنائية بين البلدين، وكيفية تسييرها فى عهد الإدارة الجديدة، ولاسيما المتغيرات المرتبطة بضبط التباينات السياسية وفق عوامل مثل ملف حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، وأهمية تمايز موقف إدارة بايدن عن سابقتها لاعتبارات داخلية وانتخابية.
الثاني: يرتبط بخارطة المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط وموقع مصر منها، ويغلب عليه الطابع المؤسساتي/الاستراتيجى بغض النظر عن شخوص الإدارات الأمريكية المتعاقبة والتباينات والخلافات فيما يخص العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تقاطع محددات مصالح واشنطن مع مصالح القاهرة النابعة من محددات أمنها القومي، وكيفية إدارتها عبر محاور أحدها ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقات المصرية الإسرائيلية.
وكخلفية مباشرة لهذه الخطوة الأمريكية، والتى من شأنها التأكيد على دور مصر الإلزامى فيما يتعلق بالتصعيد أو التهدئة فى فلسطين المحتلة، فإن قرار القاهرة بتخصيص 500 مليون دولار لإعادة الإعمار فى غزة، قد جاء كتدرج لرد فعل الأولى على تعنت إسرائيل برفض مبادرات التهدئة، ومن ثم حتمية تدخل أمريكى داعم لسيناريو التهدئة المصرى من باب تقليص الخسائر السياسية والأمنية التى لحقت بتل أبيب.
وأشارت الدراسة إلى أنه على المستوى الإقليمى والدولي، يأتى القرار المصرى وكواليس إخراجه على هامش مؤتمر باريس كمتغير نوعي، حيث إنه للمرة الأولى يتم تفعيل ورقة إعادة الإعمار كتوجه سياسى وليس تكتيكا طارئا، واحتمالية أن يكون ذلك عبر حوامل إقليمية ودولية لن تقتصر على مصر فقط، وهو سقف لم تبلغه تحركات القاهرة من قبل، ربما كان الهدف منه تسريع المباركة الأمريكية على وساطة التهدئة وفرضها أمريكياً على نتنياهو، تمهيداً للعودة لطاولة المفاوضات وما سُمى بـ"عملية السلام" وحل الدولتين.
وأوضحت الدراسة ان التبدل من رفض وتعنت نتنياهو القبول ببنود الوساطة والتهدئة المصرية، إلى القبول بها، يشير إلى مصادقة إدارة بايدن على دور وجهود مصر كممر إلزامى وحيد للتهدئة فى فلسطين المحتلة، خاصة مع عجز أى وسيط إقليمى آخر القيام بدور القاهرة بما يتسق مع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة فيما يخص سياساتها الخارجية، وتحديداً فى الشرق الأوسط.
وأشارت الدراسة إلى أن الاتصال فى سياق تحرك أمريكى على مختلف المستويات والاتجاهات، للحيلولة دون توسع دائرة الحرب وإطالة مداه الزمني، خاصة مع ميل التوازنات إقليمياً ودولياً وحتى داخل الحزب الديمقراطي، لغير صالح نتنياهو وحكومته المتأرجحة، المنبثقة بصعوبة عن انقسام فى الطبقة السياسية الإسرائيلية أحد محاوره كيفية وأولويات إدارة العلاقات الإسرائيلية العربية، ولامعقولية تهميش دور القاهرة وعمان فيها لحسابات نتنياهو الانتخابية.
التحرك الأمريكى عكس أيضاً التوجه الغالب لإدارة بايدن فى مباشرة سلم أولويات سياساتها الخارجية فى الشرق الأوسط، طبقاً لمحددات مصالح واشنطن الاستراتيجية الكلاسيكية، وعلى رأسها أمن إسرائيل وأمن الملاحة.
كذلك تشى التوجهات الأمريكية أن تحقيق السابق سيتم بالتعاون مع شركاء إقليميين كلاسيكيين كذلك، وتحديداً مصر والأردن، حيث ارتبط دور البلدين عضوياً ووظيفياً بالمحدد الأول؛ فبالتوازى مع مكالمة بايدن للسيسي، أجرت نائبة الأول، كامالا هاريس، اتصالاً بالعاهل الأردني، عبدالله الثاني، تناولا خلال سُبل تثبيت التهدئة فى فلسطين المحتلة، لاسيما مدينة القدس، وذلك كأحد فعاليات ما أسماه كل منهما بـ"التعاون الوثيق وتعزيز الشراكة وضمان الاستقرار الإقليمي".
وبالنسبة للمحدد الثاني، فإن دور مصر يتسع لاعتبارات جيوسياسية، ليشمل ما أسمته مختلف البيانات الرسمية الأمريكية فى الشهور الأخيرة، بـ"الجهود المشتركة والتعاون فى تأمين الملاحة"، لاسيما البحر الأحمر وشرق المتوسط وقناة السويس، لاسيما مع ربط القاهرة أمن الملاحة والاستقرار الإقليمى بمحددات أمنها القومي، وعلى رأسها ملف سد النهضة.
يذكر أن أول تحرك رسمى من إدارة بايدن تجاه مصر جاء عبر مصادقته على صفقة أسلحة متنوعة، لاسيما البحرية منها، والتى قد أقرها البنتاجون فى وقت سابق، وهو ما يدل على أن هناك تلاقى بين القاهرة وواشنطن فى المدى المتوسط لاستعادة المؤسساتية كنمط لإدارة العلاقات والمصالح المشتركة بينهما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة