ذكرت دراسة حديثة نشرها المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن العاصمة الإدارية الجديدة ستكون نقلة حضارية كبيرة في تاريخ مصر الحديث، فبعد ست سنوات من العمل الشاق، سيبدأ العاملون بالقطاع الحكومي في مصر (المرحلة الأولى منهم 55 ألف موظف يعملون في حوالي 30 وزارة) الانتقال إلى العاصمة الجديدة في أغسطس المقبل وهى المدينة التي من المخطط أن تستوعب 6.5 ملايين مواطن سينعمون بالسكن في مدينة صُممت وفقًا لمدرسة التخطيط العمراني لما بعد الحداثة.
وقالت الدراسة أن كل معايير الاستدامة التي عرفتها اللجنة العالمية للبيئة والتنمية تم تطبيقها داخل العاصمة الإدارية الجديدة ، إذ إنها تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون المَساس بحق الأجيال القادمة، وتعزز حقوق المساءلة والإنصاف من خلال توفيرها السكن والخدمات بنفس معايير الجودة، وهي تضمن للمُشاة حقهم من خلال توفير شبكة طرق للمُشاة تربط أنحاء المدينة، ومدينه مُتصلة من خلال شبكة واسعة من الاتصالات والنقل، هذا فضلًا عن كونها مدينة ذكية تقدم الخدمات لجميع قاطنيها بالاعتماد على شبكة المعلومات وتجمع بيانات من خلال أجهزة الاستشعار عن بعد لتضمن تقديم تجربة عيش مميزة لقاطنيها.
القطاع العقارى يساهم بشكل كبير في تعزيز النمو الاقتصادى
وأوضحت الدراسة أنه تم اختيار موقع المدينة بعناية لتتوسط القاهرة (على بعد 45 كيلو من العاصمة الحالية) ومدينه السويس التي تحتضن أهم ممر ملاحي في العالم يعبر به 10 -12% من حجم التجارة العالمية، بعد أن استمر العمل على قدم وساق لبنائها حتى في ظل الظروف التي مر بها العالم خلال جائحة كورونا، كانت الآلات تعمل ليلًا ونهارًا لتحقيق الحُلم المصري في بناء مدينة جديدة تليق بمكانة مصر، أما عن توقيت البدء في التنفيذ فقد كان مثاليًا، حيث كانت الدولة المصرية تعاني الآثار السلبية التي خلفتها ثورة 2011 والتي رافقتها حالة عدم الاستقرار السياسي.
وذكرت الدراسة أن القطاع العقاري والتشييد والبناء هي القطاعات الأسرع في خلق فرص العمل كونها توفر مساحات تجارية للشركات والمكاتب، ومن ثم تعزز تأسيس شركات جديدة تساهم في دفع النمو الاقتصادي. أمر آخر يعزز من مكانة القطاع العقاري هو حجم مساهمته الكبير في الاقتصاد، إذ يساهم القطاع العقاري بحوالي 15.2% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوظف عدد 3.4 ملايين عامل (13% من اجمالي المشتغلين في مصر)، ويتمتع القطاع بروابط أمامية وخلفية مع أكثر من 100 صناعة أخرى. لكن تلك ليست الأسباب الوحيدة، حيث إن مصر دولة كبيرة ذات نمو سكاني مرتفع يترتب عليه ما يقرب من مليون زيجة سنويًا يحتاجون لحوالي مليون وحدة سكنية، ويعتبر حجم العرض بالقطاع أقل من حجم الطلب، وهو ما يعني أن القطاع في حالة عجز دائم تقريبًا.
وقالت الدراسة أنه خلال مؤتمر دعم الاقتصاد المصري في مارس 2015 أعلن الرئيس إطلاق مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ذلك المشروع الذي يعالج المشاكل الأزلية للعاصمة القديمة التي يتمثل معظمها في سوء التخطيط، وضعف البنية التحتية، وعدم جاهزيتها لتحقيق رؤية مصر 2030 التي تهدف إلى تحويل مصر إلى دولة ذات اقتصاد رقمي قائم على المعرفة، اقتصاد يتوسع في الثورة الصناعية الرابعة وقادر على تقديم خدمات مميزة للمواطنين والمستثمرين، واستُلهمت تلك الفكرة من التجارب العالمية الناجحة في إعادة تأسيس عواصمها، حيث إن مصر ليست هي الدولة الأولى التي تفكر في نقل العاصمة، فعلى مدار الخمسين عامًا الماضية فقط أقدمت 13 دولة على مثل تلك الخُطوة، وقد أثبتت تلك السياسة نجاحها في إعادة رسم البعد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للدول، وتحويلها إلى مدن جديدة يمكنها أن تقود العالم.
العاصمة الإدارية وغيرها من المشروعات القومية ساهمت في تعزيز النمو الاقتصادى
وأشارت الدراسة إلى أن مشروعات الدولة المختلفة، ومنها العاصمة الإدارية الجديدة، بالإضافة إلى برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبقته الحكومة المصرية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، ساهمت في تعزيز قدرة الاقتصاد المصري على النمو، إذ حقق الاقتصاد المصري معدل نمو 4.4% في عام 2015، 4.3 في عام 2016، 4.2% في عام 2017، 5.3 في عام 2018، 5.6% في عام 2019، ففي تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في مارس 2020 حول الأثر المتوقع لأزمه كورونا على الاقتصاد العالمي، أشار إلى احتمال تباطؤ الاقتصاد العالمي بنسبة 3%، في الوقت الذي ستستطيع فيه مصر تحقيق نمو اقتصادي بحوالي 3.6% (حققت مصر نموًا اقتصاديًا بنسبة 2.7%)، لتؤكد على مرونة الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات، ليس ذلك فقط، حيث ساهمت تلك المشروعات في خفض معدل البطالة في مصر من 13.15% في عام 2013 إلى 10.13% في عام 2020، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبار العاملين بالقطاعات بالدولة عمالة مؤقتة، حيث إن مصر بتركيبتها الديمغرافية التي يشكل سن الشباب معظم سكانها، وبمعدل نمو سكاني يقترب من 2%، وثقافة ترتبط بشكل كبير برغبة الشباب في الإقبال على الزواج وتملك المنازل،
وردا على ما أثاره البعض حول أن بناء العاصمة الإدارية الجديدة تسبب في زيادة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، فإن هذا الأمر غير صحيح، حيث إن إجمالي الدين العام (داخلي وخارجي) إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفض في عام 2015 إلى 85% مقابل 90.5% في العام السابق له، لكنه ما لبث إلا أن ارتفع في السنوات 2016 و2017 ليصل إلى 103% في عام 2017، وهو لسبب غير مرتبط بزيادة الاستدانة المصرية، حيث إن ذلك الارتفاع بالأساس ناجم عن قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري الذي تم ضمن برنامج إصلاح اقتصادي، ومن ثم فهو بالأساس نتيجة لثبات بسط المعادلة (الدين العام الذي يتضمن جزءًا بالدولار لم تنخفض قيمته) مع انخفاض قيمة المقام (إجمالي الناتج المحلي الإجمالي مقومًا بالدولار)، وحتى ذلك الارتفاع الناجم عن انخفاض قيمة الناتج المحلي الإجمالي نتيجة لقرار تحرير سعر الصرف قد تلاشى في السنوات التالية، حيث انخفض الدين العام في عام 2018 إلى 92.5% وتابع الانخفاض في عام 2019 وصولًا إلى 84.2%، وهي السنوات التي شهدت تنفيذ مشروع العاصمة الإدارية الجديدة. وعاد الدين العام للارتفاع مرة أخرى في عام 2020 نتيجة للاستدانة الحكومية لمواجهه جائحة كورونا، وقد حدث ذلك في معظم دول العالم، ويعتبر ذلك الوضع طارئًا سيتلاشى مستقبلًا بانتهاء جائحة كورونا، حيث شهد الدين العام المصري ارتفاعًا خلال عامي جائحة كورونا (2020، 2021) بنسب (6% و2.7% على التوالي) وهي نسب جيدة مقارنة بدول أخرى مثل (المملكة المتحدة، وأمريكا، واليابان).
ثورة 30 يونيو أعادت بناء المؤسسات الدستورية للدولة
وأوضح الباحث أحمد بيومى صاحب الدراسة إن ثورة الثلاثين من يونيو كانت بداية جديدة أعادت فيها مصر بناء المؤسسات الدستورية للدولة، وتبنت برنامج إصلاح اقتصادي شامل، ترتب عليه أن تحسنت المؤشرات الاقتصادية، ووضعت الاقتصاد المصري في مصاف الدول الأقل تأثرًا بجائحة كورونا عالميًا في عام 2020، واستطاع الاقتصاد المصري النمو بمعدل 2.7% في وقت كان فيه الاقتصاد العالمي ينكمش بنسبة 3%.
وتابع:"ولعل أبرز مظاهر هذا التحول هو ما تنطق به المؤشرات الاقتصادية الكُلية، حيث ارتفعت مُعدلات النمو الاقتصادي خلال النصف الأول من عام 2019 إلى 5.6% من مُعدلات 5.3% خلال كامل العام 2018، مُقارنة بـ2.9% خلال عام 2014، وهي معدلات تعتبر الأعلى منذ عام 2008. وشهدت مُعدلات التضخم تراجعًا ملحوظًا، حيث استطاع البنك المركزي الحفاظ على معدل التضخم عند مستوى 5%، وهي نسبة أقل من مستهدف البنك المركزي (7% +- 2%)، بعد أن كانت قد بلغت أعلى مُعدلاتها على الإطلاق خلال عام 2017 بما يُجاوز 23% مدفوعة بتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار. أما عن مُعدلات البطالة التي كانت قد بلغت في عام 2014 أعلى مُعدلاتها مُنذ عام 1990 عند مستوى 13.4%، فانخفضت كذلك بأسرع وتيرة خلال الأعوام التالية لتصل إلى مستوى 8.6% خلال كامل 2019، ويرجع الفضل في ذلك إلى ما تبنته الدولة من مشاريع قومية كبيرة في قطاعي التشييد والنقل والمواصلات، إذ نفذت الدولة برنامجًا تريليونيًا لتشييد مجموعة من المُدن الجديدة أهمها العاصمة الإدارية ومدينة العلمين، وهي مدن من فئة الجيل الرابع، وساهمت تلك المشروعات في خدمة الأهداف التنموية للبلاد لتخطو خطوة أخرى نحو هدف أن تصبح مصر مركزًا ماليًا إقليميًا يربط بين إفريقيا والعالم الخارجي".
ولفت الدراسة إلى أن جميع مؤشرات المالية العامة ترمى إلى تحسن كبير في أدائها، حيث استطاعت الموازنة العامة للدولة تحقيق فائض أولي لثلاثة أعوام مُتتالية بداية من العام المالي 2017/2018، حيث انخفضت نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي، وارتفعت قدرة مصر على الوفاء بمتطلبات الدين في ضوء ارتفاع الاحتياطي النقدي من العُملات الأجنبية، وارتفع التصنيف الائتماني لمصر، وتحولت نظرة مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية للاقتصاد المصري إلى نظرة إيجابية كما نجحت الموازنة فقد حققت فائضًا أوليًا لأول مرة مُنذ تسعينيات القرن الماضي في العام 2017/2018 بإجمالي 4.8 مليارات جنيه، وحافظت على هذا الأداء في العامين التاليين لتُحقق 103 مليارات في 2018/2019 و123.9 مليار جنيه في العام 2019/2020.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة