نشاط دبلوماسى مكثف، بذلته جامعة الدول العربية فى الأسابيع الماضية، تزامنًا مع الانتهاكات التى ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلى فى حق الفلسطينيين ومقدساتهم، واعتداءاتهم على أراضيهم، سواء فى الضفة الغربية أو قطاع غزة، حيث اعتمد «بيت العرب» ما يمكن تسميتها بـ«آلية» الحشد الدولى، وذلك للحصول على أكبر قدر من الدعم ضد الاحتلال، وضد ممارساته القمعية والعنصرية، والتى لم تقتصر فى نطاقها على التصعيد الأخير، وإنما يرجع تاريخها إلى عقود طويلة من الزمن.
وبين اجتماعات نظمتها الجامعة العربية، وأبرزها اجتماع وزراء الخارجية، والذى عقد فى مايو الماضى، ومشاركتها فى العديد من الفعاليات الدولية الأخرى، وعلى رأسها اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل الانتصار للحق الفلسطينى، تبقى الحاجة ملحة إلى معرفة الكثير من التفاصيل حول مستقبل القضية، فى ضوء العديد من المعطيات، وأهمها الامتعاض الدولى الراهن من سلوك الاحتلال وانتهاكاته، بالإضافة إلى الأوضاع فى الداخل الإسرائيلى، ناهيك عن التطورات التى تشهدها الساحة الفلسطينية.
ولذا كانت «اليوم السابع» على الموعد، حيث حاور الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير سعيد أبو على، وهو المسئول عن قطاع فلسطين والأراضى المحتلة، داخل «بيت العرب»، ليطلعنا على المزيد من التفاصيل، بالإضافة إلى رؤيته حول مستقبل القضية والخطوات الدولية المرتقبة فى هذا الملف.
رحبتم بقرار أممى بإحالة الانتهاكات الإسرائيلية فى فلسطين للتحقيق.. ما هى تداعيات هذا القرار من وجهة نظركم؟
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، جلسة خاصة، للنظر فى الانتهاكات والجرائم التى ارتكبتها إسرائيل، باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، وذلك فى أعقاب الاعتداءات الأخيرة والانتهاكات التى امتدت من قطاع غزة إلى القدس، فى حى الشيخ جراح وبطن الهوى وسلوان، وصوت بأغلبية 24 صوتا، لصالح قرار يقضى بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة فى جميع هذه الانتهاكات الإسرائيلية، بما يعكس حالة الغضب واستياء المجتمع الدولى من تردى حالة حقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة بما فى ذلك القدس وقطاع غزة.
ويعكس هذا القرار عزم المجتمع الدولى على محاسبة ومحاكمة المسؤولين عن تلك الجرائم وصولًا إلى إنفاذ العدالة الدولية، كما يشير إلى عزم المجتمع الدولى القيام بمسؤولياته تجاه ما يواجهه الشعب الفلسطينى من اعتداءات، وتنفيذ القانون الدولى والقانون الدولى لحقوق الإنسان، وحماية حقوق الإنسان الفلسطينى.
دعت الجامعة العربية صراحة إلى إحالة الانتهاكات الإسرائيلية إلى المحكمة الجنائية الدولية، والبعض يرى أن هذه الخطوة غير مجدية فى ظل عدم عضوية إسرائيل بها.. ما تعليقكم؟
البعد القانونى هو أحد الأبعاد والمسارات المهمة فى الصراع وبطبيعة الحال إلى جانب مسارات النضال المتعددة، ورغم عدم عضوية إسرائيل فى المحكمة، إلا أن هذا لا يعنى إفلات المسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين فى حال إدانتهم بارتكاب جرائم الحرب وصدور قرار من المحكمة بملاحقتهم، خاصةً فيما يتعلق بسفرهم إلى إحدى الدول الموقعة على نظام روما الأساسى المؤسس للمحكمة الجنائية، حيث يكون عليها تسليمهم رغم عدم اعتراف إسرائيل بالمحكمة، وهو الأمر الذى يتسبب فى حالة من القلق لدى المسؤولين الإسرائيليين إلى الحد الذى يدفع بعضهم أحيانًا إلى إلغاء سفرهم للخارج، خوفًا من إلقاء القبض عليهم أو تسليمهم.
صحيح أن إسرائيل ليست عضوًا فى المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن ذلك لا يغير شيئًا ما دامت المحكمة تلاحق الأشخاص وليس الدول، وبالتالى، فإن هذا المسار القانونى ليس عبثاً بل إنه نتاج لعمل وجهد كبير من أجل ردع منظومة الاحتلال.
كيف تقيمون الموقف الأمريكى الحالى من التطورات الأخيرة فى فلسطين؟
مواقف إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن، المعلنة، وكذلك تحركاتها تتجه نحو العودة إلى السياسة التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية، خاصة من حيث تبنى حل الدولتين وإعطاء المؤشرات الإيجابية بإعادة الاتصالات مع القيادة الفلسطينية وإعادة افتتاح قنصليتها فى القدس الشرقية، وبإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن وإعادة المساعدات للشعب الفلسطينى والأونروا.
وقد أعطت هذه المؤشرات الإيجابية تفاؤلًا بإمكانية استئناف عملية سلام جادة وحقيقية، وذات مصداقية تفضى لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية استنادًا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
لكن خطوات إدارة بايدن تبدو مفيدة من حيث إعادة ترميم العلاقات الفلسطينية الأمريكية بعد سنوات التوتر، إثر قرارات الإدارة السابقة، والتى لا تصب بأى حال من الأحول فى صالح الحق الفلسطينى، ولكنها لا تعنى المساس بالعلاقات الأمريكية - الإسرائيلية الاستراتيجية.
هل تعتقد أن الدور الأمريكى ما زال مهمًا فى القضية الفلسطينية رغم الانحياز الذى تحدثت عنه؟
بالطبع، فرغم ما ذكرته، فإن الدور الأمريكى يبقى مهمًا فى التدخل لدفع عملية السلام والتأثير على المواقف الإسرائيلية، وتنفيذ رؤية حل الدولتين، وهو الحل الذى يحظى بإجماع وتأييد كل دول العالم، وعلى رأسها أمريكا، باعتباره السبيل لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار فى المنطقة، وهو الدور الذى لم تقم به حتى اليوم. وأعنى دفع عملية سلام جادة وذات مصداقية وفق مفاوضات بإطار زمنى محدد لإنهاء الاحتلال، واستعادة الحقوق الفلسطينية بما يفضى لإنهاء الصراع على أساس القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية.
كيف تتحرك الجامعة العربية لحشد المجتمع الدولى لدعم القضية الفلسطينية؟
الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط، يولى القضية الفلسطينية ومستجداتها اهتمامه وتركيزه الأكبر، فهى تتصدر جدول أعماله ونشاطه اليومى كأولوية قصوى سواء بدوره الشخصى المباشر، أو من خلال توجيهاته لأجهزة الأمانة العامة واتصالاته مع الدول والمنظمات.
وتهدف الجامعة من خلال عملها إلى إبقاء القضية الفلسطينية راسخة على الساحة الدولية، وفى مقدمة الأولويات على جدول أعمال المحافل الدولية، عبر تنسيق الجهود العربية عبر التأكيد على الدعم الكامل للشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة، والتمسك بمبادرة السلام العربية، كإطار معتمد عربيًا وإسلاميًا ودوليًا لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى، وذلك للوصول إلى تسوية سياسية تفضى لإنهاء الاحتلال واستعادة حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة.
وسارعت جامعة الدول العربية منذ بداية العدوان فى مدينة القدس بالتحرك العاجل والسريع، ومباشرة الاتصالات والمشاورات مع كل الدول المعنية والفاعلة لوقف هذا العدوان، وقد اجتمع مجلس الجامعة فى دورة غير عادية على المستوى الوزارى، بتاريخ 11 مايو الماضى، للتشاور فى كيفية التصدى لهذا العدوان، والعمل على توفير الحماية للشعب الفلسطينى، ومطالبة المجتمع الدولى للتحرك العاجل والسريع من أجل ردع آلة العدوان الإسرائيلية.
وقرر مجلس الجامعة ضمن جملة أمور أخرى اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة على جميع الأصعدة والمستويات، بما فى ذلك إطلاق تحرك دبلوماسى مكثف من أجل حماية مدينة القدس، والدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، ودعم حقوق أهلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، وتشكيل لجنة وزارية تضم الأمين العام للجامعة، أحمد أبوالغيط، وعددًا من الدول العربية، وهى مصر، والأردن والسعودية وفلسطين وقطر والمغرب وتونس، لمتابعة التحرك العربى ضد السياسات والإجراءات الإسرائيلية فى مدينة القدس المحتلة والتحرك عبر بعثات الجامعة فى الخارج، والتواصل مع الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن وغيرها من الدول المؤثرة لوقف العدوان والسياسات والإجراءات الإسرائيلية، مع إبقاء المجلس فى حالة انعقاد دائم لمتابعة تطورات المخططات العدوانية الإسرائيلية، وكذلك الطلب من المحكمة الجنائية الدولية المضى قدما بالتحقيق الجنائى فى جرائم الحرب التى ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى.
الموقف المصرى الداعم لغزة ومبادرة إعادة الإعمار، ما هى رؤيتكم للدور الذى تلعبه مصر منذ بداية التصعيد الأخير؟
مما لا شك فيه أن الدور المصرى فى القضية الفلسطينية هو دور محورى ورئيسى فى الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى، وفى تقديم كل أشكال الدعم للقضية الفلسطينية، وذلك ما تجلى أثناء العدوان الإسرائيلى الأخير، حيث سارعت مصر بقيادة وتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، لتوظيف ثقلها وإمكاناتها وبذل أقصى جهودها السياسية والدبلوماسية والأمنية المكثفة للعمل الحازم والسريع لوقف العدوان الإسرائيلى، وإجراء الاتصالات والمشاورات مع الدول العربية والأطراف الإقليمية والدولية، لتوفير الدعم السياسى والإغاثى والإنسانى اللازم للشعب الفلسطينى، فنجحت مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى وقف العدوان الإسرائيلى، فيما تواصل دعمها السياسى والمادى، حيث فتحت المستشفيات المصرية لاستقبال الجرحى الفلسطينيين جراء العدوان وبادرت إلى تقديم 500 مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة المدمر.
وتستمر الجهود المصرية الحثيثة والمكثفة، لتثبيت وقف إطلاق النار، واستئناف لقاءات المصالحة الفلسطينية، وكانت زيارة اللواء عباس كامل، كمبعوث للرئيس عبدالفتاح السيسى، لإسرائيل والضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة، والرسالة التى حملها للرئيس محمود عباس، من أخيه الرئيس السيسى، فى منتهى الأهمية تعكس أهمية الدور ومدى الإصرار المصرى على مواصلته بأفق شمولى بعيد المدى وبمسارات متوازية تبدأ بما أشرنا إليه بتثبيت وقف إطلاق النار، وبدء إعادة الإعمار مرورًا بإعادة ترتيب البيت الفلسطينى وإنهاء الانقسام إلى إعادة مسار السلام الذى ينهى الاحتلال ويمكن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس من ممارسة السيادة والاستقلال، وهى جهود مقدرة وتحظى بمباركة ودعم من الدول العربية جميعها، بل ومن الأطراف الدولية المؤثرة، خاصة من أبناء الشعب الفلسطينى فى الأرض المحتلة الذى يعلى الهتاف والتحية مقرونة بالشكر والتقدير لمصر والرئيس السيسى، مصر الشقيق الأكبر وعلى الدوام خير الظهير والنصير.
كيف ترون مستقبل الانتخابات الفلسطينية المقبلة وتداعياتها على الداخل الفلسطينى فى المرحلة المقبلة؟
هناك إرادة ورغبة فلسطينية جادة وحقيقية لإجراء الانتخابات العامة «الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطنى» فى أقرب وقت ممكن، وقد أصدر بالفعل الرئيس محمود عباس مراسيم إجرائها، ولاقت ترحيبًا من جميع الفصائل الفلسطينية وعربيًا ودوليًا، وسارع الشعب الفلسطينى ممن لهم حق التصويت فى تسجيل بياناتهم، استعدادًا للقيام بواجبهم الوطنى، إلا أن تعنت إسرائيل ورفضها إجراء الانتخابات فى القدس والتضييق على المرشحين المقدسيين، ومنعهم من عقد لقاءات أو تحضيرات استعدادًا للانتخابات، حذا بالرئيس عباس لإعلان تأجيلها، حيث ليس مقبولًا أن تمنع القدس، عاصمة دولة فلسطين، من المشاركة فى الانتخابات، لأن ذلك يحقق مخططات وأهداف الاحتلال، وهذا لن يحدث ولن يتم السماح به من الشعب الفلسطينى وقيادته، وسيتم عقد الانتخابات فى الوقت الذى يمكن فيه إجراؤها فى القدس ضمن كل المناطق الفلسطينية الأخرى.
ستستمر الجهود الفلسطينية والعربية، خاصةً المصرية فى رعاية حوار المصالحة بين الفصائل، ويستمر التواصل مع الأطراف الدولية الفاعلة للضغط على إسرائيل للسماح بإجرائها فى القدس، فلن يقبل الشعب الفلسطينى والقيادة الفلسطينية أن يتم تغييب عاصمة دولة فلسطين عن أى استحقاق انتخابى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة