بعد أقل من أسبوعين من مفاجأة الرئيس جمال عبدالناصر، للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، بتعيينه وزيرا للإرشاد القومى «الإعلام» مع احتفاظه برئاسة «الأهرام»، كشف «هيكل» فى مقاله «بصراحة» بالأهرام، 8 مايو، مثل هذا اليوم، 1970 أسرار هذا القرار الذى صدر يوم 26 إبريل 1970 دون علمه، رغم قربه من عبدالناصر، ومحاولته الاعتذار، وقصة اللقاء الذى جمعه بالرئيس بعد صدور القرار.. «راجع، ذات يوم 26 و27 إبريل 2021».
كتب هيكل مقاله بعنوان «إيضاح»، مؤكدا أنه لم يكن له سابق علم بالقرار.. قال: «ذلك القرار الذى اعترض امتداد عملى صحفيا لمدة ثمانى وعشرين سنة، كان مفاجأة بالنسبة لى، ولم يكن لى سابق علم به، بل لم أكن فى القاهرة حين صدر، وأذيع ظهر الأحد السادس والعشرين من إبريل».. يؤكد أنه عاد إلى القاهرة «كان فى مزرعته ببرقاش» وتوجه إلى مكتبه فى الأهرام.. وكانت السكينة عادت إلى نفسه، وأصبح أقدر على تقدير موقفه، وكتب هذا الموقف، فى سبع نقاط رآها تعوق الجمع بين كونه وزيرا ورئيسا لتحرير الأهرام، مع تفضيله أن يبقى فى مهنته الأصلية كصحفى.. «راجع، ذات يوم، 27 إبريل 2020».
تلقى عبدالناصر النقاط السبع التى ذكرها هيكل، وبعدها بساعات كانت محورا للنقاش بينهما، يذكر تفاصيله، قائلا: «فى الساعة السابعة مساء ذلك اليوم «الأحد» 26 إبريل، كنت أنتظر فى غرفة الاستقبال فى بيت الرئيس عبدالناصر لموعد أبلغت أنه تحدد معه، ودخل الرئيس بعد لحظات، ومنذ البداية طالعتنى ضحكته، كان كريما ورقيقا كعادته معى، وكان الإنسان قبل أن يكون القائد، وجلس وجلست وأشار بيده قائلا: «انتظرنى سوف أتكلم أنا وبعدها سوف أسمع منك.. عرفت بوجهة نظرك كلها.. وأنت تعرف كيف أتخذ ما اتخذ من القرارت.. فكرت فى هذا الموضوع كثيرا، وتحدثنا فيه من قبل، وكل وجهة نظرك كما عرفتها اليوم لم تكن بعيدة عن حساباتى وأنا أفكر فى الموضوع، لكن الأمر لا يتعلق بى.. كما أنه لا يتعلق بك، لكنه يتعلق بخدمة وطن، نشترك جميعا، أنا وأنت وكل الناس، فى حبه.
يضيف هيكل: «مضى الرئيس يشرح أبعاد الصراع الذى تخوضه مصر والأمة العربية، وميادين هذا الصراع، وتحدث عن ميدان القتال، وميدان السياسة، ثم عن ميدان الإعلام وارتباطه بالحرب النفسية، ثم ركز الرئيس على ميدان الإعلام، وأدار فيه حديثا واسعا ثم قال الرئيس: والآن نصل إلى موقفك، إن تقديرك لموقفك يشتمل على نوعين من النقط.. نوع يتصل بك، وعليك أنت تحقق فيه لنفسك التوازن الذى تجده ضروريا، ونوع آخر يتصل بى، ومن الآن فإنى أريحك فيه بتحديد واضح، سوف أقول رأيى فى أربع نقط مما خطر لك وأنت تقدر موقفك».
يتذكر هيكل أن الرئيس كان يواصل حديثه، وإصبع السبابة فى يده اليمنى تعد على أصابع يده اليسرى وهو يتكلم قائلا: «أولا- القرار ليس تغييرا لعملك الصحفى، ولكنه تكليف بمهمة معينة، ولمدة معينة، تتفرغ بعدها تماما لعملك الصحفى.. ثانيا - أننى من هذا الاعتبار رأيت أن تجمع بين العملين، لأنى أعرف حرصك على استمرار صفتك الصحفية، وعلى دور الأهرام. ثالثا - أننى أرى أنه يتحتم عليك أن تواصل مقالك الأسبوعى «بصراحة»، لأنى أعرف ارتباطك به.. رابعا - لك أن تكتب ما تشاء، وليس ذلك استثناء لك وحدك حقه، وإنما هو طبيعة أن النظام يقوم على تحالف قوى الشعب، ومعنى وجود أطراف متعددة فى هذا التحالف، أن هناك تعددا فى الآراء، وتلك سمة من أهم سمات التجربة المصرية، ويجب أن تستمر هذه السمة، لأنها ضمانة أساسية، بل إنى أعتبرها جوهر الممارسة الديمقراطية لتحالف قوى الشعب العاملة».
يضيف هيكل: «سكت الرئيس، وتطلع إلىِ وهو يقول باسما: «هل بقى شىء؟»، واستمر الحديث بعدها قرابة الساعة، وكانت تعليقاته كلها واضحة ومضيئة.. قال مرة من خلال المناقشة: إن الوطن فى وقت الحرب - وحتى فى وقت السلم - من حقه أن يكون له ما يشاء، وليس للصحفيين فى ذلك استثناء.. لقد أخذوا «نورثكليف» وزيرا للذخيرة فى بريطانيا وقت الحرب العالمية الأولى، وأخذوا «بيفريروك» وزيرا لإنتاج الطائرات فى الحرب العالمية الثانية».. يضيف هيكل: «حينما قلت: إن هؤلاء جميعا كانوا أصحاب صحف، وكان دورهم العمل فى المهنة قد انتهى.. قال الرئيس ضاحكا: لعلك تلاحظ أننى لم أعينك وزيرا للذخيرة أو الإنتاج للطائرات.. اخترتك لمجال أنت تعرفه وتعيش فيه، ولك فيه آراء قلتها وكتبتها، ولست أريد منك غيرأن تنفذ ماتقول وتكتب».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة