«اليوم أعلن النصر، النصر للعمال العرب فى معركتهم من أجل الحرية والاستقلال، وبهذه المناسبة وباسم شعب الجمهورية العربية المتحدة أحيى العمال العرب جميعا، لأنهم حققوا النصر الكامل للأمة العربية، وباسم شعب الجمهورية العربية المتحدة، وباسم كل فرد منكم أهدى هؤلاء العمال العرب جميعا أرفع وسام فى الجمهورية العربية المتحدة، أهدى هذا الوسام للاتحاد الدولى للعمال العرب، أنا أعبر بذلك عن تقدير كل فرد من أبناء الأمة العربية لهؤلاء الرجال الذين لم يترددوا فى أن يخوضوا هذه المعركة، ولوكانت على حساب أرزاقهم».
جاءت هذه الكلمات من الرئيس جمال عبدالناصر فى خطابه أمام عشرات الآلاف فى مدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية فى 7 مايو، مثل هذا اليوم ، 1960»، بمناسبة العيد القومى للمحافظة وكان اليوم التالى لانتصار العمال العرب فى معركة الباخرة المصرية «كليوباترا».
بدأت معركة كليوباترا يوم «13 إبريل 1960»، حيث فوجئ طاقم الباخرة برفض عمال الموانئ فى نيويورك بأمريكا تفريغها، وكانت تحمل 8 آلاف طن من القطن المصرى طويل التيلة، وكان مقررا أن تعود بشحنة قمح أمريكى، وحين وصلت الباخرة فوجئ طاقمها المكون من 103 أفراد يقودهم القبطان «أحمد بهاء الدين مندور» بتجمع عدد من البحارة الأمريكيين حول الباخرة، ومنعوا عمال الشحن من تموينها وتفريغها وشحنها .
جاءت العملية نتيجة تحريض شنه رئيس الوزراء الإسرائيلى «بن جوريون» داخل أمريكا للمطالبة بمقاطعة السفن المصرية للضغط على القاهرة من أجل السماح للسفن الإسرائيلية بعبور قناة السويس، وهو ما أشار إليه الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى «الأهرام» يوم 27 إبريل، حيث اتهم بن جوريون بتدبير هذا الأمر، وفشله فى تحريض العمال فى موانئ السويد والنرويج والدانمارك.
حين تلقى عبدالناصر الخبر تحدث إلى وسائل الإعلام والإذاعة لمدة خمس دقائق شارحا أبعاد ما جرى للباخرة، وطالب عمال الموانئ العربية بالرد الفورى، ومع فشل كل الاتصالات السياسية الرسمية بين مصر وأمريكا، عقد اتحاد العمال العرب اجتماعا فى القاهرة برئاسة «سالم شيتا» ليبى الجنسية، و«أسعد راجح» يمنى الجنسية، ووفقا للأهرام، يوم 27 إبريل 1960، فإن الاتحاد اعتبر أن مقاطعة «كليوباترا» عمل عدوانى ضد الدول العربية كلها، وأن الموانئ العربية بما فيها غير الممثلة فى الاتحاد ستقوم بتنفيذ قرار مقاطعة السفن الأمريكية، وقررت مقاطعة البواخر الأمريكية فى موانئ الجمهورية العربية المتحدة.
كان تفعيل قرار المقاطعة فى الموانئ العربية يوم «29 إبريل و30 إبريل» وحسب الأهرام: «عند منتصف الليل بدأت مقاطعة السفن الأمريكية فى 21 ميناء عربيا».. «230 ألف عامل عربى فى الموانئ العربية ردوا أمس على مؤامرة إسرائيل ضد كليوباترا».. وأوضحت «الأهرام» أن العمال توقفوا عن العمل فى إصلاح وتفريغ السفن الأمريكية، ورفعت فى الموانئ لافتات مكتوب عليها: «لا ماء، لا طعام،لا وقود، لا شحن، لا تفريغ».
بدأت المقاطعة فى موانئ الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) وهى الإسكندرية والسويس وبورسعيد واللاذقية، ثم انضمت موانئ بيروت، وطرابلس فى لبنان، والعقبة فى الأردن، وفى الكويت، والمغرب، واليمن والسعودية، وحسب الأهرام فى 3 مايو: «هدد عمال ميناء بومباى بالهند بالاشتراك فى الإضراب»..أدى هذا الرد العربى الحاسم إلى أن يقرر «بول هول» رئيس نقابة عمال البحر الأمريكيين إنهاء حصار «كليوباترا»، وفى المقابل أنهى اتحاد العمال العرب مقاطعة السفن الأمريكية.
كان الكاتب «يعقوب الشارونى» رائد أدب الأطفال شاهدا على ما حدث فى المنصورة.. كان موجودا ليتسلم جائزة أفضل نص مسرحى وهو «أبطال بلدنا».. يتذكر بحسب تصريحات صحفية: «قرر الرئيس عبدالناصر أن يوزع الجوائز فى مكان أسر لويس التاسع بالمنصورة 7 مايو 1960، وأقيم احتفال كبير، ذهبت فرأيت الميدان الرئيسى به نصف مليون شخص، والحفلة كانت فى قاعة المحافظة، عبدالناصر جاء من القاهرة وسيارته لم تستطع أن تدخل من زحام الناس، وقرر نقل الميكروفانات إلى الشرفة المطلة على الميدان، وفوجئت بالرئيس بدل أن يبدأ الخطاب، يلتفت حوله، وينادينى باسمى، وسألنى: «انت محضر كلمة تقولها؟..قلت: «أيوه يا افندم»، فوضع يده على كتفى وقال لى: «اتفضل»..هذه اللحظة لا تعادلها أى جائزة.. رئيس الجمهورية يقدمنى على نفسه، والعالم العربى كله يترقب ماذا سيقول، خاصة أن هذا اليوم حدث فيه شىء غريب.. باخرة مصرية اسمها «كليوباترا» فى موانئ أمريكا، ونتيجة الصهيونية العالمية حرضوا عملاء الميناء على عدم تفريغها، إنما العالم الذين مع عبدالناصر ضغطوا، وصباح اليوم تم تفريغ السفينة، فكانت كلمتى عن أن هذا انتصار كبير، وكان الجميع يصفق لى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة