كيف تحول الحلم الأمريكي إلى كابوس حقيقي وكيف ابتكر المخرج فن التضليل اللذيذ مقتفيا أثر كريستوفر نولان فى غابة الفيزياء؟
سيناريو عذب يفجر أثر الأشياء البسيطة ويقف وراؤه الكثير من المعرفة والفلسفة والمتعة والإتقان
منى زكي تحولت إلى علامة فنية كبيرة ومدهشة وقبضت على مفاتيح موهبتها الفريدة ولم تعد تذكرنا سوى بمنى زكي
فراج وممدوح فى مباراة تمثيل استثنائية تقلبنا معهما حيثما تقلبا وسيد رجب برع في الإمساك بخط السخرية السوداء
نجحت الفنانة التونسية "عائشة"في الظهور كالشبح أو كالملاك فأشرقت بكامل نورها حينما أحبت وشحبت حتى كادت أن تختفي حينما مرضت
حذرنا صناع الفيلم الملهم "انترستيلار" الذي أخرجه "كريستوفر نولان" عام 2014 من عدم الإلمام ببعض قوانين الفيزياء قبل مشاهدة هذا العمل، وقد حدد البعض عدد هذه القوانين وامتلأ الفضاء الإليكتروني وقت عرض هذا الفيلم بالشارحين الذين حملوا على عاتقهم مهمة تبسيط هذه القوانين وشرحها، وعلى ما يبدوا فإن المخرج المصري الكبير "تامر محسن" قد سار على هذا الدرب لكن في الاتجاه المعاكس، ويبدو أنه كان يريد أن يقول لنا عبر مسلسله المدهش "لعبة نيوتن" أننا لكي نفهم قوانين الفيزياء فلا بد لنا أن نفهم النفس الإنسانية التي تسير وفق حتميات متعددة لا تتعارض ولا تختلف، وما علينا إلا أن نتأمل ونرصد، ثم نتأمل ونرصد.
لعبة نيوتن أم خدعة نيوتن ؟
استلهم المخرج والمؤلف تامر محسن اسم هذا المسلسل من أحد قوانين عالم الرياضيات الأشهر "اسحق نيوتن" وبحسب تصريحاته السابقة فالقانون المشار إليه ينص على أن "لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه وبهذا فسر لنا "محسن" وجود اسم "نيوتن" لكن للأسف لم يسأله أحد لماذا اختار كلمة "لعبة" بالتحديد؟ وإذا كان فعلا يريدنا أن نسلم بحتمية تلك القوانين أم لا؟ وهنا علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا لم يسم المسلسل "حكمة نيوتن أو قانون نيوتن" مثلا؟ ثم يا ترى ما المقصود هنا بكلمة "لعبة"؟ هل المقصود اللعبة ذات القوانين الصارمة التي تنظم المنافسة كقولنا "لعبة كرة القدم" والتي تكون ترجمتها إلى الإنجليزية "game" أم اللعبة بمعنى الشيء الذي يلعب به الأطفال كالعروسة والحصان والعربة الذي نهديه إلى أطفالنا والتي يكون ترجمتها إلى الإنجليزية بـ"toy"؟ أم اللعبة بعنى الخديعة أو "الملعوب" والتي يكون ترجمتها إلى الإنجليزية "Trickery" ؟
فسر لنا تامر محسن ذكر نيوتن، لكنه لم يفسر ذكر "لعبة" وعلى ما يبدو فإن هذا التضليل الفني مقصود لذاته، وما أمتعه من تضليل! ذلك الذي يجعلنا نتابع لعبته يوما بعد يوم غير قادرين على الفكاك منها ولا قادرين على توقع نهايتها.
قصة المسلسل التي تابعها ملايين المشاهدين بسيطة بساطة الماء، لكن هذا الماء على بساطته هو السبب الرئيس في حياتنا وبدونه نهلك ونموت، وهذا ما أراده تامر محسن بهذا المسلسل المعجون بالجمال الفاتن، أن يفجر أثر الأشياء البسيطة، أن نستكشف الإنسان عبر الأزمات اليومية العابرة التي شكلت شخصية الإنسان في بدايته وتتحكم في مصيره حتى النهاية، فالقصة كلها تدور حول "هنا" – منى زكي- السيدة البسيطة الموظفة في وزارة الزراعة التي تريد أن تثبت قوة شخصتها لزوجها، فسافرت إلى أمريكا لتضع طفلها هناك ليكتسب الجنسية الأمريكية، ولا يرهقنا "محسن" كثيرا بتبرير هذا الفعل اعتمادا على سمعة "الباسبور الأمريكاني" الذي أصبح الغاية الأجل لمئات الملايين من البشر، وهكذا تبدأ رحلة اللهاث، وهكذا نستمتع باللعبة.
تسافر "هنا" إلى أمريكا، وتبدأ رحلة المعاناة، فقد تعذر سفر زوجها إليها، وأصبحت وحيدة تماما، بلا مأوى ولا أموال كافية، لهذا يتراجع الزوج عن إيمانه بفكرة وضع الطفل بأمريكا ويأمرها بالعودة، لكنها لا تقبل بالاستسلام ولا تمتثل لأوامره، فقد دخلت التحدي أو "اللعبة" ولابد لها أن تفوز، وهنا تتعقد الأمور أكثر، ما بين قلة حيلة "هنا" وغضب الزوج الممزوج بالخوف على زوجته وجنينها. ومصادفة تعثر هنا على "زياد أو بيج زي" الذي تتعثر علاقتها به في البداية ثم تصفو، ثم يقودهما الحظ المتعثر إلى السجن لأنه كان يقود سيارة صديقته بلا أرواق ثبوتية، فتتعقد الأمور أكثر وأكثر.
وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى عَدُوّاً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ
يلجأ حازم إلى صديقه قديمة لتساعده في العثور على زوجته، فتلجأ هذه الصديقة إلى "مؤنس" الذي يقوم بدروه الفنان دائم التألق محمد فراج، ذلك الشاب السلفي الذي يقيم ما بين مصر وأمريكا حاملا الجنسية الأمريكية والذي يشرف على أحد المراكز الإسلامية هناك ويدير أمور بعض أفراد الجاليات الإسلامية، وبحكم علاقاته المتعددة، يستطيع أن يجد "هنا" في قسم الشرطة، ويبلغ زوجها بأنها تعيش مع شاب غريب وهو ما يدفعه إلى حافة الجنون، في ذات الوقت يعجب "مؤنس" بهنا ويرتبط بها عاطفيا ويسخط على علاقتها الأخوية بـ"بيج زي" ويحاول التفريق بينهما ويستضيفها في بيته
في ذات الوقت تتعقد حياة حازم بشكل مأساوي، فبعد سفر "هنا" يتعرض لمحاولة نصب على يد أحد العاملين بشركات السياحة فيأخذ أمواله ويتشاجر معه، ثم سرعان ما يجد المتاعب في المنحل الذي ينفق منه على نفسه، فمالك الأرض التي يقيم عليها المشروع يبيعها لرجل الأعمال "بدر" الذي يقوم بدوره "سيد رجب" ذلك الرجل الغامض صاحب الأفعال الغريبة وردود الأفعال غير المتوقعة، فحينما يذهب إليه حازم ليجدد عقد الإيجار يطلب منه كيلو عسل نحل لقياس مدى استحقاقه للأرض، وحينما يأتي إليه بالعسل يرفض معاينته لأن "البطرمان كان مبصم" أي غير نظيف، ويقرر بدر طرده من الأرض يرسل إليه أحد أتابعه ليخرجه من الأرض وحرق المنحل، فيضطر حازم إلى مقاومته فيلقي عليه مادة "الفيرمونات" الجاذبة للنحل فيقتله النحل قرصا، ويعيش حازم مهددا بكشف جريمة قتله لشاهين حتى آخر المسلسل، خائفا من رد فعل بدر الذي يعجب بطريقة القتل هذه لأنها "طريقة أورجانيك" ويقرر مشاركته في مشروع أكبر لعمل منحل يعتمد على رحيق نبات الأفيون، معتقدا أن هذا الاختراع سيشفي صديقته أمينة التي تقوم بدروها "عائشة بنت أحمد" التي تعاني من آلام عنيدة بقيت مجهولة السبب حتى اكتشفنا في نهايات المسلسل إصابتها بالسرطان.
الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ..الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ
بدافع الحب أصبح حازم كالثور الهائج يخاف على "هنا" ويأمل في عودتها، وبدافع الغير أصبح حازم كالبركان الغاضب فتعقدت الأزمات وانفجرت المشكلات، ووسط كل هذه الأزمات العنقودية تتفجر أم الأزمات ألا وهي ولادة "هنا" فبعد الولادة تسمع هنا رسالة من زوجها وهو يلقي عليها يمين الطلاق، فتصاب بانهيار عصبي يؤججه ابتعاد ابنها عنها لدخوله الحضانة فتهدد العاملين بالمستشفى بقتل نفسها إن لم يأتوا إليها بابنها، وهنا تكشر أمريكا عن أنيابها ويتكشف وجه قوانينها الخشن، وبأمر المحكمة تتحفظ المستشفى على الوليد الصغير خوفا على حياته، لا تسمح برؤية الأم له إلا بعد أن يلجأ "مؤنس" إلى الادعاء بأنه والد الطفل فيمنحونه حضانته.
أزمة تؤدي إلى أزمة، ومشكلة ينتج عنها مشكلة، في سياق درامي غاية في الإحكام، وأداء تجسيدي مبهر، فالمشكلة الأساسية كما رأينا على قدر كبير من البساطة، لكنها بساطة معقدة، فخ يجرنا إليه تامر محسن بعبقرية نادرة، معتمدا على قوة بناء الشخصيات وعيوبها الإنسانية العادية، شيء أشبه بالحبكات الشكسبيرية الخالدة، بطل تراجيدي يوضع في ظروف عادية، لكن هذه الظروف العادية تتحول إلى مأساة بسبب عيب شخصي كامن في بطل المأساة، شيء كتردد هاملت أو غيرة عطيل أوطموح ماكبث، والعيب التراجيدي في شخصية "هنا" هو عدم الثقة في النفس التي لا يمنحنا مؤلف العمل ومخرجه "تامر محسن" سببا مباشرا لها، لكنه يمنحنا سياقا من الممكن أن نستشف منه أساس المشكلة، منها أنها امرأة وحيدة في وسط مجتمع ذكوري يرفض الاعتراف بالأنثى، ومنها عدم وجود "أب" في أسرتها، ومنها إحكام قبضة أمها عليها، لكن على أي حال تلك الحالة من الثقة المتزعزعة في النفس هي التي دفعت "هنا" إلى الكفاح من أجل إثبات ذاتها ونيل اعتراف بجدارتها، ولذلك كان قرار ذهابها إلى أمريكا بمفردها كقرار من أراد أن يتعلم السباحة بأن يلقي بنفسه في المحيط.
يوما بعد يوم تتأجج نيران عاطفة "مؤنس" أمام "هنا" فيساعدها كثيرا ويتقرب منها كثيرا، وفي عز أزماتها يطلب يدها للزواج ويخبرها أنها أصبحت حرة الآن من حازم بعد انقضاء عدتها بالولادة، وهنا تتجلى أحد أهم مميزات هذا المسلسل ألا وهي فضيلة التوظيف الدرامي للمعرفة، فمسألة مثل انقضاء عدة المطلقة بالوضع مسألة فقهية لا يعرفها إلا المتخصصون، وأن يستعين بها مؤلف أو مخرج ويجعلها مرتكزا دراميا تدور حوله الأحداث فهذا أمر يؤكد أنها من النسيج الأصلي للدراما، وأن معرفة المؤلف والمخرج للفقه ساعدته كثيرا في البناء الدرامي.
في الحقيقة فإن هذه المعرفة تجلت في الكثير من مواضع المسلسل، منها مثلا فلسفة العمل التي تجلت في اسمه "لعبة نيوتن" والتي تعتمد على قانون الحركة الثالث كما ذكرنا آنفا، وتجلت أيضا في معرفة عوالم النحل وتربيته، فرأينا حازم يقتل تابع بدر بما يسمى "الفريمونات" التي تجذب النحل إلى المرعى، وهو أمر لا تتسنى معرفته إلا لمن يربي النحل فعليا، كما رأينا تجربة عمل عسل النحل على مرعى نبات الخشخاش جوهر الأفيون وفشلها والتي فسرتها "هنا" في آخر المسلسل بأن النحل لا يرعى على النبات وإنما على الزهرة، ورأينا الاستشارة القانونية المعتبرة التي تلقاها حازم في آخر المسلسل لمعرفة موقفة القانوني من موت "شاهين" تابع بدر، وهل يعد قتل خطأ أم دفاع عن النفس أم قتل عمد؟ وكل هذا يخبرنا بأن صانع المسلسل "تامر محسن" بذل الكثير من المجهود وراء العمل وبحث في الكثير من المعارف وتلقى الكثير من الاستشارات لكي يخرج هذا العمل بهذا الانضباط.
منى زكي ثم منى زكي ثم منى زكي
لعل من أهم الإضافات التي قدمها مسلسل "لعبة نيوتن" هو تقديم الفنانة "منى زكي" في أبهى صورها وأفضلها، فمنى زكي قبل هذا المسلسل "نجمة" سينمائية كبيرة ولامعة، ممثلة معروفة ومشهورة وقريبة من القلوب، لكن منى زكي بعد هذا المسلسل تشق طريقها لتصبح علامة فنية كبيرة ومدهشة في تاريخ الفن المصري، فقد ملكت منى زكي في هذا المسلسل مفاتيح موهبتها، صارت المتحكمة الأولى والأخيرة في انفعالاتها، صارت قادرة على ابتكار ردود أفعالها الفريدة، امتلكت من الثقة الفنية الكثير وصالت وجالت كيفما تريد، تضحك ببراءة وتبكي بصدق وتخجل بأنثوية وتغضب بشراسة وتنهار بكامل قوتها، تعبت "منى" على استخراج الكثير من وجدانها واستخراج الكثيرات من شخصيتها، فلم تعد منى زكي تذكرنا سوى بمنى زكي بعد أن زاحمتها الكثيرات من نجوم الزمن الجميل في السابق ، لكنها تمردت في هذا المسلسل على صورتها الذهنية وقدمت صيغة تمثيلية ملهمة وعفية، وتعاملت مع كل مشهد تؤديه وكأنه "ماستر سين" فتربعت على عرش التشخيص في مصر باقتدار، وأعتقد أن مشاهد مثل (الحبسة في الحمام - الولادة - تليقها ورقة الطلاق من حازم - تعرضها للاغتصاب من مؤنس) ستظل كثيرا في أذهان المتابعين وستتحول بمرور الزمن إلى أيقونات فنية عصية على التجاهل.
ممدوح / حازم – فراج / مؤنس
على طرفي "هنا" أدى الممثلان "محمد فراج" و"محمد ممدوح" مباراة تمثيلية غاية في البراعة، فممدوح الذي تمرس كثيرا على هذا الدور نجح باقتدار في أن يضعنا في ارتباكه الشخصي وأزعم أنه استطاع أن يجعلنا نقف منه موقف الحياد في حين أنه كان يستحق منا التعاطف أو الحب، وعلى النقيض نجح الفنان محمد فراج في أن يجعلنا نتعاطف معه أخيرا برغم أنه كان من المفترض أن نكرهه أو على الأقل أن نكون حياديين معه، وهذا من وجهة نظري جزء من عبقرية أداء فراج الصادق، وجزء أيضا من عبقرية الدراما التي تبرز تقلبات البشر وتناقضهم والتي تظهر تطور الشخصيات مع الزمن، فحازم قبل سفر هنا كان رجلا عاديا لا يعيبه شيء سوى التردد في اتخاذ القرار وعدم صياغة مشاعره الحقيقية في قالبها الصحيح، وبعد سفر هنا ظهر اندفاعه وتوتره كما وضح ضعف شخصيته التي فسرها المؤلف والمخرج بشعوره بعقدة الاضطهاد داخل أسرته لصالح أخيه الأكبر، أما مؤنس قبل "هنا" فكان مثالا لرجل الأعمال الناجح بنفاقه وزيفه، فهو السلفي حامل الجنسية الأمريكية الذي تزوج من أجنبية مسلمة وأوهمها بأنه يمشي على الصراط المستقيم لكنه في الحقيقة كان يلجأ إلى الألعاب القذرة بأن يسلم هذا إلى الشرطة مقابل بعض الخدمات أو يستغل ضعف أنثى مغتربة كما فعل مع هنا، لكن مع تطور الأحداث تظهر عقدة "مؤنس" ابن الراقصة التي طلقها أبوه لأنها لم تعد تناسبه، وبدافع الحب يتصالح مؤنس مع كونه ابنا لراقصة، كما يتغير بدافع حبه لهنا فيتحول إلى أعيننا إلى "مريض نفسي" بحاجة إلى التعاطف والعلاج، وقد استطاع الفنان محمد فراج أن يظهر كل هذا التناقض باحترافية واقتدار فتقلبنا معه حيثما تقلب.
سيد رجب وعائشة بن أحمد..
أما الفنان سيد رجب الذي قام بدور بدر فقد نجح في أن يربكنا بارتباكه وأن يصنع من نفسه لغزا كبيرا يجذب الجميع مثيرا للتساؤل هل هو شيطان أم ملاك؟ هل هو رجل يحب السطوة على الآخرين فيستعبد "حازم" ويأسر "أمينة" أم هو رجل خير وإحسان يريد تخفيف الآلام عن المتألمين ومساعدة الشباب المكافحين، وقد ظل سيد رجل ممسكا بهذا الخط الساخر من الجميع المتفرج على الجميع المتحكم في الجميع حتى تبين جنونه في آخر المسلسل ففسرت أفعاله كلها ودوافعها، ويحسب للفنان سيد رجب أنه في دور "بدر" في لعبة نيوتن جذب الأنظار إليه بكل قوة وسط هذه الحبكة العبقرية والأداء الفذ لغالبية الممثلين، وظهر كتيمة فريدة لا يستطيع أحد أن يحل محلها.
النجاح أيضا كان حليفا للتونسية "عائشة" التي كانت في هذا المسلسل كالشبح أو كالملاك، أشرقت لكامل نورها حينما أحبت وشحبت حتى كادت أن تختفي حينما مرضت، وكان حوارها الوجودي مع سيد رجب حينما مرضت من أجمل مشاهد المسلسل العامرة بالفلسفة والسخرية في آن.
ولا يفوتني هنا الإشارة إلى موسيقى المسلسل المتميزة للموسيقار "تامر كروان" التي قدمت للمسلسل وأطرت الأحداث وأضفت للمسلسل روحا وطعما، عاكسة جميع أجواء المسلسل بكل تقلباته وصنعت منه حالة فنية متكاملة لا تستقيم صورتها بلا صوتها ولا صوتها بلا صورتها، وقد استغل" إمكانيات الآلات الموسيقية التي استخدمها أفضل استخدام، بداية من الإيقاع اللاهث الذي استهل به التتر والذي يشبه دقات الساعات المتلاحقة ثم دخول الآلات النحاسية بما تضفيه من رهبة وجلال، على أرضية من أصوات الكمان المتوتر، ثم صولو الكمان الذي شكل عصب المقطوعة الذي وبطلها، بمصاحبة آلات النفخ الرقيقة التي شكلت مع الكمان فكرة تقلب الأحوال وتبدل الأدوار.
حاشتنا اغراض الحياة عن النظر
يأخذنا صانع العمل "تامر محسن" في هذا المسلسل الشيق الجذاب إلى عوالم مختلفة وأزمات متعددة لكننا بعد كل هذه الرحلة ربما ننسى بداية الرحلة وأسبابها، فقد غادرت "هنا" إلى أمريكا لإكساب ابنها الجنسية الأمريكية لكننا ننسى وسط الأحداث المتلاحقة أن نسأل أنفسنا: بماذا نفعت الجنسية الأمريكية هذا الابن المسكين؟ وأين هذا الابن أصلا من كل الأحداث، وهذا ما يدفعنا إلى تذكر بيت شعر الشاعر الكبير الراحل "عبد الرحمن الأبنودي" الذي قال " حاشتنا اغراض الحياة عن النظر بالرغم من نبل الألم والانتظار" فقد انشغلت الأم عن أبنها بما أرادت أن تهديه به، وانشغل الأب عن ابنه بما أراد أن يوفره له، وانشغل الجميع عن الاستمتاع بمزايا الجنسية الأمريكية بما صنعته هذه الجنسية من آلام، حتى أصبح "إبراهيم" ابن حازم وهنا مثل "أحمد الزعتر" ذلك اللاجئ الفلسطيني الذي قال عنه محمود درويش
عشرين عاماً لم تلده أمّهُ إلّا دقائقَ في
إناء الموز
و انسَحبَتْ .
يريد هويّةً فيصاب بالبركانِ
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة