حين يبتلى المرء فى بصره يشعر بالوحدة واليأس وأن حياته بلا قيمة، يغلق الأبواب على نفسه ويدخل فى سراديب الظلمة، إلا من يرفع الراية البيضاء ويرضى بما كتبه الله، ويعلن عدم الاستسلام للظلام، ويتخذ من نعم الدنيا نورًا جديدا يضيء حياته، هذا ما فعله الحاج "مأمون" مع ابنته "فاطمة" حين ضرب العمى عينها وهى فى سن الرابعة، فلجأ إلى نور الله فى الأرض قرآنه الكريم، فحفظته وأتمته وهى فى سن العاشرة من عمرها، واتخذته رفيقًا لها طول 84 عامًا
فاطمة مأمون عفيفى نصار خادمة القرآن الكريم فى بلدتها بمحافظة الشرقية، تعود الحاجة الفاطمة بذاكرتها إلى أيام الطفولة لتروى لـ"ليوم السابع " واقعة لا تختفى من ذاكرتها رغم صغر سنها فى ذلك الوقت، آخر لحظات النور الدنيوى فى حياتها، تقول خادمة القرآن:" كان عندى 4 سنين وكنت بلعب عند الفرن بالطين بعمل عجينة كعك، مرة واحدة ما شوفتش، روحت دعكت فى عنيا، لفوا بيا المستشفيات والقصر العينى، وما فيش فايدة، الحمد لله نصيبى، الناس كلهم نصحوا أبويا يحفظنى القرآن الكريم".
تقول "سيادة" الابنة الصغرى للحاجة فاطمة: كانت جدتى تهتم بأمى فعلمتها كل أعمال البيت من طبيخ وغسيل وعجين وخبيز وغيرها من الأعمال المنزلية التى تكل منها المبصرات، ولكنها كانت تقوم بها على الوجه الأكمل، كما أن أهل القرية كانوا يستعينون بها فى تلاوة القرآن الكريم فى المآتم فكان صوتها عذبا وجذابا وقويا، حتى تعرفت على والدى، فكان صديقا لخالى وشريكه فى العمل وصناعة الحصير، رآى أمى فأحبها وطلب زواجها فى البداية كان الرفض من أمه قالت له " هتتجوز عمياء؟" فتمسك بها أكثر وصمم على الزواج حتى أتمه، "كانت وش السعد عليه" فعين موظف فى وزارة النقل، وأنجبت 4 أولاد ولدان وبنتان.
تكمل سيادة: على الرغم أنها كفيفة إلا أنها وقفت بجانبه وساندته وعملت فى قراءة القرآن فى المآتم لزيادة دخل الأسرة، عانت أمى من مجاملة جدتى "حماتها" فكانت تحاول كثيرًا الإيقاع بها ولكن الله كان يرسل لأمى من يساعدها ويقف بجانبها، حتى قرر أبى أن يكون له بيتًا خاص به، باعت أمى كل ما تملك من ذهب حتى فرشتها التى كانت تنام عليها، واشترت قطعة أرض وبدأت فى بنائها بنفسها، عملت أول غرفة من الطين بيدها، صممت على تعليمنا، أخويا الكبير بالمعاش وكان يعمل مدير أحدى الشركات التابعة لوزارة النقل، وأخى الأخر ناظر مدرسة الصحافة بالمركز وأنا حاصلة على دبلوم تجارة أما أختى الكبرى فليم تنال حظها من التعليم.
واستطردت الابنة الصغرى للحاجة فاطمة قائلة" أمى كانت بتساعد البلد كلها أى حد كان يطلب منها حاجة تعملها، فيها لله كتير حفظت أهالى البلد القرآن الكريم، لحد دلوقتى بتحفظ الأطفال فى القرية، ببركة القرآن الكريم بترقى المريض وربنا بيعفوا عنه ويشفيه بيجلها ناس من حته عشان ينولوا بركة القرآن الكريم من أمى".
أما أم أمانى زوجة ابنها الكبير فقالت "عمرى ما حسيت أنها حما، كانت بتساعدنى فى كل حاجة ربت عيالنا كلنا، واللى فى إيديها مش لها ده لعيالنا، عرفاهم كلهم لو قعدين وحد دخل علينا تقول فلان جه، قريبة من ربنا ودعوتها حلوة أوى، ماقدرش أعيش من غيرها بحبها جدًا عشت معاها أكثر ما عشت مع أمى اللى خلفتى، بقالى معاها 35 سنة، بدعليها ربنا يزيد فى عمرها وتعيش أد ما عاشت وزيادة".
ويقول علاء ابن بنت الحاجة فاطمة الكبرى "العمى عمى القلب مش العين، الحمد لله جدتى ربتنا كلنا 18 حفيد من أولادها الأربعة ببركة القرآن الكريم، ورغم كبر سنها إلا أنها بتساعد فى تربية 20 حفيدا تانيين أحفاد أحفادها، الحاجة عندها 38 حفيدا، كلهم بيحبوها وعارفاهم كلهم".
”أنا بحب القرآن كله عاوزة أنام به وأقعد به وأموت به، لو خيرونى دلوقتى بين نور الدنيا وأشوف أولادى وأحفادى، هقول لاء أنا عندى القرآن أحسن حاجة فى الدنيا ربنا أكرمنى به، بتمنى ربنا يحسن ختامى وأعدى على خير"، بتلك الأمنيات ختمت خادمة القرآن حديثها لـ"اليوم السابع".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة