عناصر نجاح أى عمل فني مبدع قائمة على ابتكار شيء جديد، أو التركيز على فكرة أو أمر معين، أو قضية تهم الرأى العام، ولا يوجد حاليا على الساحة من قضية تشغل الرأي العام سوى ظاهرة الإرهاب الذي يستهدف مصر، والمؤامرات التي تُحاك ضدها، ولكن كيف ستقدمها بدون مباشرة وبدون سطحية؟ هذا ما ابتعد عنه الكاتب عبد الرحيم كمال، فقد استطاع هذا المبدع أن يكتب لنا سيناريو واقعيا، أبدع فيه، وحوار ذكي يدعو للتفكير، فكل جملة في العمل ينطق بها بطل من أبطال المسلسل مدروسة بعناية ولها أكثر من معني يجعلك تتوقف عندها فكن يقظا وأنت تشاهد هذا العمل لأنك ستغوص وراء أفكار جريئة وتستمتع بمشاهد تجبرك علي التأمل .
ولا يكتمل العمل الفني نجاحا بسيناريو فقط ولكن يتطلب عناصر أخرى مبدعة منها الإنتاج لشركة سينرجي، التي وفرت كل مقومات النجاح من أماكن تصوير وسفر، في توقيت صعب السفر فيه لظروف كورونا، لكنها لم تبخل، فخرج العمل مشرفا من خلال مخرج واعد اسمه حسام علي، يهتم بكل تفاصيل المشهد، فالترابط والتوازن والانسجام والاهتمام بكل تفصيلة هو عنوان المخرج حسام علي، ففي كل مشهد يقدمه وكأنه فنان يرسم لنا لوحة تشكيلية تدفعك أيضا للانتباه والاهتمام والتدقيق، وأضف إلى ذلك العامل الأهم في نجاح أي عمل وهو أداء الممثلين، فنحن أمام عباقرة في فن الأداء السهل الممتنع هم طارق لطفي وحنان مطاوع وخالد الصاوي وفتحي عبد الوهاب ونبيل الحلفاوي وكل المشاركين في هذه السيمفونية والجرعة الإبداعية والمتعة بصرية التي جعلت هذا العمل في منطقة بمفرده يعزف فيها وسط دراما رمضان.
في الحلقة الثانية من المسلسل شاهدنا "قعدة تمثيل" جعلتنا نجلس وكأننا أمام سحرة، كل منهم يبدع ويكشف عن مكنون شخصيته وفكره واتجاهاته، بدون مباشرة ولأول مرة نشاهد ثلاثية الإرهابي والإعلامي وضابط الأمن االوطني في مكان واحد خلال عمل درامي ويتناقشون بكل أريحية لأنهم في الأساس أصدقاء طفولة جمعتهم البراءة ولكن اختلفت طريقة تفكيرهم مع الزمن وهي نظرة فلسفية من الكاتب عبد الرحيم كمال .
ويجب هنا أن نتوقف عند مشهد مهم جدا بما يحمله من حوار ومواجهة فالضابط عادل "خالد الصاوي" يقول لطارق لطفي "الشيخ رمزي": انتوا ليه قبلتوا تاخدوا من الأمريكان الكفرة فلوس وسلاح، وبتحرموا في نفس الوقت مرتبات حكوماتنا"؟ فيرد عليه رمزي: الأمريكان دول مسيحيين يعني أهل كتاب، فيرد عليه عادل ساخرا: وهم الروس أهل كراسة".
فهذا كان جزء من حوار يكشف عن الفكر الملوث والخداع والنفعية المتعفنة للجماعات الإرهابية، التي تجعل الدين وسيلة لمكاسب مادية دنيوية، فهذه الجماعات كما كشف الحوار تتاجر في الحشيش والسلام من أجل تمويل نفسها، وتعتبر هذه التجارة حلال انطلاقا من فقه الضرورات فالضرورات تبيح المحذورات .
توظيف مشاهد الفلاش باك في هذا المسلسل يعتبر جزءا كبيرا من نجاحه فهي تضيف الكثير، فمثلا أحمد رزق فى مشهد فلاش باك "الطفولة والأحلام " التى جمعتهم، فنجد أن كلا منهم تظهر عليه توجهاته وأفكاره منذ الطفولة التى تشبع بها من أسرته، ويحلف كل منهما بما يحبه ويضعه كهدف لمستقبله وأغلى ما لديه، فيحلف المخرج بالسينما وأنه سيصون السر حتى يحكم العالم، ويحلف الآخر بالحق والعدل والثالث يحلف بالفلوس، والرابع بالمصحف والسيف حتى يكون الخليفة وهو "رمزى" طارق لطفى فهنا يبني الكاتب تاريخ كل شخصية لنتعرف علي ملامحها وكيف وصلت لما هي عليه الآن .
اغتيال الرئيس السادات ظهر جزء منه داخل العمل لنكتشف من خلاله شخصية "غريب زيدان" ذلك الجارالذى سمم أفكار طارق لطفي وزهو صغير وجملته الشهيرة : " الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا "، ويحرم له كل ما حوله، ويدور نقاش آخر بين الأصدقاء الأربعة أحيانا حول غريب جارهم وهل هو شهيد أم لا؟، ويتخلل النقاش أيضا الفن وتحريمه، ويطلب الأصدقاء من رمزى أن يقول شعرا من أشعاره، ويرددون ما قاله من شعر فيرد رمزى: "أستغفر الله"، ويريد منهم التوقف عن شعر الغزل الذى كتبه فى "منال حسن"، ثم نعود فلاش باك لنرى منال "حنان مطاوع" مع رمزى "طارق لطفى" وهو فى الجامعة معها، ونجده "يغض بصره" عنها ثم يقوم بتوصيلها، ويدور بينهما مشهد داخل وسيلة مواصلات ويقول لها شعره الرومانسى فينال إعجابها.
حنان مطاوع
وفي مشهد آخر يعد من أفضل المشاهد أدائا بين حنان مطاوع وطارق لطفي مشهد اتصاله بها للإطمئنان عليها في الحلقة الثالثة فكم المشاعر الخفية التي يحملها كل منهما للآخر ولكن علي استحياء كان مشهد صعب للغاية ولكن نجح الثنائي حنان وطارق في تقديمه ببراعة شديدة .
فالمشهد به جرعة من الرومانسية التي تكشف ضعف الشيخ أمير الجماعة أمام حبه القديم ، فطارق لطفى يتصل على تليفون منزل حنان مطاوع فترد عليه مندهشة غير متوقعة سماع صوته، ويسألها: "هل تزوجتى" فتجيبه بلا، ثم يسألها أيضا: "هل تحجبتي؟" فتجيبه بلا، ثم تسأله: "لماذا اتصلت"، فيقول لها: "حبيت أسمع صوتك".
احمد رزق
المشهد أيضا الأكثر جرأة كان اجتماع الرباعي خالد الصاوي وفتحي عبد الوهاب وطارق لطفي وأحمد رزق فيطلب خالد الصاوى من طارق لطفى التعاون معه ومنحه معلومات لأنه وصلته تقارير تؤكد أن هناك كوارث ستحدث، فيرد عليه رمزى: "هل ترضى لى ذلك"، ويكشف له عن معلومات تخص أسرته وأن زوجته تذهب للمقرأة لتحفظ القرآن وأنها متدينة، ومعلومات أخرى عن أولاده ويقول له: "نحن أيضا نعرف نأتى بالمعلومات فنحن مؤسسة مثلكم"، ويسأله عن الغريب كيف مات ويكشف له أنه يستخدم كل وسائله من أجل الحصول على معلوماته وبعضها أساليب عنيفة، يتركهم أحمد رزق ويذهب ليأتى لهم بالعشاء "فول وطعمية" من مطعم يحبه، وعقب خروجه يشتد الحوار بين رمزى وعادل الذى يقول لرمزى: "اتقى شرى يا رمزى ويخرج مسدسه ويضعه أمامه ويحتد النقاش وفجأة نسمع صوت طلق نارى ونكتشف أن خالد صديقهم "أحمد رزق" قد أطلق عليه مجهول طلقا ناريا وسقط قتيلا، وتنتهى الحلقة بذلك .
طارق لطفي
فهذا المشهد يكشف الكثير من الأفكار التي يعتنقها كل طرف وكيف يفكر وكيف نشأ وكيف تحول فكره وابدع فيه المخرج حسام علي برغم صعوبته فهو مشهد طويل والشخصيات جميعا جالسة فلو لم يكن هناك إيقاع سريع في الحوار والأداء لتسلل الملل للمشاهد ولكن لم يحدث أي ملل علي العكس المشهد كان سريع جدا وبه توتر وكل حلقة من هذا المسلسل ثرية جدا والمخرج يستخدم الفلاش باك كثيرا من أجل توضيح الكثير من الأحداث، ويكشف كيف يتحول الطفل البرىء لشاب متزمت كاره لحياته، وكيفية بناء الإنسان وأن طفولته تؤثر عليه مستقبلا وفى فكره .
يقدم الفنان فتحي عبد الوهاب شخصية المذيع " طارق كساب " ذلك الإعلامي المخادع الذي يضع مصلحته أمام أي شيء وعلي علاقات بكل الأطراف ويلعب علي كل الأحبال وكل المشاهدين يؤكدون أنه انعكاس واسقاط للمذيع الشهير يسري فوده حتي انهم يشيرون لقاء ليسري فوده نفسه يقول فيه أن افضل من يقدم شخصيته فتحي عبد الوهاب .
الأحداث القادمة في هذا العمل الثري ستكون أكثر سخونة وأكثر مكاشفة ومواجهة بين الأطراف الثلاثة الإرهابي والإعلامي والضابط وكان معهما المخرج ولكنه راح ضحية .
مسلسل "القاهرة كابول" بطولة طارق لطفى، فتحى عبدالوهاب، خالد الصاوى، حنان مطاوع، نبيل الحلفاوى، خالد كمال، إسراء رخا، كريم قاسم سرور، شيرين، إيناس كامل، حسنى شتا، محمد عز، بيومى فؤاد، رشدى الشامى، ومن تأليف عبدالرحيم كمال، وإخراج حسام علي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة