سلطت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية، الضوء على ظاهرة الغارمات بعد توجيهات الرئيس السيسى بضرورة القضاء على هذه الظاهرة فى أسرع وقت.
وأشارت الدراسة إلى أن ظاهرة الغارمات ذات أبعاد اجتماعية خطيرة، إذ إنها أولًا، تسلط الضوء على معدلات الفقر بين النساء، والنساء المعيلات للأسر. وثانيًا تؤدى عواقب الظاهرة إلى تفاقم معدلات التفكك الأسرى وتشرد الأطفال.
من هن الغارمات؟
وفقا للدراسة فإنه يطلق مصطلح الغارمات على السيدات اللاتى لجأن للاستدانة لمساعدة أسرهن على تحسين الظروف الاقتصادية وتخطى الفقر، ولم يستطعن السداد فى الوقت المحدد، مما تسبب فى دخولهن السجن لفترات طويلة.
ويتصدر سبيان رئيسيان، لحدوث تلك الظاهرة، اولها؛ الاستدانة لشراء مستلزمات الزواج لأحد أبنائها، والتعثر فى سداد اقساط تلك المستلزمات ما يؤدى إلى سجن السيدة لعدم قدرتها على السداد، وثانى تلك الأسباب يتمثل فيما يعرف بالضمانة، حيث تضمن السيدة أحد أقربائها فى التقسيط وحين يتعثر الطرف الأول عن السداد يصير الضامن غارم وتتم مقاضاته. وكثير ما يصيب هذا النوع السيدات.
وبمجرد دخول الغارمات السجن يواجهن العديد من الضغوط الحياتية سواء على الصعيد النفسى أو ضغوط خاصة بعلاقاتهن داخل السجن أو ضغوط تواجه أسر الغارمات إذا كن العائل الوحيد للأسرة.
معدلات وإحصاءات
أشارت الدراسة إلى أنه لا توجد احصائيات رسمية تفيد بأعداد الغارمات فى مصر، لكن بعض الجمعيات المنخرطة فى العمل للحد من تلك الظاهرة قد قدرت أعداد الغارمات فى مصر بين 30% إلى 35% من إجمالى السجناء، أى قرابة 30 ألف سجينة، وذلك بخلاف اللاتى حصلن على أحكام نهائية قيد التنفيذ.
جهود الدولة فى الحد من الظاهرة
وأشارت الدراسة إلى أن الدولة عالجت طيلة سنوات ليست بالقلية تلك الظاهرة بأسلوب واحد وهو الإفراج عن بعض تلك الفئة من النساء فى المناسبات وخاصة عيد الأم، فأفرجت وزارة الداخلية عن العديد من النساء منذ عام 2010 وحتى عام 2013 بواقع 568 سجينة عام 2010 و358 عام 2011 و297 سجينة فقر فى عام 2012، اما فى عام 2013 فبلغ عدد الغارمات المفرج عنهم حوالى 99.
ومع حلول عام 2015، بدا فى الأفق وجود خطة بديلة ومعالجة جذرية لمشكلة الغارمات، فكان هناك خطين يعملان على التوازى الأول وهو العفو عن الغارمات وخروجهم فى المناسبات الرسمية والثانى هو دراسة الظاهرة ومعالجتها والوقوف على اسبابها ودعم الغارمات بعد خروجهن ومواجهة الحياة حتى لا يرجعن للسجن مرة اخرى، بجانب دعم المعيلات للأسر من النساء حتى لا تضطرهم لخوض تلك التجربة.
مبادرة سجون بلا غارمين أو غارمات
تأسست المبادرة بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسى عام 2018، وقد اولى صندوق تحيا مصر اهتمامًا خاصًا لهذا الملف، حيث عمل على تنفيذ عدة محاور رئيسية منها: الدعم الاجتماعى، والرعاية الصحية، والتمكين الاقتصادى، ودعم التعليم والتدريب. لتلك الفئات الأكثر احتياجًا. وقد تم رصد ما يقرب من 30 مليون جنيه لتنفيذ تلك المبادرة، بالإضافة إلى الإفراج عن 6400 حالة من مختلف السجون حتى عام 2019.
كما كان للصندوق تجربة سابقة حيث تم رصد مبلغ 12 مليون جنيه فى عام 2016 لفك كرب ما يقرب من 1400 غارم وغارمة. ويعمل الصندوق كذلك على دعم المشروعات الصغيرة واطلاق العديد من المبادرات التى تمكّن الأسرة من إيجاد دخل مناسب لها، ويحميها من الوقوع فى الدين. مثل مبادرة دكان الفرحة لتجهيز الفتيات الأولى بالرعاية، ورفع العبء عن كاهل أمهاتهن، لاسيما أن العديد من قضايا الغارمات تكون نتيجة استدانة الأم لتجهيز ابنتها. وقد كلف الرئيس الصندوق بتجهيز 2000 فتاة ضمن تلك المبادرة.
اللجنة الوطنية لرعاية الغارمين والغارمات
تم تشكيل اللجنة بناء على تكليف السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى وذلك لما تشغله هذه القضية من اهتمام رئاسى على التشديد على حوكمة سداد الديون للغارمين واتخاذ الإجراءات الوقائية لحماية المواطنين غير القادرين من الاستدانة.
وقد تم عقد اولى اجتماعات اللجنة فى يوليه 2020، بممثلى من الوزارات والجهات المعنية بقضايا الغارمات، وتهدف اللجنة لرعاية الغارمين والغارمات بالإضافة إلى تحديد التعريف الخاص بالغارمين والغارمات ووضع الاستراتيجية والخطط القومية للسياسات الخاصة بهم وإجراء التعديلات اللازمة على التشريعات الخاصة بتلك الفئة، كما ستقوم اللجنة بإنشاء قاعدة بيانات موحدة للحصر الدقيق للمستحقين لضمان عدم ازدواجية سداد المديونية من أكثر من جهة وربطها بالجهات ذات الصلة.
كما تهدف اللجنة لتوحيد جهود الجمعيات والمؤسسات الأهلية والدينية العاملة على سداد ديون الغارمين والغارمات وإعداد حملات توعوية لتعزيز ثقافة الاستهلاك الرشيد والتوعية من أضرار اللجوء إلى السلف والاقتراض غير الآمن خاصة بالقرى الأكثر فقراً.
التمكين الاقتصادى والاجتماعى
على الجانب الاقتصادى فقد بذلت الدولة المصرية العديد من الجهود بشأن المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث أعطى القانون رقم 152 لسنة 2020 بشأن تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر حوافز وإعفاءات وامتيازات ضريبية استفادت منها النساء بشكل كبير، وبناء عليه وحسب الهيئة العامة للرقابة المالية، فقد استحوذت المرأة على النصيب الأكبر من التمويل متناهى الصغر، حيث بلغ عدد المستفيدين من النساء فى نهاية الربع الثانى من عام 2020 نحو 1.97 مليون مستفيدة بنسبة 63.74% وبأرصدة تمويل قدرها 8.19 مليار جنية، ساهمت تلك الأرقام إلى حد كبير فى تعزيز النمو الاقتصادى للمرأة، والحد من وطأة الفقر، الذى يعرض فئة عريضة منهن إلى الاستدانة ومن ثم دخول السجن.
كما تم اطلاق برنامج ” مستورة” من خلال بنك ناصر الاجتماعى، حيث تم تقديم برامج تمويلية للمرأة بهدف تحويل المرأة من متلقية للدعم، إلى عنصر فعال وطاقة منتجة، وقد تم صرف 320 مليون جنية، لأكثر من 19 الف مستفيدة، بالإضافة إلى تخصيص 3000 قرض من قروض مستورة للسيدات من ذوى الاحتياجات الخاصة لدمجهم فى الحياة الاقتصادية.
وعلى صعيد الرعاية الاجتماعية فتستفيد النساء من 89% من برامج الحماية الاجتماعية، وقد غطى التأمين الاجتماعى حوالى 426 الف بمبلغ 164 مليون جنيه مصرى حتى مارس 2020.
وللنساء الأكثر احتياجًا، فقد بلغ عدد الاسر المسجلة على قواعد بيانات تكافل وكرامة والضمان الاجتماعى حوالى 6.5 مليون أسرة، بالإضافة إلى صرف 65 مليون جنية مصرى كنفقة ل 389 ألف امرأة مصرية.
اخيرًا، تعمل الدولة بكافة الطرق فى القضاء على تلك الظاهرة سواء بدراستها أو بدعم المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا وحمايتها من الوقوع فى براثن الدين، ولتكتمل تلك المنظومة لابد من توافر المظلة التشريعية التى تدعمها لذلك لابد من سرعة اصدار القانون الخاص بالعقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحريات فى الجرائم البسيطة والغارمات، والذى تم تقديمه للبرلمان فى عام 2017، ويعتبر مشروع القانون بمثابة حل تشريعى لقضايا الغارمات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة