تحدث الرئيس السادات، فى خطابه أمام مجلس الشعب، عن القضية التى أثارها الكاتب الصحفى جلال الدين الحمامصى، حول «ذمة جمال عبدالناصر»، ثم ناول المهندس سيد مرعى، رئيس المجلس مظروفا، قال إنه نتائج التحقيقات التى أجراها المدعى الاشتراكى حول الموضوع، وطالب بأن يتم إيداعها لدى مكتب مجلس الشعب، حسبما ذكرت «الأهرام» فى عددها، 15 مارس 1976.
شمل الخطاب الذى ألقاه السادات، يوم 14 مارس، مثل هذا اليوم، 1976، ونشرته «الأهرام» فى اليوم التالى، 15 مارس، العديد من القضايا، حيث أعلن «إنهاء معاهدة الصداقة المصرية السوفيتية»، وشن هجوما عنيفا ضد الاتحاد السوفيتى، وضد الرئيس الليبى معمر القذافى، وأعلن إنشاء ثلاثة منابر: «يمين، ويمثل أهل اليمين بصفة عامة، ومنبر يمثل الوسط، ومنبر لليسار يمثل تيارات اليسار المختلفة»، وأشار إلى أن هذه الصيغة توصلت إليها لجنة «مستقبل العمل السياسى»، وأنها ضد الإسراف فى عدد المنابر بعد أن وصل عددها إلى أربعين منبرا فى خلال أيام، وقال: «إننى لن أسمح لنفسى بأن نقول إن هذا هزل، وهزل فى مقام الجد».
أما عن قصة «ذمة جمال عبدالناصر المالية»، فكان بطلها جلال الدين الحمامصى، وجاءت فى سياق الحملة الشرسة ضد ثورة 23 يوليو 1952 وضد جمال عبدالناصر، ووفقا لأحمد بهاء الدين فى كتابه «محاوراتى مع السادات»: «كان الاعتقاد الشائع، وهو فى تقديرى صحيح تماما، أن السادات هو مخطط وموجه هذه الحملة، وأنه يسخر صفحات الإعلام المصرى لحزب الانتقام من الثورة ومن جمال عبدالناصر، وكان كلما اشتدت الحملة، وبدأت تحدث رد فعل مضاد، انتهز مناسبة فى إحدى خطبه ليعلن أنه أمين على اسم عبدالناصر، وسمعته، وعائلته، ولكن بطريقة لا يخفى على أحد أنها تمثيلية».
يؤكد «بهاء»، أن إحدى قمم تلك الحملة، هى اتهام جمال عبدالناصر بأنه اختلس عشرة ملايين دولار، كانت قرضا من الملك سعود لمصر، يضيف «بهاء»: «كتبت مقالا فى الأهرام تعليقا على الكتاب الذى احتوى على هذا الاتهام، والذى نشر فى صحف بحجم أخبار اليوم، على أوسع نطاق، ولكن المقال منع من النشر، إذ صدر من أجله قرار من النائب العام بعدم نشر أى شىء عن الموضوع، وكان المقال حول الموضوع، بعنوان «بعيدا عن تحقيق النيابة» وليس فى صميم الموضوع الذى تحقق فيه النيابة».
يذكر «بهاء»: «أمر السادات بتشكيل لجنة لبحث الموضوع تحت ضغط الرأى العام، وحين تم التقرير الذى أكد براءة عبدالناصر من هذا الاتهام السخيف الرخيص، كان السادات يلقى خطابا فى البرلمان، فأعلن أن التقرير يبرئ عبدالناصر، وأنه يودع التقرير أمانة مجلس الشعب، ولم ينشر التقرير على الناس، فتلك كانت طريقته فى بقاء الشبهة تحوم فى الفضاء».
كان «بهاء الدين» يعمل رئيسا لتحرير مجلة «العربى» الكويتية وقت إثارة هذه القضية، وتصادف أن السادات كان فى زيارة إلى الكويت، وحدثت مفاجأة غير متوقعة يكشف عنها «بهاء»، قائلا: «فى الليل أقيمت للسادات مأدبة عشاء رسمية، كنت مدعوا إليها ضمن مئات من الشخصيات الكويتية والمصرية، وعندما صافحنى السادات بين الحاضرين قال لى: «أنا فى انتظارك فى الاستراحة بعد العشاء مباشرة، وحدث حادث غريب مفاجئ، إذ تقدم إلى السادات أحد كبار القوم من الكويتيين، وقال على مسمع من الموجودين المحيطين، يا سيادة الرئيس، نحن لا نقبل أن يقال فى مصر أن جمال عبدالناصر اختلس عشرة ملايين جنيه وأنا شخصيا، ويشهد كل الإخوان الواقفين، كنت ضد جمال عبدالناصر، وضد حرب اليمن بالذات، ولكن أن يقال أن جمال عبدالناصر الذى كانت خزائن مصر كلها بين يديه، وخزائن العرب إذا شاء، قد اختلس عشرة ملايين دولار فهذا عار على الأمة العربية كلها، التى كان جمال عبدالناصر شئنا أم أبينا رمزا لها فى العالم كله، وإننى أطلب من سيادتك أن تقول لنا أى مبلغ ترون أنه فى ذمة جمال عبدالناصر للخزانة المصرية، وسوف ندعو الشعب الكويتى للتبرع به وتسديده عنه، وسيجمع الشعب الكويتى أى مبلغ فى أقل من 24 ساعة».
يذكر «بهاء»، أنه ما كاد يشعر بحركة الضيوف المؤذنة بانتهاء العشاء الرسمى، حتى خرج مسرعا وانطلق بسيارته إلى استراحة قصر «دسمان» الصغيرة، والتى كان ينزل فيها السادات، وهناك جرى حوار بينهما حول ما حدث فى العشاء، وألقى بصداه فى الخطاب الذى ألقاه السادات يوم 14 مارس 1976، فماذا جرى؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة