كان الوقت ظهرا، حين التقى الرئيس السادات، فى الإسكندرية، ممثلى النقابات المهنية المصرية يوم 27 فبراير، مثل هذا اليوم، 1979، كانت الأجواء السياسية فى المنطقة ملتهبة بأثر قيام «الثورة الإسلامية»، بقيادة الخمينى ضد شاه إيران، ومفاجأة السادات بنهج الصلح مع إسرائيل، بالإضافة إلى المعارضة الداخلية له.
انعكست هذه الأجواء على اللقاء، الذى نشرته جريدة الأهرام يوم 28 فبراير 1979 ووجه السادات قذائف شديدة إلى معارضيه، مشيرا إلى أنه «يوجه حديثه إلى الشرفاء فى مصر الذين يمثلون 99,9%، أما الباقى وهم 1 من عشرة فى المائة، قلة من «أفنديات القاهرة»، انقطعت جذورهم من أرض بلادهم ويلوكون الأقاويل عن دعوتى لشاه إيران إلى مصر».
كان «السادات» هو الوحيد من بين زعماء العالم الذى قرر استقبال شاه إيران فى أسوان يوم 16 يناير 1979، بعد خروجه من طهران على أثر الثورة ضده، ورفض أقرب حلفائه وعلى رأسهم أمريكا استقباله، ولاقت هذه الخطوة انتقادات للسادات، رفضها هو جميعا، واحتلت حيزا كبيرا فى كلمته بممثلى النقابات المهنية، وبادل أصحابها بهجوم عنيف، وكرر مقولته بأنه فعل ذلك ردا لجميل فعله «الشاه» مع مصر أثناء حرب أكتوبر 1973، حيث أعطى أوامره لناقلة بترول إيرانية تحمل 600 ألف طن بالتوجه إلى مصر بعد طلب السادات منه بعد أن كانت فى طريقها إلى جهات أخرى، وهى المعلومة التى يشكك آخرون فى حدوثها، وعلى رأسهم الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل الذى يؤكد بأن ذلك لم يحدث من الشاه، ولا توجد وثيقة واحدة تؤكد أن مصر استقبلت بترولا من إيران وقت الحرب، بل إن كل الوثائق تثبت أن «الشاه» قام بتزويد إسرائيل بكل طلباتها من البترول منذ نشأتها عام 1948.
خص «السادات» الرئيسين الراحلين، السورى حافظ الأسد، والليبى معمر القذافى بالهجوم اللاذع فى هذه المسألة، حيث قال عن الأسد: «هذا الرجل شاه إيران وقف معنا فى محنتنا، وليس معنى هذا أبدا أننا ضد ثورة إيران، ولا يستطيع أحد أن يزايد علينا فى الثورية، أنا لن أجرى مثل الأسد الذى ذهب إليه يهرول، وهناك فرض نفسه على إيران وفرض نفسه على معونات من الشاه، وبعدين عشان يقول لشعبه إنه ثورى، يجرى يعترف بخمينى، وأظن أننا نعلم إن الثورية بدأت من هنا من مصر، ماحدش يزايد علينا، لكنى لن أذهب مثل الأسد الذى ذهب يترجى الشاه عشان يزوره، ليه؟ لأن الشاه كان دعانى فى سنة 1975 كما تعلمون، وكان الأسد يجرى يلهث ورائى، رحت زرت يوغوسلافيا ورومانيا فزار الاتنين، زرت الشاه فذهب للشاه، ومن يراجع الصحف أيامها يجد ذلك، لعب عيال، وبعدين يجى يثبت الثورية ويثبت لشعبه إنه ثورى، هل أجرى كما فعل حافظ الأسد، أو الولد المجنون القذافى اللى على حدودنا الغربية؟! أبدا مصر، هى مصر، وليست فى حاجة لدفاع من أحد أبدا، إحنا زُيفت علينا حياتنا ومن ضمن التزييف إن شوية أفنديات فى مصر وكلكم عارفينهم اللى هم واحد من عشرة فى المائة بيقولوا إزاى يبعت للشاه؟! وإزاى، وإزاى؟!».
انتقل السادات إلى الحديث عن الداخل المصرى، وخص بالهجوم مرحلة ما قبل ثورة 23 يوليو 1952، قائلا: «زيفت الديمقراطية فى ما قبل 23 يوليو، لست فى حاجة أن أحكى لكم عليها، كلنا عارفين إنه فى تصريح 28 فبراير 1922 الاستقلال المنقوص، والتحفظات، والأقليات، والسودان، وغيرها، رموا بها الإنجليز ليسكتوا ثورة 1919 وتلقفها الزعماء بهبل، وبعدين بسوء نية».
ثم تحدث السادات عن الديمقراطية وتحقيقها ودور الأحزاب فيها، وشن فى ذلك هجوما لاذعا على فؤاد سراج الدين دون أن يسميه، وكان «سراج الدين» يسعى وقتئذ إلى إعادة حزب الوفد إلى الحياة السياسية، قال السادات: «حكاية الأحزاب لا تبدأ أبدا كما كان يريد الانتهازى الأكبر فى البلد، الذى عمل الوفد الأخير ده، وفاهم أنه كان يطلع ويمر من تحت ذقون الناس، ويبنى عن طريق الحقد والمرارة والحسابات والانتهازية، يبنى مفاهيم للبلد، لا، لا، هذا غلط والأساس هى مصر».
وشرح السادات مفهومه للديمقراطية والأحزاب قائلا: «إذا كنا عند ممارستنا للديمقراطية تتشكل فى أحزاب، فهذا شكل دستورى تعارف عليه الناس، لكن ليس هو الأصل، لأن الأصل هى مصر، العائلة، الأم، المسؤولية، هذا هو الأصل وليس حزبا ولا فردا ولا زعامة ولا شهادات دكتوراه، الأصل هى مصر، والهدف هو مصر».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة