طوال مائتى عام، هيمن على المشهد السياسى الأمريكى فصيلان لا ثالث لهما تبلورا فى الحزب الديمقراطى الليبرالى التقدمى، والحزب الجمهورى المحافظ. واعتبر كثير من المحللين أن نظام الحزبين ربما كان أحد عوامل نجاح النظام المؤسسى فى الولايات المتحدة الذى حماها من التقلبات السياسية الحادة التى تشهدها دول أخرى.
لكن يبدو أن هذا النظام، وفى ظل المتغيرات السياسية التى تشهدها الولايات المتحدة، يقترب من نهايته، فلم تعد الاتجاهات السياسية تنحصر فى هذين الفصيلين، وباتت الخلافات داخل كل منهما تهدد بأن يتفكك كل واحد منهما إلى اثنين أو أكثر، مما قد يعنى تنافس أربعة أو خمسة أحزاب فى المشهد السياسى الأمريكى فى القريب العاجل.
ويبدو الأمر أكثر وضوحا فى الحزب الجمهورى الذى تعصف به الانقسامات الداخلية فى فترة ما بعد ترامب. فأصبح الحزب مشتتا بين فريق يؤيد النهج الشعبوى للرئيس الأمريكى السابق، ويرى أنه يعبر عن قطاع عريض من الشعب، وانعكس ذلك فى نجاح ترامب غير المتوقع فى انتخابات الرئاسة عام 2016 ثم حصوله على أصوات ملايين كثيرة فى انتخابات 2020 رغم الهزيمة.
هذا الدعم الهائل الذى حظى ولا يزال يحظى به ترامب ربما يدفعه إلى تأسيس حزب سياسى جديد. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قد ذكرت فى تقرير لها فى 20 يناير الماضى أن ترامب بحث مع معاونيه فكرة إنشاء حزب سياسي جديد، في "مسعى لممارسة تأثير مستمر بعد مغادرته البيت الأبيض".
ونقلت الصحيفة وقتها عن مصادر مطلعة، أن ترامب ناقش فكرة تأسيس "حزب الوطنيين" مع عدد من مساعديه وأشخاص مقربين، وينوي تسمية الحزب الجديد بـ "الحزب الوطني" (Patriot Party).
ولفتت الصحيفة إلى تدهور العلاقة بين ترامب وعدد من قادة الحزب الجمهوري، على رأسهم زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الذي قال الثلاثاء إن ترامب "يستحق" أن يلقى عليه اللوم في تحريض مؤيديه لاقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير، في حين تظهر الاستطلاعات دعما قويا لترامب بين الناخبين الجمهوريين العاديين.
فى المقابل، يفكر المعارضون لترامب داخل الحزب الجمهورى فى تأسيس حزب جديد معارض له ينتمى غلى يمين الوسط. حيث قالت وكالة رويترز إن عشرات من المسئولين السابقين بالحزب الجمهورى الذين يرون الحزب غير مستعدا للوقوف أمام الرئيس السابق دونالد ترامب يجرون محادثات لتأسيس حزب يمين وسط، بحسب ما قال أربعة أشخاص مطلعين على المحادثات لوكالة رويترز.
وأوضحت الصحيفة أن المناقشات التى لا تزال فى مراحلها الأولية تشمل جمهوريين منتخبين سابقين، ومسئولين سابقين فى إدارات كل من رونالد ريجان وجورج بوش الأب والابن وترامب، وسفراء جمهوريين سابقين ومخططين إستراتيجيين.
وعقد أكثر من 120 من هؤلاء اجتماعا عبر زوم يوم الجمعة الماضى لمناقشة مجموعة منفصلة التى سيكون لها برنامج قائم على "المحافظة ذات المبادئ"، والتى تشمل الالتزام بالدستور وحكم القانون، وهى الأفكار التى يقولون إنها تحطمت من قبل ترامب.
وستكون الخطة طرح مرشحين فى بعض السباقات، وأيضا تأييد مرشحين من يمين الوسط فى سباقات أخرى، سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين أو مستقلين، بحسب ما قال الأشخاص المعنيون.
و نقلت رويتزر عن إيفان ماكمولين، الذى كارن مدير السياسة الرئيسى للجمهوريين فى مجلس النواب وترشح كمستقل فى الانتخابات الرئاسية لعام ، قوله إنه شارك فى استضافت اجتماع زوم مع المسئولين السابقين الذين يخشون من قبضة ترامب على الجمهوريين والنزعة القومية التى اتخذها الحزب.
وأكد ثلاثة مسئولون آخرون لرويترز هذا الاجتماع والمناقشات لتأسيس حزب جديد محتمل، لكن رفضوا الكشف عن هويتهم.
ومن بين المشاركين أيضا كان جون ميتنيك، المستشار العام لوزارة الأمن الداخلى فى إدارة ترامب، وعضو الكونجرس الجمهورى السابق تشارلى دينت وإليزابيث نيومانت، نائب رئيس موظفين فى وزارة الأمن الداخلى فى عهد ترامب، ومايلز تايلور، المسئولى السابقى فى الأمن الداخلى فى عهد ترامب أيضا.
الحزب الديمقراطى بدوره لا يخلو من الانقسامات الداخلية، وأبرزها وضوحا الجناح التقدمى الذى يعبر عنه المرشح الرئاسى السابق بيرنى ساندرز وأخرين مثل إليزابيث وارن والكسندريا اوكازيو كورتز وغيرهم. يتبنى هؤلاء النهج الليبرالى الشديد المناهض للمؤسسة المؤمن بضرورة إجراء تغييرات جذرية فى الحزب، ويطالب بعدالة اجتماعية ومساواة اقتصادية. ويحقق هذا الجناح صعودا هادئا داخل الحزب الديمقراطى ويصبح صوته مسموعا أكثر فأكثر، وكاد يهدد فرص بايدن فى الترشح للرئاسة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة