"بناء التعاون".. يعد أحد العناوين الرئيسية التي باتت يتسم بها النهج الدبلوماسي الذى تتبناه جامعة الدول العربية في عام 2021، وهو ما انعكس في العديد من التحركات التي خاضها مسؤولو "بيت العرب"، لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ربما أبرزها المشاركة البارزة في مؤتمر بغداد للتعاون الإقليمى، والذى عقد في أغسطس الماضى، والذى شهد تواجد عدد من الدول العربية ومنافسيهم الإقليميين، لأول مرة، على مائدة الحوار، وهو ما يمثل نقطة تحول مهمة يمكن البناء عليها، لإضفاء قدر من الاستقرار، في المحيط الإقليمى للدول العربية، عبر تحويل الصراعات إلى "تعاون"، عبر "الحوار"، وهو ما يمكن من خلاله تعظيم المصالح المشتركة، وبالتالي إذابة النقاط الخلافية فيما بينهم.
إلا أن النهج العربي، في عام 2021 لا يقتصر على "بناء التعاون" بين الدول العربية الأعضاء، سواء فيما بينهم، أو بينهم وبين محيطهم الإقليمى، وإنما امتد إلى العلاقة بين الجامعة العربية من جانب، والمنظمات الإقليمية الأخرى، التي تقع في نطاقها الجغرافى، في انعكاس صريح، لإيمان الكيان العربى المشترك، بأهمية تحويل الطبيعة التنافسية للعلاقة بين الكيانات الدولية، نحو المزيد من التنسيق، بما يحقق مصالح الدول أعضاء تلك المنظمات، بعيدا عن محاولات خاضتها العديد من القوى الإقليمية، خاصة خلال سنوات الفوضى إبان "الربيع العربى"، حيث سعت إلى إذابة الهوية العربية، عبر دعوات لتحويلها إلى إطار دينى "إسلامى" تارة، أو من خلال تقسيمات جغرافية كانت تهدف في الأساس إلى تفتيتها، أو من خلال مساع أخرى لـ"دق إسفين" في العلاقة بين "بيت العرب" والمنظمات الإقليمية الأخرى.
ولعل تحركات الجامعة العربية حققت نجاحا منقطع النظير، ليس فقط في دحض المخططات الرامية لهدم "الهوية"، وإنما أيضا في الانفتاح على المنظمات الإقليمية الأخرى، والتي تقع فى محيطها الجغرافى أو تتقاطع معه، وهو ما ينعكس في العديد من الخطوات التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية، مما ساهم في تعميق التعاون، بما يحقق مصالح الدول والمنطقة.
مجلس التعاون الخليجي.. خطوة لتعزيز العمل العربي المشترك
ولعل التنسيق بين جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، يمثل أحد أبرز الخطوات التي شهدها "بيت العرب"، عبر التوقيع على مذكرة تفاهم بين الجانبين في 10 أكتوبر الماضي، بهدف تعزيز الأهداف المشتركة للمنظمتين، كما تسعى لتوفير أقصى الدعم للمصالح والقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وذلك عبر تبادل المعلومات والزيارات بين الطرفين، بهدف تنسيق المواقف تجاه كافة القضايا الدولية والإقليمية المطروحة على الساحة.
أبو الغيط يوقع مذكرة تفاهم مع أمين عام مجلس التعاون الخليجى
من جانبه، اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في تصريحات سابقة، أن مذكرة التعاون التي تم توقيعها بين الجانبين شاملة تعمق التعاون والتنسيق، وتبادل الرأى والمشورة بين مجلس التعاون الخليجى والمنظمة "الأم"، في إشارة إلى جامعة الدول العربية، موضحا أن تبادل الخبرات والوثائق ذات الاهتمام المشترك يُمثل جانباً مهماً من التعاون المنشود بين المنظمتين، وأنه جرى الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة بمستوى الأمناء المساعدين للعمل على تنفيذ أهداف مذكرة التفاهم، كما جرى الاتفاق على تعيين نقاط اتصال، وإجراء تقييم دوري لعملية التعاون.
وعلى الجانب الأخر، أشاد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف بالدور الذى يلعبه "بيت العرب"، موضحا أن المذكرة التي تم توقيعها تمثل تحديثا لابد منه في ظل المستجدات الدولية والاقليمية، ناهيك عن الطفرات الكبيرة في عالم التكنولوجيا والذكاء الصناعي، بالإضافة الى الحاجة الملحة لتوفير فرص العمل لمجابهة البطالة، معربا عن تطلعه لمزيد من التعاون مع الجامعة العربية وأمينها العام لمواكبة التطورات التي يشهدها العالم في المرحلة الراهنة.
منظمة التعاون الإسلامي.. تكامل "الهويات" يدحض نظريات "المنافسة"
أما التعاون مع منظمة التعاون الإسلامي، فيمثل امتدادا مهما للعلاقة الطبيعية بين الجانبين، والتي تقوم على "تكامل الهويات"، حيث تبقى الهوية العربية امتدادا طبيعيا للهوية الإسلامية، في ظل ارتباط الدين باللغة، وهو ما يدحض نظريات التنافس، أو ما يمكن تسميته بـ"صراع الهوية"، التي حاولت بعض القوى الإقليمية اختلاقها خلال السنوات الماضية، في إطار تجريد الدول العربية من أكثر العوامل تقريبا بينهم، وهو اللغة، التي تساهم في خلق العديد من المشتركات الثقافية والاجتماعية، ناهيك عن البعد الدينى، وهى الأبعاد التي تساهم إلى حد في كبير في تخفيف حدة الخلافات السياسية، والتي ربما أصبحت أمرا طبيعيا في ظل تعارض المصالح في بعض الأحيان، بحسب معطيات العالم الجديد.
أبو الغيط وأمين عام منظمة التعاون الإسلامى
ولعل الزيارة التي قام بها الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى الجديد، حسين إبراهيم طه، إلى جامعة الدول العربية، يوم 7 ديسمبر الجارى، تمثل انعكاسا صريحا لانفتاح "بيت العرب" على كافة المنظمات الإقليمية الأخرى القريبة منه أو المتقاطعة معه، وهو الأمر الذى أكده أبو الغيط، خلال اللقاء، فيما يتعلق بضرورة تعزيز التعاون القائم بين المنظمتين، مشيراً إلى أهمية التنسيق المسبق تجاه القضايا المشتركة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بما يفضي إلى دعم المواقف العربية والإسلامية في المحافل الدولية، ويحقق مصالح المشتركة للجانبين في مختلف المجالات.
الاتحاد الإفريقى.. تكامل إقليمى يعزز مصالح الدول الأعضاء
أما الاتحاد الإفريقى فيمثل هو الأخر أحد أهم المنظمات التي تتقاطع مع بيت العرب، في ظل وجود عدد من الأعضاء المشتركين في المنظمتين، هو ما دفع إلى ضرورة التنسيق فيما بينهما فيما يتعلق بالعديد من القضايا الدولية والإقليمية خاصة المرتبط بأعضائهما المشتركين.
الجامعة العربية حرصت على توطيد التعاون مع الاتحاد الإفريقى
من جانبها، كانت الجامعة العربية قد سبق لها وأن أعربت عن فكرة التعاون القائم مع الاتحاد الإفريقى، في بيان سابق، حيث أكدت خلاله على وجود أطر وأليات للتشاور والعمل المشترك وتحرص على تنسيق المواقف معه حيال العديد من القضايا، فضلاً عن العلاقة الودية الممتازة التي تربط الأمين العام للجامعة العربية بالسيد موسى فقي رئيس مفوضية الاتحاد.
ويتجسد التعاون بين الجانبين في انعقاد الاجتماعات بين الجانبين بصورة دورية، كان أخرها الاجتماع التاسع للتعاون العام بين "بيت العرب" ومفوضية الاتحاد الإفريقى في فبراير الماضى، وذلك من أجل مزيد من التنسيق بين الجانبين في المرحلة المقبلة فيما يتعلق بمختلف القضايا الدولية والإقليمية الراهنة.
الاتحاد من أجل المتوسط.. تعزيز التعاون مع أوروبا
بينما تبقى المشاركة الأخيرة للأمين العام في مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط، والتي عقدت في مدينة برشلونة الإسبانية في 30 نوفمبر، نموذجا أخر للنهج القائم على التعاون مع المنظمات الإقليمية الأخرى، في ظل الروابط التاريخية التي تربط ضفتي المتوسط، بينما يعززه الحاضر، مع الزيادة الكبيرة في وتيرة العلاقات، عبر التعاون في العديد من المجالات وعلى رأسها قطاع الغاز والطاقة.
أبو الغيط خلال مشاركته فى مؤتمر الاتحاد من أجل المتوسط فى برشلونة
في هذا الإطار، شدد أبو الغيط على حرص الجامعة العربية على دعم وتعزيز التعاون العربي الأوروبي على كافة المستويات، مؤكدا الاستمرار في بناء العلاقة المؤسسية رفيعة المستوى بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي التي وضعت لبنتها الأساسية عام 2019 خلال القمة العربية الأوروبية الأولى في شرم الشيخ
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة