تعتبر المافيا الإيطالية أكبر المشاكل التى تواجه إيطاليا على مر العصور، فقد نشأت المافيا فى أواخر القرن التاسع عشر وتطورت بسريعة وازدهر وجودها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الوقت تحاول السلطات الإيطالية السيطرة عليها، وكانت آخر تلك المحاولات هو لجوء البلد الأوروبى إلى أخذ أطفال المافيا من عائلاتهم لمنع الجيل القادم من الانخراط فى الجريمة.
وأصبحت مافيا كوسا نوسترا، نادرنجيتا وكامورا من بين المنظمات الإجرامية الأكثر خطورة فى العالم التى تتعامل فى المخدرات والابتزاز وغسيل الأموال، حسبما قالت صحيفة "لا ناثيون".
وأكدت الصحيفة أن الاعتقالات رفيعة المستوى والعمليات السرية والمؤسسات الحكومية التى تم إنشاؤها لغرض اعتقال العشائر حققت نتائج محدودة، حيث تستمر فى ترك الضحايا فى أعقابها وتكلف الدولة مبلغًا كبيرًا من المال، لكن بينما يقاتل كل من الدولة والمواطنين لهزيمتهم، دعا بعض النشطاء المناهضين للمافيا إلى خطة معركة مختلفة ومثيرة للجدل: إبعاد الأطفال حديثى الولادة من أهالى العشائر.
قال فرانشيسكو إيميليو بوريلى، عضو المجلس الإقليمى فى كامبانيا : "فى معظم الأوقات، عصابات المافيا ينجبون الأطفال من أجل العمل معهم فى الجريمة وليس من أجل الحب، ولا يمكن إنقاذ طفل بعد أن نشأ فى هذا الجو من الجريمة ولذلك يجب إزالته وابعاده عن هذه البيئة بمجرد الولادة أو بعد الفطام.
وأضاف المسئول "غالبا ما تعتمد مجموعات المافيا الأبوية والعائلية مث نوسترا وكامورا، على أطفالهم لمساعدتهم وفى نهاية المطاف وراثة أعمال العائلة، وصعبت روابط الدم عملية القضاء على هذه العصابات من قبل الحكومة الإيطالية.
كان المشروع المثير للجدل فى طور الإعداد منذ سنوات، فى عام 2017، حيث ذكرت وسائل الإعلام المحلية أن المجلس الأعلى للقضاء الإيطالى استجاب للاقتراح بشكل إيجابى، وحث البرلمان على النظر فيه، لكن لم يتم الحصول على نتائج ملموسة منذ ذلك الحين.
وقال بوريلى "لقد واجهنا العديد من العقبات". "يجادل البعض بأن حقوق الوالدين فوق كل شيء وهذا غير صحيح: أول شيء هو مصلحة الطفل"، مضيفا "بذلك الحكومة الإيطالية محاولات عديدة لإضعاف المنظمات الإجرامية من خلال نقل أفراد الأسرة الضعفاء إلى إجزاء أخرى من إيطاليا وإعادة دمجهم فى المجتمع.
فى عام 2012، أنشأ قاض مشروع "حرية الاختيار" الذى تدعمه الحكومة فى محاولة لتزويد أطفال رؤساء المافيا بفرصة لبداية جديدة. منذ ذلك الحين، هرب حوالى 80 طفلاً و30 أسرة من الجريمة، وفى نابولى، حيث تسيطر مافيا كامورا، قامت حوالى 1000 أسرة، على مدى العقود الخمسة الماضية، بتربية أطفالها داخل النظام الإجرامى.
اليوم، يتجول المراهقون المسلحون فى الأزقة الخلابة بينما تقوم فتيات لا تتجاوز أعمارهن ست سنوات بتعبئة الكوكايين على ظهر الدراجات البخارية.، وتوقف بعض القاصرين عن الذهاب إلى المدرسة ويواجهون صعوبة فى القراءة والكتابة.
فى حين أن العديد من أبناء كبار زعماء المافيا غالبًا ما يكونون بعيدين عن العالم الإجرامى وترعرعوا على الامتياز وعدم الكشف عن هويتهم، فإن أبناء العصابات من الطبقة الوسطى يقتحمون بسرعة أعمال العائلة، مما يجعل من المستحيل استخدامهم ويصبحون عرضة للسجن.
وقال بوريلي: "إذا غادروا السجن، فإن إعادة اندماجهم فى المجتمع أمر صعب للغاية لأن معظمهم من الأميين وليس لديهم تدريب مهني". "فى معظم الحالات، عندما يبلغ هؤلاء الأطفال 11 أو 12 عامًا، تكون فرص الشفاء ضئيلة أو معدومة، ويصبحون مجرمين."
قال داريو سيرينسيون، الصحفى والكاتب عن حياة أطفال أعضاء المافيا الذين تركوا الجريمة وراءهم، "إن أولئك الذين نشأوا فى بيئة ملوثة بالجريمة يمكن إنقاذهم".
وأضاف سيرينسيون، يمكن الحد من الأنشطة الإجرامية عن طريق إبعاد الأطفال والمراهقين مؤقتًا من منازلهم ومنحهم الفرصة لعيش حياة جديدة، مع توفير الدعم النفسى لهم. يعمل العديد من هذه المشاريع فى إيطاليا منذ سنوات وفى بعض الحالات كانت ناجحة.
ومن ناحية آخرى، أصدرت محكمة إيطالية أحكاما على 70 عضوا من جماعة المافيا "نادرنجيتا" فى المرحلة الأولى من أكبر محاكمة للمافيا الإيطالية فى عقود، وواجه أعضاء المافيا فى هذه القضية اتهامات بالشروع فى القتل والابتزاز، ومن المتوقع على مدار العامين المقبلين أن يمثل 355 شخصا يزعم أنهم أعضاء عصابات ومسؤولون فاسدون أمام المحكمة بتهم الضلوع فى أنشطة أغنى وأقوى جماعة جريمة منظمة فى إيطاليا.
ويشارك فى هذه القضية الكبيرة المئات من المحامين والشهود، وتُجرى تلك المحاكمة الكبرى للمافيا الإيطالية فى جلسات سرية فى قاعة محكمة تمت تهيئتها لهذا الغرض فى مدينة لامزيا ايرمى فى كالابريا.
وحكم القاضى على ستة من المتهمين بالحد الأقصى من عقوبة السجن، 20 سنة، والتى طالب بها الادعاء، وبرأت المحكمة 21 متهما آخرين، وتُعد "نادرنجيتا" من الشبكات الإجرامية الكبرى فى إيطاليا وتتكون من حوالى 150 أسرة.
وتستهدف هذه المحاكمة أسرة واحدة فقط من هؤلاء هى "مانكوسو"، وتتضمن عريضة الدعوى الطويلة مجموعة من الاتهامات بالإتجار فى المخدرات، والقتل، والشروع فى القتل، والابتزاز، والاستيلاء على قروض، وإفشاء أسرار رسمية، واستغلال النفوذ.
ومن المتوقع أن تصدر أحكاما بالسجن لفترات أطول فى حق زعيم المافيا المزعوم لويجى مانكوسو، 67 سنة، المعروف بـ "العم" والبرلمانى السابق جيانكارلو بيتيللى الذى يُقال أنه كان يلعب دور وسيط مع كبار مسؤولى الدولة فى أنشطة غير مشروعة ذات صلة بتلك الأسرة من أسر المافيا الإيطالية.
ويقود فريق الادعاء فى هذه المحاكمة الكبرى نيكولا جراتيرى، أحد أفضل المدعين العامين المختصين فى مكافحة أنشطة المافيا فى إيطاليا. وقضى جراتيرى عشرات السنوات فى تتبع جماعات الجريمة المنظمة، لذلك يعيش باستمرار فى حماية الشرطة الإيطالية منذ 30 سنة.
وتعهد فى وقت سابق بالقضاء على " نادرنجيتا الخانقة التى تسرق أنفاس ونبض قلوب الناس"، كما أكد لوسائل إعلام أن الحكم الصادر السبت الماضى "كان على ما يُرام".
وصعدت "نادرنجيتا" إلى صدارة جماعات المافيا الإيطالية عقب المحاكمة الكبرى التى أجريت فى الثمانينيات من القرن العشرين التى أضعفت إلى حدٍ كبيرٍ نفوذ زعيم المافيا وكبير عائلات مافيا كوزا نوسترا فى صقلية.
ومارس "نادرنجيتا" مجموعة متنوعة من الأنشطة غير المشروعة، لكنها متخصصة فى الإتجار فى الكوكايين، ويرجح أنها تدير 80 فى المئة من هذه التجارة فى أوروبا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة