هذه ذكرياتى مع مارى منيب وميمى شكيب فى فرقة الريحانى.. أعطونى أدوار زوزو شكيب فبكيت وقلت لبديع خيرى مش عارفة أعملها لأنها محتاجة مياصة
بعد انتهاء اليوم الدراسى، وبينما تستعد الطفلة الصغيرة للخروج من المدرسة والتوجه إلى منزلها، وأثناء مرورها بجوار معمل الأحياء، سمعت أصوات زميلاتها يؤدين جزءا من مسرحية السندريلا، توقفت الفتاة وأنصتت، وبهدوء فتحت الباب وتسللت حتى جلست لترى ماذا يفعلن، وكأنها تلبى نداء نداهة جذبتها لترى عالما جديدا، سرقها الوقت وهى تتابع كيف يوجه المدرس الطالبات، ويلقى عليهن ملاحظاته، فتنفذ الصغيرات هذه التعليمات فى الأداء والمشى والكلام، مرت ساعات لم تشعر الطفلة بعدها حتى انتهت التلميذات وانصرفن، وانصرفت هى إلى المنزل.
وفى البيت وجدت الأم تنتظرها فى لهفة وغيظ، وسألتها بمجرد دخولها البيت بحدة: كنتى فين؟ فأجابت: فى المدرسة؟
لم تنتظر الأم لتستمع إلى الابنة وانهالت عليها ضربا بالشبشب، وهى تقول: مدرسة إيه لدلوقتى؟! وأعطتها علقة ساخنة لم تنسها الفتاة طوال حياتها.
ورغم سخونة العلقة، لم تنس الفتاة هذا التغير الذى حدث فى حياتها، وتلك النداهة التى جذبتها والتى أصبحت على استعداد أن تتحمل فى سبيلها مزيدا من الضرب و المعاناة.
رحلة العمر والفن
تذكرت الفنانة الكبيرة رجاء حسين هذه العلقة التى مر عليها أكثر من 70 عاما، والتى بدأت بها طريق الفن، وتذكرت تلك الرحلة الطويلة التى أثرت فيها المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون بروائع الأعمال بكل تفاصيلها، وما مر عليها خلالها، ورحلة العمر التى اكتسبت فيها احترام الناس وحبهم، وفقدت خلالها أعز الأحباب، وضحت فيها بالكثير حتى تصاحب هذا الاسم هالة من المحبة والتقدير والإبداع.
استرجعت الفنانة الكبيرة رجاء حسين، تفاصيل رحلة الفن والعمر والكفاح والصبر فى حوار مع تليفزيون اليوم السابع، كشفت خلاله العديد من الأسرار والتفاصيل والحكايات عن كواليس مئات الروائع فى السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة، وذكرياتها مع عمالقة الفن من الفنانين والمخرجين، والكتاب الذين شاركتهم هذه الروائع ومنها أفلام: «أريد حلا، أفواه وأرانب، العصفور، حدوتة مصرية، إسكندرية ليه، إسكندرية كمان وكمان، عودة الابن الضال»، وأروع الأعمال الدرامية ومنها: «ذئاب الجبل، مارد الجبل، الشهد والدموع، أحلام الفتى الطائر، ريا وسكينة، عاوزة اتجوز»، وروائع الأعمال المسرحية، التى شاركت خلالها عمالقة المسرح ومنها «السبنسة، تاجر البندقية، سكة السلامة، كفر البطيخ» وغيرها، و تنوعت خلالها بين الأدوار الكوميدية والتراجيدية، وأدوار الخير والشر.
لا تنفصل رحلة الفن والإبداع فى حياة الفنانة الكبيرة رجاء حسين، عن رحلة الحياة، والعمر الذى كافحت فيه فربت إخوتها وعلمتهم بعد وفاة والدها، وأعطت ابنها شهيدا للوطن، وحازت محبة الملايين حتى «ضرتها»، فكانت الفنانة الكبيرة نموذجا إنسانيا لا يتكرر وحققت المعادلة الصعبة فى الفن والحياة.
عايشة رجاء
قبل أن تبدأ الفنانة الكبيرة الحديث عن تفاصيل الرحلة، سألناها عن سر اسمها «عايشة رجاء» فضحكت قائلة: «ماكانش بيعيش لهم عيال، وأبويا وأمى كان عندهم ولد قبلى اسمه رجائى وتوفى، وعندما حملت أمى قالت لو جبت بنت هسميها رجاء ولو ولد هسميه رجائى، لكن جدتى أم أبويا قالت لو بنت نسميها عايشة على اسمى ولو ولد يبقى إسماعيل على اسم جده، لأن والدى اسمه مركب «حسين زكى».
تضحك الفنانة الكبيرة وهى تحكى قصة اسمها: «أبويا مارضيش يزعل مراته ولا أمه، فسمانى عايشة رجاء حسين زكى إسماعيل، وماما لها أصول تركية، وعندما أنجبت بنت بعدى قالت أسميها عصمت، وجدتى قالت أسميها فاطمة على اسم عمتها، فكتبها والدى فى الشهادة أيضا باسم مركب وهو فاطمة عصمت، وهكذا فعل مع 4 من إخوتى، فنحن 4 بنات وولدان وأنا أكبرهم، وكنا نقيم فى طنطا، وكان والدى ينتقل لعمله بالمنوفية، ويأتى كل خميس وجمعة، وأمى ذات جذور تركية، لكنها كانت أمية لا تقرأ ولا تكتب، ورغم ذلك كنت أتعجب أنها تراقبنا ونحن نذاكر وتزغدنا حين تمر وترانا لا نقلب صفحات الكتاب وتقول بقالك ساعة فى الصفحة دى».
أول مشوار الفن علقة وصقفة وغنوة
تحكى عن بداية مشوار الفن: «بدأت مشوار الفن من سن 17 سنة، وكانت الشرارة الأولى من المدرسة، ورغم العلقة اللى أكلتها من أمى فضلت أتابع البنات فى فريق التمثيل، وقبل البروفة الأخيرة عرفت إن البنت اللى بتعمل البطولة أصيبت بكسر والمدرسة اتقلبت، فذهبت للمدرس وقت له: أنا حافظة الدور قال لى طيب قولى وطلعت على خشبة المسرح وقلت».
تستعيد الفنانة الكبيرة هذه اللحظات وكأنها طوت عشرات السنين وتقول: «كنت بعمل دور سندريلا، لكن عارفة إيه اللى خلانى أحب الفن وأقرر إنى أكون ممثلة؟ تصفيق الجمهور».
تتحدث الفنانة الكبيرة عن انتقال الأسرة من طنطا إلى القاهرة: «بدأ موضوع الفن يشغل دماغى، وكان خالى يأتى من القاهرة إلى طنطا لزيارتنا، واقترحت على أسرتى وعلى خالى أن ننتقل إلى القاهرة بحجة أن المشوار صعب على والدى من المنوفية لطنطا، وهيكون أسهل من القاهرة للمنوفية، وأن حياتنا ستكون أسهل فى القاهرة، وبالفعل انتقلنا إلى سكن فى حى شبرا، وبدأت أسأل إزاى أمثل فى السينما، لأنى ماكنتش أعرف المسرح، وماكانش فى مسارح فى طنطا، و كان بها سينما وسيرك وموالد، وقالوا لى إن اللى عاوز يمثل بيروح المعهد العالى للفنون المسرحية».
تفجر الفنانة الكبيرة رجاء حسين مفاجأة لتؤكد أنها بدأت مشوارها كمطربة فى الإذاعة قائلة: «وداد زميلتى فى المدرسة عزمتنى فى يوم على فرح بنت خالتها، فتحايلت على أمى حتى توافق، وفى الفرح غنيت أغنية يا دبلة الخطوبة، وبالصدفة كان موجود يوسف عوف وأنا ماعرفهوش، قال لى انتى صوتك حلو، تعالى الإذاعة فى برنامج اسمه ركن الهواة، بيقدمه أحمد طه، روحى قدمى فيه ممكن ياخدوكى، وبالفعل روحت ونجحت فى ركن الهواة، وغنيت يا دبلة الخطوبة وادونى ليوسف شوقى عمل لى ربع ساعة، وادانى لحن خاص كان بيتذاع الساعة 4 الصبح، ماحدش بيسمعه، وبدأت مشوارى مطربة فى الإذاعة».
معهد التمثيل وكذبة استمرت سنة
وتؤكد رجاء حسين أن حلم التمثيل ظل يراودها، وذات مرة وهى تجلس فى استراحة الإذاعة سألت عن معهد التمثيل وكيف يمكنها التقديم فيه.
وتابعت: « قابلنى الفنان أنور محمد، الذى كان يعمل بفرقة عبدالمنعم مدبولى، وقال لى إن معهد الفنون المسرحية فى الأزبكية، ويجب أن أجتاز اختباراته بقطعتين، إحداهما باللغة العربية الفصحى، والأخرى بالعامية، ودربنى وساعدنى على الالتحاق بالمعهد».
تكشف الفنانة الكبيرة أنها التحقت بمعهد الفنون المسرحية سرا دون أن تخبر أسرتها. وأوهمتهم بأنها التحقت بكلية الحقوق خوفا من رد فعل والدها ووالدتها: «قدمت فى المعهد واجتزت الاختبارات وكنت باقول لأسرتى إنى دخلت كلية الحقوق، وكانت الدراسة بالمعهد مسائية، ووالدتى تسألنى أقول لها محاضرات الكلية بالليل، ونجحت فى السنة الأولى واحترت أعمل إيه علشان أصارح أسرتى، وكان عمى محمود مش متزمت زى أبويا وعمى أحمد، فكتبت له عريضة طويلة شرحت له إنى بحب التمثيل وحكيت له كل ما حدث، وإنى مش عارفة أصارح أبويا وأمى حتى يساعدنى».
وتابعت: «كنا بنبيض الشقة ولقينا الباب بيخبط وجه عمى محمود وأول ما دخل قال لوالدى، إيه يا أخى مش عاوزها تبقى رجاء حسين تبقى رجاء محمود، فتعجب والدى وسأله فى إيه يا محمود وأخده ودخلوا الأوضة، وبعدها أمى أعطتنى صينية الشاى ودخلت وأنا قلبى فى رجلى وحطيت الصينية ولسه هخرج، بابا قال لى: استنى، اقعدى».
يرتعش صوت الفنانة الكبيرة وهى تستحضر هذه اللحظة الحاسمة فى حياتها: «قعدت على طرف السرير وأنا أرتعش، فسألنى والدى: عاملة إيه فى الكلية، قلت له الحمد لله نجحت وطالعة سنة تانية، فقال لى فين، قلت له معهد التمثيل، فقال: ايه؟، إنتى قلتى لى ولا قلتى لأمك، فبكيت وارتبكت وعمى وقف جنبى وقفة كبيرة».
نصيحة وشروط وعقد طوال العمر
وأشارت رجاء حسين، إلى أن والدها وافق على أن تستكمل دراستها بمعهد الفنون المسرحية وأن تعمل بالفن بعد تدخل عمها ولكن بشروط: «قال عندى شروط علشان تكملى، لا تلبسى كدة ولا كدة، وماحدش من الوسط الفنى يدخل بيتى، ولا إنتى تدخلى بيت حد، وتخلصى شغلك على البيت، وماتشتكيش ولا تعملى مشاكل ويا ويلك لو سقطتى سنة، ووافقت على الشروط، وحتى يومنا هذا أمشى على هذه الوصايا التى قالها أبى، وحافظاها عن ظهر قلب، من سن 17 حتى الآن وأنا سنى 85 سنة».
تتحدث الفنانة الكبيرة عن مسيرتها التى التقت فيها بكبار عمالقة الفن وعملت فى بداياتها بفرقة الريحانى: «انضميت فى البداية للفرقة التى كونها الاستاذ عبدالرحيم الزرقانى، وهى فرقة نموذجية فى المسرح الشعبى تقدم عروضها فى المحافظات، وكانت الفرقة تضم عمالقة ومنهم جلال الشرقاوى، وحسن عبدالسلام، وعبدالرحمن أبوزهرة، وجمال إسماعيل ونبيلة السيد وكرم مطاوع ونجيب سرور، وكنا بنعمل روايات عظيمة، وكان جمال إسماعيل طالب فى كلية الآداب مع محمد عوض فيها، والجامعة اشترطت عليهم لو هيجيبوا عنصر نسائى يجب أن يكون من المعهد العالى للفنون المسرحية علشان يكون على مستوى جيد، واختارونى أعمل دور، وكانت مارى منيب تشارك فى المسرحية، وتصادف وجود بديع خيرى فى هذه الليلة، وقدمت دور كوميدى، فقال لهم أنا عاوز البنت دى».
رحلة مع العمالقة
وتستكمل تفاصيل التحاقها بفرقة الريحانى: «روحت فرقة الريحانى أشوف عاوزنى ليه، وقابلنى على الباب واحد اسمه فلاديمير، واصطحبنى لغرفة كبيرة كانت غرفة مدير المسرح، وقدمنى وقال رجاء حسين، فنظر الرجل باستغراب واستخفاف، وقال: دى دى؟ فقلت له : آه دى، إنت مين؟ إنت عاوز إيه؟ فقال: بيقولوا عليكى ممثلة كويسة، قلت له أيوة انا ممثلة كويسة بكل ثقة، فرمى لى الرواية وقال لى خدى هتعملى دور فلانة احفظيه علشان بكرة هتشتغلى».
وتابعت: «خدت الرواية وروحت ذاكرتها وتانى يوم وقفت على خشبة المسرح، وأمامى مارى منيب الله يرحمها ويحسن إليها، توجهنى بصوت منخفض: إنزلى يمين، أقعدى على الكرسى، اتمايصى، اتدلعى، تعالى شمال»، وقعدت أسبوع كل يوم أعمل رواية، ومارى منيب وميمى شكيب احتضنونى وكان كل أفراد الفرقة ومنهم عدلى كاسب وعباس فارس، وخلال هذه الفترة عملوا لى عقد بـ20 جنيه فى الشهر».
تتحدث رجاء حسين عن المبدع الكبير بديع خيرى: «فى يوم قابلت بديع خيرى وكان شخصية جميلة، قلت له الله يخليك يا بابا بيدونى أدوار مش باعرف أعملها لأنها محتاجة مياصة، وأنا مابعرفش اضحك ضحك الستات المايص، فضحك وقال لى هما أعطوا لك أدوار زوزو شكيب، لأنها كانت فى الفرقة وسابتها، وكتب لى دور خادمة فى مسرحية مع ابنه عادل خيرى، وعملت الدور، وبعدها أرسل لى المسرح القومى لأنهم كانوا محتاجين بنات 17 سنة، وترددت لكن عدلى كاسب وعباس فارس قالوا لى روحى يا حمارة دى فرصة، هو هنا عنده نجوى سالم وجمالات زايد وفنانات كتير».
وتستكمل الفنانة الكبيرة تفاصيل رحلتها التى بدأت مع العمالقة: «روحت المسرح القومى لقتنى وقفت قدام عبدالله غيث اللى كان فعلا فارس المسرح، لأول مرة، وماكنتش شوفته قبل كده، وعملت الدور قدامه، ونجحت وخدونى لأن ماكانش عندهم السن ده».
تكشف الفنانة الكبيرة أنها تعرضت لحملة صحفية واسعة بعد انضمامها للمسرح القومى فى هذه السن، وقبل تخرجها فى معهد الفنون المسرحية: «دخلت القومى من هنا والصحافة هاجت، وقالوا المسرح القومى رمرم إزاى لسه طالبة واشتغل فى المسرح القومى، وأعطونى مرتب أقل من مرتب فرقة الريحانى، فكنت أتقاضى 15 جنيه أقبضهم 13 جنيه و34 قرش، وكنت ندمانة إنى سبت الريحانى وقعدت فى القومى سنتين، كل شوية أكتب استقالة، وفاخر فاخر يقطعها ويقول لى استحملى».
بداية الشهرة
تحكى عن بداية طريق الشهرة قائلة: «قعدت سنتين لا أعتلى خشبة المسرح، حتى أرسلوا لى بطولة رواية كفر البطيخ، لسعدالدين وهبة ومحمد الدفراوى، وعبدالرحمن أبوزهرة، وحققت نجاحا كبيرا، وبعدها أصبحت شريكة فى كل مسرحيات سعدالدين وهبة، ماعدا رواية المسامير، وعملنا روايات عالمية، وشاركت عمالقة النجوم فعملت الجسر مع توفيق الدقن، وتاجر البندقية مع الفنان العظيم حسين رياض، والسبنسة وسكة السلامة وبير السلم، فكان تألق فى البدايات تألق مسرحى».
تتحدث عن عمالقة الفن الذين تعلمت منهم خلال هذه الفترة: «اشتغلت مع أمينة رزق، سناء جميل، توفيق الدقن،عبدالمنعم إبراهيم، شفيق نورالدين وكل هؤلاء العمالقة، وكنت مبهورة من حجم القامات التى أقف أمامها وتعلمت منهم أكتر مما تعلمته فى المعهد، ومما علمه لى أهلى، تعلمت الصبر، و أن احترم الكبير والصغير وأحترم المواعيد، وعلمنى هؤلاء الفطاحل كيف أدرس الدور وأتقنه».
وعن التألق السينمائى والدرامى قالت: «نسيت السينما خلال هذه الفترة حتى أرسل لى المخرج الكبير حسن الإمام دورا فى فيلم التلميذة، وبعدها دور فى فيلم الخرساء مع سميرة أحمد، واشتغلت فى الإذاعة بـ 2 جنيه حتى وصل أجرى إلى 5 جنيهات، وكنت باعمل برامج خفيفة فى التليفزيون مثل برنامج فايزة واصف، لأن التليفزيون كان بيحتاج وقت طويل للتصوير ووقتها كنت مشغولة بالمسرح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة