ما أجملها حياة الريف ببساطتها وهدوئها ونقائها.. عالم نادر يسحرك بجمال الطبيعة والغيطان التي تفوح منها رائحة العطر، ومظاهر العمل والحياة الممزوجة بالفخر والإخلاص وصفاء القلوب والوجدان، بعيدا عن التكلف والتجمل والصخب المزيف.
هي حكاية تحمل بين طياتها أصالة وعراقة أبنائها الذين وهبوا حياتهم للطبيعة، وصوت صياح الديك الذي يملأ الدنيا بنغمات تعلن بزوغ نهار جديد، وشقى الفلاح بزراعة الأرض وحصاد الخير والحب بكفوفه التي غطت شقوقها الشقى والتعب، ناسجا أجمل لوحة من النضال والكفاح، وألفة وتلاحم أبنائها الذين وهبوا حياتهم للأرض والمرعى في سبيل الرزق الحلال، وجميلاتها اللواتي تحلين بالصبر والعزيمة حاملين الوفاء والفؤوس، ليكن فارسات في رحلة شقاء يومي بين تلبية احتياجات أطفالهن ومساعدة أزواجهن في حصد القمح والقطن والخضرة، لتجسد ملحمة من النضال وابتسامة رضا ترتسم على وجهها.
محلاها عيشة الفلاح هنا في قرى الريف بمحافظة الدقهلية التي تمتلئ أرجاؤها بالبهجة والطمأنينة وراحة البال، حيث جمال الطبيعة وصفاء القلوب، قام "اليوم السابع" بجولة في قرية القنان وعزبة أبو عمر، رصد خلالها يوم من حياة الفلاح المصري بين الحقول والغيطان لتوفير حياة كريمة لأبنائهم.
وقالت صباح أحمد إنهن كنساء في القرية يقضين وقتهن ما بين أعمال المنزل وزراعة الأراضي وجمع المحاصيل مع أزواجهن، مشيرة إلى أنها تصحو يوميا مع بزوغ الشمس تحلب الأبقار وترعى المواشي، ومن ثم تبدأ بتجهيز الفرن وإشعاله بالنار وتحضير العجين لخبز العيش الفلاحي، حتى تنتهي من إطعام أسرتها وجبة الفطور، ثم تقوم ببعض الأعمال المنزلية، حتى يأتي وقت الظهيرة فتلحق بزوجها بالحقل لتساعده في زراعة الأرض وجمع المحاصيل محتمية بأشعة الشمس الحارقة والخضرة.
وأضافت صباح لـ"اليوم السابع"، أن حياتهم الروتينية البسيطة تشعرهم بالرضا واللذة، فلا يزالوا يحتفظن بعادات وتقاليد الريف المصرى العريقة، رغم تطور الحياة وسرعتها، فتجدهن ينسجمن مع خضرة الطبيعة يخبزن ويطهون الخبز البلدى برائحته الذكية ومذاقه الشهى فى الفرن القش، يطهون أشهى المأكولات كالرز المعمر، كما أنهم لا يزالوا يعتمدون على "الكانون" المصنوع من الطوب الأحمر والقش لطهي الأرز؛ لكونه يضفي مذاقا شهيا وشموخا للأرز، مقارنة بالذي يطهى على البوتوجاز.
وأشارت صباح إلى أنهم يعيشون في جو يسوده التعاون والألفة والحب، حيث إنهم يحصدون محاصيل وخيرات الأرض برفقة صغارهم ليزرعوا فيهم حب الأرض من طفولتهم، مؤكدة أن الأرض بالنسبة لهم حياتهم، وكل ما يمتلكوه ومصدر رزقهم الوحيد الذي يساعدهم على توفير حياة كريمة لأبنائهم، فيكافحن فى الحياة لمساندة أزواجهن على تكاليف الحياة وتوفير احتياجات أبنائهن اليومية، فيشقن طريقهن إلى الحقول منذ الصباح الباكر؛ لمساعدة أزواجهن على المعيشة، سعيا في الرزق الحلال.
وقالت سعاد عطية مبارك البالغة من العمر 30 عاما إحدى الفلاحات بالقرية، لـ"اليوم السابع"، إنهن يفضلن الخبز بواسطة فرن القش وطهى الطعام على "الكانون"، كونهما يضيفان مذاقا مميزا للطعام وخاصة السمك والرز المعمر والعيش البلدي، مشيرة إلى أنهن رغم امتلاكهن الأجهزة المنزلية الحديثة من بوتاجاز وغسالة وغيرها، واستخدامهن لها فى حياتهن اليومية مع تطور الحياة وسرعتها، إلا أنهن يحتفظن بمقتنياتهن التقليدية التى تعبر عنهن وعن عاداتهن وتقاليدهن التى توارثوها عن أجدادهن وتعبر عن أصالتهن وأصالة الريف المصري.
وأوضحت أنهن يخبزون فى فرن القش منذ أكثر من 30 عاما، الخبز البلدى بأحجامه المختلفة والرز المعمر، والذى قاموا بصناعته من الطوب الأحمر والقوالب والطين، ليحتوى على فتحة الغرض منها إدخال قطفات من القش والحطب يتم إشعال النيران فيه حتى تزداد درجة الحرارة بالفرن لطهى الخبز والذرة والسمك والمأكولات التقليدية الأصيلة.
وأضافت أنها وأسرتها انتقلوا لعزبة القنان بمركز بلقاس منذ 30 عاما لزراعة الأرض بالمحاصيل المختلفة من الأرز والقطن والقمح والذرة والفلول وغيرها؛ بحثا عن لقمة العيش والرزق الحلال، مؤكدة على أنهم يتقاسمون الأعمال مع بعضهم البعض، فالنساء يقمن بمباشرة أعمال المنزل ورعاية الماشية أما الرجال فيهتمون بزراعة الأرض وقد يساعدونهم أن احتاجوا إليهن فى جمع محاصيل وخيرات الأرض.
أما رمضان فرج، أحد الفلاحين بقرية القنان فقال إنه ولد وعاش حياته في ربوع الأرض مع والديه وأجداده الذين فنوا حياتهم في سبيل الأرض ورعايتها، مضيفا أن حب الأرض بالنسبة لهم ليس شيء مكتسب توارثوه عن أجدادهم، بل هو عشق يسير في عروقهم والنفس الذي لا يستطيعون أن يحيوا بدونه.
وأضاف، أنهم بدأوا في زراعة محصول البنجر من شهر أغسطس الماضي وتوالت بعد ذلك مراحل الاهتمام والعناية به؛ من كتزويده بالسماد والكيماوي والري، وحاليا يقمن بـ"عزق" محصول البنجر، أي جمع حشائش محصول البنجر وتخفيفها ورش المحصول حتى تجميعه وتوريده للمصانع التي تقوم بعد ذلك بتحويل البنجر إلى سكر يباع في المحال التجارية.
واستطرد أن الأرض حياتهم ومصدر رزقهم الوحيد الذي ينفقوا من خلاله على أبنائهم وأسرهم، مشيرا إلى أنهم يزرعون مختلف المحاصيل ففي الصيف يزرعون الأرز والقطن والذرة واللب، وفي الشتاء يزرعون الفول والبنجر والقمح والبسلة الخضراء؛ ليحافظوا على الإنتاج الزراعي في مصر وجودته، ويوفروا لأبنائهم حياة كريمة.
وقال محمد عبد المولى أحد فلاحي قرية القنان، والبالغ من العمر 50 عاما، إنه يعمل في زراعة الأرض منذ طفولته، حيث كان يصطحبه والده معه دوما إلى الحقول ليعلمه أصول زراعة وحراثة الأرض ويغرس فيه حب الأرض والزراعة؛ لينمي فيه شعور الولاء نحو الأرض التي بالنسبة لهم حياتهم وسبب وجودهم، مشيرا إلى أنهم يمنحون الأرض الاهتمام والرعاية والحب وهي بدورها تمنحهم من خيراتها كل ما لذ وطاب لتجعلهم يعيشون حياة كريمة بشرف وعزة وكرامة وراحة بال.
وأضاف أنهم لا يزالوا يحتفظون بميراث الأجداد من العادات والتقاليد وروتين الحياة اليومي، فينهضون يوميا من ساعات الصباح الباكر يشقون طريقهم نحو الأراضي والحقول يزرعون البذور ويجنون المحاصيل، ويرعون المواشي، كما أنهم لا يزالوا يحتفظون ببيوتهم المصنوعة من الطين و"الدوار"، بجانب بيوتهم الحديثة، ويقتنوا الفرن القش والكانون، ويأكلون الفطير والعيش البلدي والأرز المعمر.
أصالة-وبساطة-حياة-الريف
الفرن-القش-والعيش-البلدي
الفلاح-المصري
الفلاح-المصري-يفني-حياته-في-سبيل-الأرض
سعادة-ورضا-سيدات-الريف
سيدات-الريف-يخبزن-العيش-البلدي
سيدات-الريف-يخبزن-العيش-البلدي-في-الفرن-القش
فرحة-الفلاحات-بخبز-العيش-البلدي-في-الفرن-القش
فلاحات-الدقهلية-يخبزن-عيش-بلدي
فلاحو-الدقهلية
فلاحو-الدقهلية2
كفاح-الفلاح-المصري
كفاح-وشقى-الفلاح
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة