تطورت جريمة القتل ابتداءَ من قتل ابنى آدم أحدهما للآخر حتى وقتنا الراهن تطورا هائلاَ تكاد معه التشريعات الجنائية سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الدولي أن تقف عاجزة عن الإحاطة بجميع صورها، الأمر الذى يتطلب من الفقه أن يلعب دوره المهم في تزويد المشرع وإرشاده إلى كل التطورات الحاصلة بالمجتمع سلباَ وإيجابا.
ويدخل ضمن هذه الجرائم جريمة القتل بالامتناع أو الترك، أو كما يطلق عليها من قبل بعض الفقهاء القتل بطريق سلبى أو بأسلوب سلبى هو أحد نتاجات تطور المجتمع، وفى الحقيقة هناك حقائق روحية وأخلاقية أشد تأثيراَ في حياتنا من تلك الوقائع المادية، وهو ما يجعلنا نقول إن القتل أو الإيذاء بالامتناع يوازى ما يقع منه بالفعل الإيجابي، فقتل الأم لوليدها خنقاَ قد يكون أرحم من منع الطعام عنه والشراب لمدة قد تطول حتى الموت، وقتل الممرضة لمريضها بالسم أو بالخنق أو بآلة حادة قد يكون أخف وطأة من منع الدواء عنه، والمتأمل فى هذه الأمثلة يجد أن النتيجة واحدة ألا أن إحداها تطول مدته فيزيد فيها العذاب والأخرى عكس ذلك.
هل القانون تصدى لجريمة "القتل بالامتناع" أو الترك؟
في التقرير التالي يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالات البحث فى جريمة القتل بالامتناع، من تضارب الآراء فى إمكانية تجريم الفعل السلبى إذ يذهب جانب من الفقه إلى عدم الإقرار بوجود جريمة القتل بالامتناع، وفى الفترة الأخيرة تزايدت عدد جرائم الامتناع وإفلات عدد كبير من المجرمين من العقاب بسبب قلة اهتمام المشرع بذلك مقارنة بالجرائم الإيجابية، مع عدم وجود نص صريح فى القوانين بشأن علاقة السببية بين الامتناع والنتيجة الإجرامية – بحسب الخبير القانوني والمحامى محمد الصادق.
في البداية - الأصل فى "القتل" أن يقع بفعل إيجابي، وقد ثار السؤال هل يقع بالامتناع مثل الأم التى تمتنع متعمدة عن إرضاع صغيرها حتى يموت، أو الشخص الذى يشاهد أخر ممسكا بيده السلاح سواء الناري أو الأبيض لارتكاب جريمة قتل دون منعه، والممرضة التى لا تعطى متعمدة الدواء للمريض حتى يموت، أو رجل الإطفاء الذى يمتنع عن إنقاذ عدوه الذى حاصرته النيران بقصد قتله، حيث ذهب الرأى الراجح من الفقه الجنائى إلى أنه يقع القتل بالامتناع مثل القتل بفعل إجابى إذا كان الجانى قد أخل بالتزامات قانونية أو تعاقدية بالتدخل لإنقاذ حياة المجنى عليه من الموت – الكلام لـ"الصادق".
أمثلة للقتل بالترك
ويترتب على ذلك أن الأم التي تمتنع عن إرضاع طفلها أو عن قطع حبله السرى بقصد قتله تسأل عن قتله عمد، كما يسأل عن القتل العمد كذلك من يعهد إليه برعاية مريض عاجز عن الحركة، فامتنع عمدا عن تقديم الطعام والدواء له فمات، ومعلم السباحة الذى امتنع عمدا عن إنقاذ تلميذه فغرق في مثل هذه الحالات، أو الشخص الذى يشاهد أخر ممسكا بيده السلاح سواء الناري أو الأبيض لارتكاب جريمة قتل دون منعه وغيرها نكون إزاء اعتداء على حق الإنسان، أو بالأحرى المجنى عليه فى الحياة، فيسأل الممتنع عن جريمة القتل العمد، طالما توافر لديه قصد القتل، أى إرادة إزهاق روح المجنى عليه، فإذا انتفى القصد من مسلكه فإنه يعد قاتلا بإهمال – وفقا لـ"الصادق".
وعندما لا يكون على الممتنع التزام قانونى أو تعاقدى بالتدخل لإنقاذ حياة المجنى عليه فإنه لا يسأل عن القتل العمد، حتى لو توافر لديه القصد الجنائى، كما لا يسأل كذلك عن القتل مع الإهمال، وعلى ذلك لا يعد قاتلا من يرى ضريرا يسير بالقرب من حفرة فلا يحذره وترتب على ذلك أن سقط فيها ومات، كما لا يعد قاتلا كذلك من يرى شخصا يشرف على الغرق، أو إنسانا تحيط به أو حاصرته النيران ولا يتقدم لإنقاذه، إذ أن القانون لا يفرض على الناس الشجاعة ولا التضحية، خصوصا إذا اقترنت بقدر من المخاطرة ولو يسير.
شرط المساهمة في الجريمة
وبكل تأكيد لا يعاقب من يشاهد مثل هذه الأمور – وفقا للقانون - حتي ولو تواجد علي مسرح الجريمة بطريقه عرضيه طالما أنه لم يكن مساهما في الجريمة أو مشتركا فيها بأي شكل من الأشكال، ولكن الامتناع قد يكون له ما يبرره كأن يخشي علي حياته من خطر محدق أو كون الجاني حاملاً سلاحا، ولكن قد يكون الممتنع هو الفاعل الأصلي في الجريمة كأن يقوم بحبس شخص وعدم تقديم طعام له فيموت جوعا فهي جريمة قتل بالامتناع – هكذا يقول "الصادق".
أما فى خصوص موقف القضاء المصرى من مسألة القتل بالترك أو الامتناع، فإن الحالات التى عرضت عليه نادرة يصعب معها استنباط اتجاه قضائى عام فى خصوص هذه المسألة، من ذلك ما قضت به محكمة جنايات الزقازيق فى 9 فبراير1925 من براءة أم من تهمة القتل العمد كانت قد تركت وليدها يهلك بعد ولادته مباشرة، فهى – على حد قول المحكمة – لم ترتكب عملا إيجابيا يستفاد منه قصد القتل، بينما قرر قاضى الإحالة بمحكمة المنيا فى حادثة أم لم تربط الحبل السرى لوليدها حتى مات اعتبار الواقعة جنحة قتل خطأ لأنه رجح انتفاء القصد الجنائى لديها.
رأى محكمة النقض في جريمة القتل بالترك
وفى إحدى القضايا ذهبت محكمة النقض المصرية إلى أن تعجيز شخص عن الحركة بضربه ضربا مبرحا وتركه فى مكان منعزل محروما من وسائل الحياة بنية القتل يعتبر قتلا عمدا متى كانت الوفاة نتيجة مباشرة لتلك الأفعال، ويرى الفقه الراجح لدينا أن هذا الحكم لا يعد سابقة مؤكدة تدل على اعتناق محكمة النقض الاتجاه السائد فى الفقه، فقد اختلطت أو تداخلت الأفعال والمواقف السلبية المسندة إلى المتهم مع أفعال إيجابية متعددة، وكلها كان لها دورها الواضح فى إحداث الوفاة، وهو ما يرفع عن الحكم دلالته على تجاه المحكمة.
ويشار إلى أن الامتناع عن الإغاثة يعبر عنها الامتناع عن إغاثة ملهوف فى كارثة أو جريمة، فإذا امتنع أو توانى الشخص بدون عذر من إغاثة ملهوف فى كارثة أو مجنى عليه فى جريمة، فإنه يقع تحت المسئولية الجنائية ويعاقب بالعقوبة المقررة لها، وشروط تحقق هذه الجريمة هى: وقوع كارثة أو حادثة تهدد حياة شخص أو صحته، وعدم تقديم الشخص المتهم العون بنفسه أو طلبها من الغير، مع قدرته على ذلك، وأخيراً أن يكون هذا الامتناع إراديا وعمداً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة