على مدار عقود كان ملف السجون المصرية وأوضاع المسجونين محل انتقادات من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية والمجتمع الدولى أحيانا، وتلقت مصر العديد من التوصيات الدولية للارتقاء بأوضاع السجون ونزلائها وذلك من خلال مشاركتها بآلية الاستعراض الدورى الشامل بالمجلس الدولى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ومنذ أيام أقدمت الدولة المصرية على الخطوة الأولى لإنهاء أزمة تعانى منها السجون المصرية منذ عقود وهى أزمة التكدس داخل أماكن الاحتجاز، ليس ذلك وحسب، إنما هى خطوة جادة نحو تغيير الفلسفة العقابية فى مصر لتتحول من مجرد عقوبة سالبة للحرية إلى التأهيل والإصلاح، حيث تم افتتاح مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون ليبدأ عهد جديد بملف حقوق الإنسان داخل السجون المصرية، الأمر الذى نال إشادات واسعة من منظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان المحلية والدولية.
علاء شلبى
ومن جانبه قال علاء شلبى، أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون يشكل نقلة حضارية كبيرة باعتباره يمثل النموذج الذى سيتم تعميمه فى المؤسسات العقابية، لافتا إلى أنه يعد خطوة متقدمة على طريق تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
وأضاف شلبى، لـ"اليوم السابع"، قائلا: "عبر افتتاح هذا الصرح الذى يتماشى مع الصروح الكبرى الأخرى التى أنجزتها الدولة خلال السنوات السبع الأخيرة، يسعنى القول بكل ارتياح أن مصر تخطت أزمة كبرى تعود فى حقيقتها إلى نهاية تسعينيات القرن الماضى وبلغت ذروتها فى العام 2013 عقب المظاهرات المسلحة وغير السلمية التى نظمتها جماعة الإخوان وحلفاؤها وعبر الجرائم الإرهابية التى قوضت أمن البلاد، وقد شكلت تلك الأحداث سببا فى تفجير أزمة التكدس فى مراكز الاحتجاز وبالتالى الكشف عن القصور الذى كان فيها سابقا".
وأشار أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان إلى أنه لطالما عانت السجون فى مصر من التكدس، أو تداعى الأبنية المتهالكة والتى كانت تأسست نهاية القرن الـ19 ومطلع القرن الـ20، بالإضافة إلى الافتقاد للمقومات المعيشية والطبية الكافية، واتباع لوائح عتيقة لم يتم تحديثها وعصرنتها.
وتابع شلبى: "أنا والزملاء فى المنظمة العربية لحقوق الإنسان أكثر الناس سعادة بهذا التطور، حيث كانت المنظمة قد أجرت بحوثا، قبل أن توجه فى 17 يوليو 2014 مذكرة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى فى هذا الصدد، وقدمت عددا من المقترحات العاجلة والآجلة لمعالجة الإشكاليات، وهو ما كان موضع استجابة واضحة من خلال البدء بتبنى مقترح تخصيص 6 سجون للحبس الاحتياطى الذى شكل المصدر الرئيسى للتكدس، وتطوير لوائح التعامل مع المتاعب الصحية الطارئة فى أقسام الشرطة، والتوسع فى الإفراجات سواء بالعفو الرئاسى أو بالإفراج الشرطى لتخفيض التكدسات".
وأضاف أن هذا التدخل وهذه الاستجابة كانت بداية لمسار تحديث حيث تم بناء سجون جديدة لتحل محل السجون المتهالكة، كما جرى ترميم البنية التحتية لنحو 30 سجنا قديما تأسس من منتصف القرن الماضى، كما جرى التوسع فى العفو والإفراج الشرطى بمعدلات كبيرة تبلغ فى المتوسط 40 ألف سجين سنويا.
وأكد شلبى أن نموذج وادى النطرون يلبى معايير الحد الأدنى لمعاملة السجناء، ويحاكى أفضل التجارب العالمية، ويُسهم فى تيسير تدابير التقاضى فى سياق التحديث والتحول الرقمى، معربا عن سعادته بتطوير المحتوى الإعلامى لوزارة الداخلية فى المادة الإعلامية التى قدمتها والذى تبنى حماية كرامة الإنسان الحر والمحتجز، وهو ما يعكس إيمانا حقيقيا وفهما واعيا بحقوق الإنسان.
أيمن عقيل
فيما أكد أيمن عقيل، رئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، أن افتتاح مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون هو خطوة إيجابية وجيدة بلا شك، لافتا إلى أنها تأتى فى إطار تفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وفى إطار التزام مصر بتعهداتها الدولية.
وأوضح عقيل، لـ"اليوم السابع"، أنه لأول مرة يتم تطبيق القواعد النموذجية الدنيا الخاصة بمعاملة السجناء، قائلا: "على مدار 40 عام مضت كان المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية والمجتمع الدولى يطالب الدولة المصرية بتطبيق القواعد النموذجية الدنيا الخاصة بمعاملة السجناء، ولأول مرة يكون هناك استجابة من جانب الدولة".
وأضاف عقيل، أن تلك الخطوة تعد تحول من فلسفة العقاب إلى فلسفة الإصلاح والتأهيل إلى جانب العقاب، وأن تكون فترة العقوبة فى مكان يتوافر فيه معايير التهوية الجيدة والنظام الغذائى الجيد والرعاية الصحية.
كما لفت رئيس مؤسسة ماعت للسلام إلى أنه فى الوقت الذى أطلقت فيه الدولة مبادرة "حياة كريمة" كانت هناك أصوات تطالب بالاهتمام بالحقوق المدنية والسياسية، والآن الدولة تهتم بالحقوق السياسية والمدنية وظهرت نفس الأصوات لتطالب بالاهتمام والتركيز على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها أولوية"، واستطرد: "فى الواقع الأولويات تحدد طبقا لاحتياجات المجتمع، والدولة تسير فى كل الاتجاهات".
ومن ناحيته قال وليد فاروق، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، أن افتتاح مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون هو تحول فى الفلسفة العقابية، مشيرا إلى أن المركز معد بشكل جيد وأن هناك رؤية مستقبلية لتحويل السجون إلى قاعات للتعليم وورش لتدريب النزلاء على الحرف اليدوية، ما يعكس اهتماما كبيرا بالنزلاء.
وأوضح فاروق، لـ"اليوم السابع"، أن هذا المركز هو إحلال لـ12 سجنا آخر سيتم نقل نزلائها إلى هذا المركز، قائلا: "وبالتالى لا يتم بناء سجون جديدة لاستقبال مزيد من المسجونين وتضييق الحريات كما يدعى البعض، إنما هو إحلال وتجديد، والبنية التحتية لكثير من السجون المصرية وبالتالى سيتم نقل النزلاء إلى هذا المركز".
ولفت رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات إلى وجود إرادة سياسية حقيقية للتغيير، قائلا: "كان الحديث عن حقوق الإنسان من قبل مجرد كلام وأصبح هناك تطبيق على أرض الواقع"، وتابع: "وتجدر الإشارة هنا إلى القرارات الأخيرة المتعلقة بقضية التمويل الأجنبى، وقانون الجمعيات الأهلية الجديد، والآن تتجه الدولة نحو تطوير وإصلاح أوضاع السجون"، مضيفا: "يمكننا القول أن الإطار العام للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أصبحت موضع تفعيل على أرض الواقع".
محمود بسيونى
وفى سياق متصل أشار الكاتب الصحفى محمود بسيونى، رئيس الشبكة العربية للإعلام الرقمى وحقوق الإنسان، أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تعبر عن توجه الدولة نحو قضايا حقوق الإنسان، لافتا إلى أنه فى القلب من الاستراتيجية الحقوق السياسية والمدنية وعلى رأسها الاعتناء بأوضاع السجون والمسجونين، خاصة فى ظل وجود عدد من التوصيات الحقوقية المحلية والدولية للاهتمام بملف السجون.
وأشار بسيونى، إلى أن هناك فلسفة عقابية جديدة، قائلا: "الأول كان يخرج النزيل مجرم أكثر خطورة والآن يتم تقويمه وتحويله إلى عنصر منتج ودمجه بالمجتمع"، لافتا إلى أن افتتاح مركز الإصلاح والتأهيل يُسهم فى الحد من انتشار الجريمة بتحويل المجرمين والمذنبين إلى أفراد منتجة وطاقة عمل، كما أنه يطابق المعايير الدولية لمعاملة السجناء، لافتا إلى أن هناك كثير من الدول المتقدمة لم تصل إلى تلك الدرجة من الجودة فى الفلسفة العقابية وأوضاع السجون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة