هناك مفارقات كشفها فيروس «كوفيد 19»، وما زال، ففى حين يواصل فيروس كورونا تهديد العالم بشكل جماعى، لا تزال السياسة والمنافسة تفرضان نفسيهما، بالرغم من أن الجائحة لا تفرق بين غنى وفقير، أو بين أمة متقدمة وأخرى نامية، لكن الدول نفسها، والمنافسة، تدعم خطوات التمييز والتفرقة، ومنذ اللحظة الأولى لظهور الفيروس بدأت الخلافات حول منشأ الفيروس، ومن المسؤول عن ظهوره وانتشاره، وحتى مع ظهور اللقاحات وتوزيعها، فقد رفضت أوروبا الاعتراف باللقاحات الصينية، واشترطت الحصول على لقاحات معتمدة ليس منها الصينى للموافقة على دخول المسافرين، وحتى اللقاح الروسى بالرغم من تأكيد مجلة «لا نسيت» على فاعليته، ما زال خارج نطاق الاعتراف فى كثير من دول الاتحاد الأوروبى.
فى المقابل ترفض الصين دعوة الدول الأوروبية لعدم الاعتراف بلقاحات كورونا الروسية والصينية، واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، هذا نوعا من تسييس المسائل الخاصة باللقاحات، وقال «لا يجب أن تصبح هذه المسائل موضوعا للتدخل السياسى، ويجب أن تعمل دول العالم على مواجهة الجائحة والسعى للتضامن، بدلا من زرع الفتنة وتكثيف التناقضات»، وكان المتحدث الصينى يرد على تصريحات وزير الدولة الفرنسى للشؤون الأوروبية، كليمان بون، والتى دعا فيها بلدان الاتحاد الأوروبى إلى عدم الاعتراف بلقاحات كورونا المصنوعة فى روسيا والصين.
لكن استمرار مواقف أوروبا الرافضة لدخول من تلقحوا باللقاحات غير المعترف بها، تثير غضبا، وأعلنت منظمة الصحة العالمية معارضتها لأن يكون التطعيم ضد فيروس كورونا شرطا مسبقا لدخول أراضى هذا البلد أو ذاك، وأوضحت المنظمة أنه «وفقا للقواعد الصحية الدولية، يجب أن تكون اللقاحات معتمدة لدى منظمة الصحة العالمية وأن تكون بالكمية الكافية حول العالم حتى يمكن وضعها كشرط مسبق للسفر»، وأكدت المنظمة أنها «لا تؤيد استخدام شهادات التطعيم كشرط مسبق للسفر الدولى، نظرا لعدم المساواة فى إمكانيات الحصول على اللقاحات بين الدول الغنية والدول الفقيرة».
وحتى الآن صادقت منظمة الصحة العالمية على الاستخدام الطارئ لـ7 لقاحات مضادة فيروس كورونا، وتدرس الاعتراف بـ13 لقاحا أخرى، بينها «سبوتنيك V» و«إيبيفاك كورونا» الروسيان، واعتبر مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، منع بعض الدول لدخول الأشخاص المطعمين بلقاحات مرخصة من قبل المنظمة غير معتمدة فى هذه الدول «إجراء تمييزيا».
وتأتى انتقادات منظمة الصحة والعلماء، فى وقت تحصل الدول الكبرى على النصيب الأكبر، وتتهاون فى تقديم اللقاحات للدول الفقيرة المحرومة من الحصول على كميات مناسبة من اللقاحات، لدرجة أن الملياردير الأمريكى بيل جيتس، أعلن قبل أسابيع على حسابه بتويتر، أن توزيع تطعيمات كورونا يتم بشكل غير عادل بين دول العالم الغنية والفقيرة، حيث تم إعطاء أكثر من 80% من اللقاحات فى البلدان الغنية، بينما الفقيرة نسبتها أقل من 1%، وحسب تقرير «المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها»، التابع للاتحاد الأفريقى أكتوبر الجارى تم تسجيل 8.5 ملايين إصابة جديدة مؤكدة بفيروس كورونا، و215.500 حالة وفاة فى ظل نقص حاد فى التطعيم باللقاح.
وأظهرت أحدث احصائيات المراكز أن نسبة التطعيم 4.3% من سكان القارة ضد كورونا، فيما بلغت نسبة من تلقى جرعة واحدة 6.7 فى المائة من سكان القارة، واعتبر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم، لـCNN، أن استخدام الجرعات المعززة من لقاح فيروس كورونا فى جميع أنحاء العالم، بينما التطعيمات فى أفريقيا لا تزال ناقصة، أمر غير أخلاقى وغير عادل، ويجب أن يتوقف، حيث إن أقل من 2% من اللقاحات العالمية تم توزيعها على إفريقيا، بل إنه أشار إلى أن بعض الشركات المنتجة للقاحات كورونا تحقق أرباحا قياسية، بينما الكثير من البشر حول العالم ما زالوا غير محميين من الإصابة بعدوى كورونا، ولا يمكن لأحد أن يعيش فى أمان ما دام الكثيرون غير محصنين، لأن ذلك يرفع فرصة انتشار الفيروس وتحوراته.
وتظل المنافسة، والتسييس، وراء الأنانية لدى الدول الكبرى، أحد أسباب استمرار انتشار الفيروس التاجى، وحرمان الدول الفقيرة من اللقاحات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة