من المؤسف ما نراه في هذه الأيام بالحكم علي غيرنا من المسلمين إذا ماتوا بأنهم من أهل الجنة أو من أهل النار، وكأننا نملك مفاتيحهما أو أصبحنا نتدخل في علم الغيب الذي لا يعرفه إلا الله الواحد.
لا يعرف أحد منا مصيره، هل إلي جنة أم إلي نار، وقد يكون الإنسان يعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة حتي ما يقترب من الموت فيعمل الذنوب والمعاصي فيموت ويدخل النار والعكس لأصحاب الذنوب الذين جعلوا حياتهم كلها معاصي، لكن بهداية من عند الله يتوبون فيموتون علي الطاعة فيدخلون الجنة.
ولنا في سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مثلا في ذلك حينما قال عنه قومه لو أسلم حمار الخطاب ما أسلم عمر، لكن بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم أسلم عمر وأصبح الخليفة الثاني للمسلمين وبشره النبي بالجنة.
فإياك والتألي علي الله عز وجل؛ فقد أخرج الإمام مسلم من حديث جندب بن عبدالله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث: ((أن رجلًا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى عليَّ ألا أغفر لفلان؟! فإني غفرت لفلان، وأحبطت عملك)).
وعند الإمام أحمد وأبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: "قال: كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، وكان أحدهما مذنبًا، والآخر مجتهدًا في العبادة، وكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول: أقصر، فوجده يومًا على ذنب، فقال له: أقصر، فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبًا؟! فقال: والله لا يغفر الله لك - أو لا يدخلك الله الجنة - فقبض روحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالمًا، أو كنت على ما في يدي قادرًا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار))؛ (صحيح الجامع: 4455).
فلا نستبعد الهداية عن أي إنسان، مهما كان حاله.
فكم من إنسان قد بلغ من الكفر مبلغًا عظيمًا فهداه الله عز وجل فأصبح إمامًا من أئمة الهدى.
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كانوا يقولون عنه: "لو أسلم حمار الخطاب، لأسلم عمر بن الخطاب"، فأسلم عمر وكان إمامًا من أئمة الهدى، حتى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما عند الترمذي وأحمد بسند صحيح -: ((لو كان من بعدى نبي، لكان عمر بن الخطاب)).
وعند الترمذي وأحمد أيضًا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((إن الله تعالى جعل الحقَّ على لسان عمر وقلبه)).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما - كما عند أحمد -: "ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر، إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر".
وقال طارق بن شهاب - كما عند الإمام أحمد -: "كنا نتحدث أن عمر بن الخطاب ينطق على لسانه مَلَك".
وعلى هذا، فلا يجوز أن نقنِّط أحدًا من رحمة الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
فمن مات من المسلمين حتي ولو كان يرتكب الكبائر فأمره إلي ربه، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه، ولدينا في ذلك ما جاء في صحيح البخاري الرجل الذي قتل مائة نفس ودخل الجنة بسبب أنه تاب إلي الله سبحانه وتعالي قبل وفاته.
في المقابل كما ذكر ابن أبي الدنيا أنه كان هناك حماما للنساء في العراق يسمي منجابا فسألت امراة عن هذا الحمام فأعجب أحد الرجال بها، وكان بيته شبيها بهذا الحمام فدخلت فلم تجد الحمام، فقال لها لابد أن أقع بكي لكنها هربت بعد أن أقنعته أن يشتري لهما طعاما فعاد فلم يجدها فمات علي الذنب والعياذ بالله.
فلا تجعلوا أنفسكم أوصياء علي الناس، وكأن مفاتيح الجنة والنار في أيديكم وأنتم لا تعرفون مصيركم.
هدانا الله وإياكم
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة