فى مكتب صغير بالطابق السادس بقسم المحفوظات بمحكمة الأسرة بمحافظة أسوان يجلس على كرسى خشبى رجل تجاوز عمره الـ60، ويحيط بأرجاء المكان من حوله، الملفات والأوراق والمستندات القديمة، فيبحث للمواطنين عن الأوراق الثبوتية لآبائهم وأجدادهم والتى يتجاوز بعضها أحياناً المائة عام، دون أن يكل أو يمل طوال فترة عمله، حتى بعد خروجه على المعاش.
"اليوم السابع"، التقى العم "أحمد نصر الدين عبد النعيم"، موظف قسم المحفوظات بمحكمة الأسرة بمحافظة أسوان، والذى فضل أن يواصل عمله بدون أن يتقاضى أجراً نظير ذلك، وفضله على أن يمكث فى البيت أو أن يجلس على المقاهى بعد خروجه على المعاش.
تحدث أحمد نصر لـ"اليوم السابع"، قائلاً: "خرجت على المعاش منذ عام تقريباً ولكن أواصل الحضور إلى عملى السابق لمساعدة المواطنين الراغبين فى الحصول على الأوراق الثبوتية لآبائهم وأجدادهم، فهذا البحث عمل شاق ويحتاج فترة حتى تعتاد عليه الموظفة الجديدة التى وكلوا لها المهمة من بعدى فى نفس المكان، خاصة أنها لا زالت تؤدى العمل بنظام "الخدمة العامة"، نظراً لوجود عجز بالموظفين.. "هتحتاس لوحدها فى البحث عن ملف".
وتابع "نصر"، "أنا حافظ المكان هنا زى بيتى بالظبط، وشايف ضغط الشغل على زملائى فى طلبات المواطنين بإستخراج وثائق الزواج والطلاق الخاصة بآبائهم وأجدادهم من الراغبين فى الالتحاق بالكليات العسكرية أو الشرطة أو ممن يقدمون لأداء الخدمة العسكرية، ويتطلب منهم تقديم قيد عائلى عن ذويهم من الآباء والأجداد، وهذه الأوراق قد ترجع لعشرات السنين".
وقال الموظف المثالى، "اتعينت فى الوظيفة عام 1986 فى النيابة، ثم التحقت بقسم المحفوظات، التابع لمحكمة الأسرة بمحافظة أسوان، منذ عام 2005، أى منذ 15 سنة، وعملى هو استخراج قسيمة الزواج أو الطلاق أو غيرها من الأوراق الثبوتية، وأنا حافظ المكان ده بكل أركانه لأن أنا اللى منظم الدفاتر دى كلها".
وأشار نصر، إلى أن غالبية المستندات التى يتم استخراجها تكون فى الأساس مُسجلة على الكمبيوتر، وظل الموظفون فى محكمة الأسرة طيلة شهرين كاملين ينفذون هذا العمل، وكانت هذه الفترة ضمنها شهر رمضان لدرجة أنهم وكلوا أحد الموظفين للمبيت فى العمل يتسحرون أثناء رفع المستندات على الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" بعد سحبها "سكانر"، لكن هناك بعض الملفات والوثائق لا تظهر على الشبكة فيحتاج الرجوع إلى الأرشيف.
وأوضح العم أحمد، أنه طوال فترة عمله يأتى أول الموظفين ويحضر فى تمام الساعة الثامنة صباحاً ويصعد إلى مقر العمل بالطابق السادس على السلالم نظراً لعدم وجود مصعد بالمكان، ويظل فى عمله إلى ما بعد انتهاء فترة العمل حتى يخرج آخر مواطن من مكتبه وبعد أن يكون قد انتهى من البحث لهم جميعاً عن أوراقهم وحاجتهم، موضحاً أن بعض المواطنين من كبار السن وذوى الحاجة لا يستطيعون الصعود للطابق السادس، فأضطر إلى استخدام حبل مثبت بـ"سبت" لمساعدتهم فى الحصول على أوراقهم دون عناء أو مشقة.
واستكمل الحديث عن نفسه، قائلاً، لدى بنت متزوجة وولدين صغيرين، وأفضل الوظيفة من الجلوس فى المنزل أو الخروج إلى المقاهى بعد المعاش، فكل هذه الوسائل لم نعتاد عليها ولا أجيد إستخدام الانترنت، فكل ما أعشقه هو حب العمل.
ولفت أحمد نصر، إلى أن المكان يضم أوراق ثبوتية قديمة جداً، حتى أنه ساعد أحد الأحفاد منذ فترة قريبة على إيجاد وثيقة زواج لجده وكانت ترجع إلى عام 1298 هجرية، أى ما يقرب من 144 سنة، وليس على الوثيقة تاريخ بالميلادى لعل هذه الفترة كانوا يسجلون الزواج بالتواريخ الهجرية، وكان مهر الزوجة فى ذلك العقد هو 400 قرش، وحصل العروسان مبلغ 5 قروش ثمن ورقة القسيمة.
وعبر الموظف الـمُسن، عن سعادته عندما يعثر لشخص على ورقة أو وثيقة عانى فترة من أجل الوصول إليها، ويرى ذلك من خلال دعوات الناس الصادقة بعد إنهاء خدمتهم التى قد يقطعوا المسافات من أجلها ويسافر بعضهم من الشمال إلى أقصى الجنوب للحصول على مستند لأبيه أو جده أو جد جده، وعلق قائلاً: "بشعر بارتياح نفسى شديد، ولا أتمنى من الله غير ذلك".
الوثيقة القديمة
الموظف ينزل الثبت للمواطنين
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة