من أكثر الصفات التي يبحث عنها الإنسان فيمن حوله، هي صفة (الأمانة)، فمن منا لا يتمنى أن تكون هذه الصفة في كل من يتعامل معهم على كل المستويات، في المنزل والعمل والحياة، وهذا الأمر لا نتمناه فقط في المُقربين، وإنما نتمنى أن نجده في كل الأشخاص، حتى من تربطنا بهم علاقات سطحية.
فالأمانة هي سر الشعور بالأمان، فللأسف، كثيرون يربطون الأمانة بالمادة، ولكن الأمانة لها معانٍ أكبر كثيرًا من أن يتم حصرها في إطار ضيق اسمه (المادة)، فهي تبدأ من أمانة الفكر والإحساس، ولابد أن تكون تلك الأمانة بين الإنسان ونفسه أولا، فمن يخدع نفسه لا يُمكن أن يكون أمينًا مع غيره، فهذه قاعدة مُسلم بها، ولا يُمكن تأويلها بأي حال من الأحوال، وكذلك الأحرى بكل إنسان ألا يُطالب الآخرين بالأمانة معه، إذا افتقد هو الأمانة مع نفسه.
وإذا أردت أن تعرف من هو أكثر شخص يُمكن أن يتصف بالأمانة، ستجده أكثر الناس لامبالاة بالناس، فمن لا يعبأ بتتبع أمور غيره، ولا يجد لذة في الاطلاع على أسرار الناس، ولا يغتر بما لديهم، ولا يشمت فيما ضاع منهم، ولا يتذكر سوءاتهم مع الأيام، ودائمًا ما ينظر إلى حسناتهم، حتى لو ابتعد عنهم بسبب عوار فيهم.
فأهم شروط الشخص الأمين أن يكون بسيطًا وصريحًا وقانعًا؛ لأن من يخدع نفسه لابد أن يخدعك يومًا ما، ومن يغتر على غيرك، لابد أن يغتر يومًا عليك، عندما تُواتيه الظروف، ومن لا ترتاح أذنه حتى يعرف أسرارك، فتأكد أن لسانه لن يسكن بين فكيه حتى يُفشيها كلها لغيرك.
لقد كان (نابوسان) من أفضل مُلوك آسيا، وكان محل حُب ورضاء الناس، ولكنه كان مغشوشًا فيهم دائمًا، إذ أن كل أمناء خزائنه دائمًا يسرقون، ورغم استبداله لهم كثيرًا، وعقابه الشديد لهم، إلا أن من يحلون محلهم لم يتخيروا عن سلفهم.
وشكا الملك ذات يوم خيانة الأمانة للحكيم (صادق)، فقال له الحكيم: "أعلن بين الناس أنك تُريد أمينًا لخزانة أموالك، حتى إذا اجتمعوا عندك، أمرتهم بأن يرقصوا، ثم انظر أيهم يرقص رقصًا خفيفًا ونشيطًا، فاختره، فإنه لا شك سيكون الخازن الأمين"، فشك الملك أن الحكيم يسخر منه، ولكن الحكيم أصر على رأيه، مما خيَّل للملك أنه لديه سرًا خارقًا، يعرف به دخائل الرجال، وطلب الحكيم من الملك أن يُنظم هذا الأمر بنفسه.
وقد حضر أربعة وستون رجلاً في الموعد المُقرر، فأدخلوا واحدًا واحدًا إلى غرفة بعيدة، اجتمع فيها الموسيقيون، ولكن باب الغُرفة ظل مُغلقًا، وكان كل من أراد الوصول إلى الغرفة، سلك إليها ممرًا ضيقًا مُظلمًا بعض الشيء، وكان الحاجب يُبقي كل مرشح في هذا الممر مُنفردًا وقتًا قليلاً، وكان الحكيم قد أطلع الملك على سره، وعرض كُنوز القصر في هذا الممر.
ولما اجتمع المُرشحون في غُرفة الموسيقى، أمرهم الملك بالرقص، فرقصوا دُون خفة، خافضين رُؤوسهم، مُلقين بأذرعهم إلى جيوبهم، وكانت قطع الذهب والفضة تتناثر من أكمامهم، فافتضح أمرهم، فهمس الحكيم في أذن الملك، قائلاً: "يا لهم من خونة".
وكان واحد منهم فقط، يرقص رقصًا خفيفًا، مرفوع الرأس، ممدود الذراعين، مُطمئن الخاطر، فقال الحكيم: "يا له من رجل شريف وأمين"، ذلك هو الرجل الذي لم تغره الفضة ولا الذهب، حين مر عليهما، فلم يأخذ منهما شيئًا، فجعله على خزائنه.
وعليه، فابحث عن الشخص البسيط، غير المُكترث بالقال والقيل، فالشخص الأمين كالكنز الدفين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة