- كان يهوى السير ليلاً فى شوارع بيروت دون حرس وبكى مرتين يوم وفاة والدته ووالده
ـ عانيت فترة اكتئاب 3 أشهر عقب اغتياله.. واستدليت على جثمانه يوم الحادث من "محبس" أيده ..و كان يعمل 17 ساعة يومياً.. ولم نلحظ قبل اغتياله أنه كان مراقب
«رفيق الحريرى عمره ما شال سلاح كان بيحب الناس وواثق أنهم بيحبوه».. بهذه الكلمات التى تقطر ألما وحزنا تحدث الحاج محمد ضياء الحارس الشخصى لرئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريرى، لـ«اليوم السابع» من مدينة صيدا، بعد 15 عاما على حادث الاغتيال الدامى، ليسرد تفاصيل عشرة 33 عامًا لم يمحُها الزمن، لتتجدد ذكراها كلما مر حادث مؤلم بلبنان.
وكشف الحاج محمد، عن تفاصيل يوم رفيق الحريرى، مؤكدا أنه كان يحرص على الاستيقاظ مبكرا وممارسة الرياضة، فيما أعطى جل وقته لعمله.
موكب الحريرى، حسبما وصفه محمد ضياء، كان 7 سيارات منها 5 مرسيدس وسيارة إسعاف ودرك، ويوم الاغتيال كانت سيارة محمد تسبق سيارة الحريرى منطلقة من مقر مجلس النواب إلى قصر قريطم لتناول الغداء.. تعددت السمات الشخصية له ومن أبرزها أنه فتح قصر قريطم للأيتام والفقراء خاصة أيام شهر رمضان الكريم، وغيرها من التفاصيل والأسرار بحياة الحريرى تناولها الحارس الشخصى له.
..وإلى نص الحوار
كم عام أمضيت مع الراحل رفيق الحريرى؟
أمضيت معه 33عاما، منذ أن كان يعمل فى الرياض ثم جاء إلى لبنان فى 1992، كان مكتبنا فى الشام ونقلنا على بيروت.
شاهدت خلال عشرتى الطويلة معه كم أحبه الملوك والرؤساء حتى أنه حاز العديد من الأوسمة من معظم أمراء وملوك ورؤساء الدول العربية والصديقة التى كان يزورها.
حدثنا عن بدايات رفيق الحريرى؟
الراحل رفيق الحريرى كان من أكبر رجال الأعمال فى العالم ولمع اسمه فى عالم الاستثمارات العقارية قبل دخوله معترك السياسة.
ولد فى مدينة صيدا عام 1944، وكانت أسرته بسيطة واشتغل فى المحاسبة كى يكمل دراسته فى جامعة بيروت العربية، وبناء على إعلان فى إحدى الصحف اليومية وجد فرصة عمل فى المملكة العربية السعودية فانتقل غلى هناك وبدأ حياته العملية من المملكة كشريك فى شركة إنشاءات صغيرة «سيكونيست»، وكانت الانطلاقة القوية له حينما قبل تحدٍ لإنشاء فندق بمدينة الطائف فى 9 أشهر فقط، وذلك كان بالشراكة مع شركة فرنسية، وهو التحدى الذى هربت منه شركات إنشاءات كبيرة وقتذاك وبعد ذلك النجاح الكبير أسس شركة سعودى أوجيه، وهى الشركة التى أسندت إليها مشروعات ضخمة مثل المركز الحكومى فى الرياض ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف فى المدينة، وحصل رفيق الحريرى على الجنسية السعودية.
وبعد ذلك امتدت استثماراته لتتخطى الدول العربية إلى الأوروبية وآسيا، وكان له طابع مميز فى كل دولة وساعد العديد من الدول على النهضة المعمارية والإنشائية، وكانت له استثمارات أيضًا فى القطاع المصرفى، وامتلك مجموعة «البحر المتوسط» من أكبر التجمعات البنكية والمصرفية.
كان ولاء الحريرى الأول لوطنه فقرر بعد الاجتياح الإسرائيلى توجيه كل طاقاته وإمكانياته لخدمة لبنان كى يعيد إعماره من جديد، وأيضا ساعد أبناء الأهالى على استكمال مسيرة تعليمهم، بلغ عدد الطلاب الذين ساعدهم أكثر من 30 ألف طالب وقتذاك للدراسة داخل وخارج لبنان.
ما أكثر ما يميز حياة يوم الحريرى؟
العمل، كان دؤوبا فى عمله بدرجة لم تتوفر فى أى رئيس حكومة سبقه آخر، وهذا ما أكده مسؤول المراسم، وجدوله اليومى كان مزدحما جدا، فعادة كان يستيقظ السادسة صباحا ثم يمارس الرياضة ويتصفح الجرائد ثم يبدأ عمله واجتماعاته فى تمام السابعة والنصف صباحا، ويستمر لساعات متأخرة بالليل تصل أحيانا حتى 12منتصف الليل، كان شغيل بمعنى الكلمة وكان محبوبا من الدول العربية والأوربية وكان يحب السير ليلا فى بيروت بدون حراسة.
أيام رمضان كانت مميزة عند رفيق الحريرى فكل إفطار كان يستقبل سياسيين ومواطنين ويحرص على استضافة الأيتام فى القصر، وكان الراحل يهتم أيضا بإنشاء المساجد من بينها مسجد بهاء الدين الحريرى فى منطقة مكسر العبد بصيدا على مساحة حوالى 7500متر وأنفق عليه أموالا كثيرة، وآخر مشاريعه كان مسجد محمد الأمين فى ساحة الشهداء، بدأ إنشاءه أواخر عام 2004 كأكبر مساجد بيروت من ماله الخاص، وكلف نحو 20 مليون دولار، مساحته أكثر من 10711 مترا مربعا، وأنهى أعمال الإنشاء به فى نفس عام اغتياله وكان يستعجل إتمام إنشائه وهو المسجد الذى دفن فى فنائه.
حدثنا عن آخر سنة فى عمر الحريرى والتى انتهت بمشهد الاغتيال؟
كان يتعرض لضغوط سياسية، وفى هذا كان يتعامل بحكمة ويتروى فى ردود فعله، ما كان يُستفز بسهولة، لكننا كحراس له لم نلحظ يوما أنه تحت المراقبة، وفى اليوم الذى اغتيل فيه خرج لحضور جلسة فى مجلس النواب، وبعدها جلس على قهوة ساحة النجمة المواجهة للبرلمان، وبعد ذلك وقال لنا «يا شباب بدنا نرجع على البيت عندنا غدا».
كنت أتقدم الموكب وخلفى سيارة الحريرى ومعه الوزير فليحان، وفى لحظات شفت الدنيا غبار أسود، وبعد نصف دقيقة استطعت النهوض، وأخذت أبحث عن رفيق الحريرى بين حطام الموكب إلى أن وجدته ملقيا على الأرض، تعرفت جثمانه من محبس أيده، كان يلبسه باستمرار فى تلك اللحظة شعرت أنى فقدت أغلى إنسان فى حياتى.
الرئيس الفرنسى جاك شيراك يستقبل رفيق الحريرى والوفد المرافق له
وتم نقله إلى مستشفى الجامعة الأمريكية، والوزير فليحان ظل أشهر يتلقى العلاج فى الخارج ثم توفى.
أصبت فى رأسى وأذنى وفقدت حاسة السمع، وسافرت للعلاج فى ألمانيا لفترة، ثم عانيت فترة اكتئاب شديد 3 أشهر لم أخرج من منزلى وأر إنسانا، شعرت كأن لبنان ينهدم كأنه خارج من الحرب، فارتباط الدولة برفيق الحريرى لم يكن على الصعيد الرسمى فقط بل كان إنسانيا بالدرجة الأولى.
حدثنا عن موكب الحريرى؟
كان موكبه عبارة عن 7 سيارات، منها 5سيارات مرسيدس وواحدة درك وسيارة إسعاف، سيارته كانت مصفحة بأعلى الدرجات على المواصفات الألمانية، إلى جانب التدابير الأمنية التى كنا نحن كحراس نتخذها دون علمه، كان للحريرى 15 حارس أمن يتناوبون حراسته.
كان دائما يوصينا أثناء مرور موكبه قائلا «ما تزعجوا الناس على الطريق»، والموكب كان يمر فى وسط المواطنين .
وحجم الموكب كان يتغير حسب المنطقة المتوجهين إليها، أما فى حالة سفره للخارج كان يضاف على الراس الشخصيين عدد من قوى الأمن الداخلى، وكان يحب العودة سريعا على بيروت.
هل كان حريصا على تغيير موديل سيارته بشكل مستمر؟
لا، لم يكن حريصا على تغيير سيارته كثيرا لكن نحن كحرس كنا نقوم بتغييرها ضمن إجراءات التأمين له، الحريرى كان واثقا فى محبة الناس له لدرجة أن عمره ما شال سلاح.
ما الأكلة التى كانت مفضلة له؟
زعتر وزيت ومعهم فنجان شاى، وكان يحب ورق العنب.
ذكريات لا تنساها فى حياته؟
حياة الحريرى كانت غنية بالمواقف التى لا تنسى، على سبيل المثال حينما أجرى عملية جراحية فى الخارج فور عودته ذهب لمدينته صيدا التى نشأ بها وهناك استقبله الأهالى بالورورد والرقص بالأحصنة والتصفيق بكل شوارع صيدا ووقتذاك كان بدون موكب الحراسة، أحب السير بدون حراسة وسط الناس، وقال لنا «اتركوا الناس خليهم يجيوا».
أحيانا كنا نحذره من خطورة السير فى وسط حشود من الناس وكان رده «اتكلوا على الله».
ونحن كحراس له والعاملون فى القصر كنا نفاجئه بحفل لعيد ميلاده خاصة إذا كنا مسافرين خارج بيروت.
التزامات كانت لها أولوية فى حياته؟
كان يحرص على إعطاء وقت لأسرته ويجلس معهم رغم مشغولياته الكثيرة، لكن العائلة كانت رقم واحد بالنسبة له، وكان يحب أن يجلس مع أصدقائه المقربين فى حديقة القصر وكان رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة من أكثر المقربين له.
ما الذى أبكى رفيق الحريرى؟
الشهيد رفيق الحريرى شفته يبكى مرتين يوم وفاة والدته بالمستشفى ووقتذاك خرج من الغرفة ووقف فى شرفة المستشفى حتى لا يراه أحد وهو يبكى وأيضا شاهدت دموعه يوم وفاة والده.
لحظة خروج رفيق الحريرى من مجلس النواب متجها إلى قصر قريطم يوم اغتياله
وكان إذا أراد الاختلاء فى مكان هادئ للتفكير فى أمر ما يذهب إلى منزله فى منطقة «الفقرا» بالجبل.
وما الذى كان يسعده؟
أبناؤه وتجمعهم حوله، وكان دولة الرئيس سعد الأقرب لقلبه، وكان موجودا معه بشكل دائم.
وكان مهتما بمتابعة الأسعار ودائم السؤال عن أسعار السلع فى الأسواق ممن حوله ليطمئن على أوضاع معيشة المواطنين.
ما أكثر السمات الشخصية للراحل رفيق الحريرى؟
كان شجاعا وشخصيته قوية، حنونا على الجميع، يتعامل مع حراسه كأنهم جزءا من عائلته وإذا احتاج شخص مساعدته فى أمر ما فيدبره له دون أن يشعر الآخرين، وكان جوابه دائما إذا طلبت منه شىء «تكرم اللى بدك إياه»، لم يرفض لنا طلبا، وإذا أحد منا وقع فى ضيقة أو مشكلة يقف معه.
كان يتغلب على حزنه وألمه دون أن يشعر به أحد، وأيضا كان مهتما بالفقراء ويحب مساعدته سرا دون أن يعلم أحد رات كثيرة كان يبعث بالمساعدات لمحتاجينها مع عاملين من القصر ويوصيهم أن تتم فى الخفاء.
رسالة توجهها لروح رفيق الحريرى؟
الله يرحمك «لو كنت عايش ما كان صار فينا هيك»، يوم انفجار مرفأ بيروت عدت لنفس لحظة اغتيال رفيق الحريرى.
ما الذى تعرفه عن صفحات حياة رفيق الحريرى؟
الحريرى كان يحب مصر جدا وأهل مصر كانوا غاليين عليه، وكان مناضلا منذ صغره فأثناء دراسته كان عضوا ضمن حركة القوميين العرب وهى حركة نضالية، وتخرج فى الجامعة العربية ببيروت.
رفيق الحريرى هو الذى قام بتهريب جورج حبش رئيس حركة القوميين العرب وأمين عام «الجبهة الشعبية» من سوريا للبنان سيرا على الأقدام لم يركب سيارة.
ومن القصص الطريفة التى كان يذكرها لنا رفيق الحريرى أنه أثناء تواجده فى الرياض قرر زيارة بيروت وأبلغ رفاقه المقربين منهم فؤاد السنيورة، واتفقوا على رحلة لمدينة صيدا حيث منزل عائلته وعائلة فؤاد السنيورة أيضا وقتذاك كان الإسرائيليون منتشرين فى الشوارع والطرق الرئيسية مغلقة فسلكوا الطرق الجانبية وأثناء عودتهم من صيدا استوقفهم حاجز إسرائيلى عند منطقة ضهر الوحش، وطلبوا منهم اصطحاب 3 عساكر فى السيارة وفى النهاية اصطحبوا 2 فقط، وبعد ما نزلوا من السيارة واستوقفهم حاجز «فرقة التيوس» وطلب هوياتهم الشخصية، وصار ضابط اسمه إميل سلوم يحكى مع رفيق الحريرى وتبادلا الحديث.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة