قام الدكتور مصطفى الحفناوى بتجهيز ملف عن قناة السويس، بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 استعدادا لتقديمه إلى قادتها، وانتظر الوقت المناسب.
كان الحفناوى يحمل الدكتوراه عن قناة السويس من جامعة باريس عام 1950، وكان من أعلى الأصوات الوطنية المطالبة بتأميمها، وخلال وجوده فى باريس وأثناء تردده على مقر شركة القناة ومقابلته لرئيس مجلس إدارتها لإعداد الدكتوراه، عرف الخطة السرية لتدويل القناة وعدم إعادتها إلى مصر بعد انتهاء فترة الامتياز فى نوفمبر 1968، وأرسل مذكرة بذلك إلى حكومة الوفد عام 1950، لكنها أُهملت، حسبما يكشف فى كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة» وهو فى الأصل رسالته للدكتوراه.
واجه «الحفناوى» مخاطر وتهديدات لكنه لم يتراجع، وتفاءل حين قامت ثورة 23 يوليو، وفقا لمذكراته عن «دار ميريت، القاهرة»، ويكشف أسرار تواصله مع قادتها، وبدأت عبر صديقه الدكتور محمود صالح الذى كان يدرس فى ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية، وكان معروفا بميوله الشديدة للنازية، واشتركا وهما طالبان فى رصد أسماء وعناوين وتحركات اليهود المقيمين فى مصر، والمعروفين بأنهم طوابير خامسة للصهيونية أو للشيوعية.. يضيف: «انقطعت أخبار صديقى الذى عاد إلى برلين فور قيام الحرب العالمية الثانية، وكنت أعتقد أنه مات إلى رحمة الله أثناء الحرب، لكنه ظهر فى مصر فجأة سنة 1952، وعاد لزيارتى باستمرار».
أخبر «صالح» صديقه «الحفناوى» أنه على اتصال بالضباط الأحرار، وكان فرحا بهم، كثير الثناء عليهم.. ويؤكد الحفناوى أنه اعتذر له عن عدم تلبية طلبه بالذهاب معه إلى مقر الثورة، خشية أن يختلط بطوابير المنافقين والانتهازيين الذين تسابقوا إليه، وقال: «إذا دعانى قادة الثورة لمقابلتهم فسوف أسعى إليهم مرحبا وفى يدى الملف الكامل لقضية قناة السويس».. يضيف الحفناوى: «يبدو أن الدكتور محمود صالح الذى مات بعد هذا التاريخ بعامين تكلم عنى فى القيادة العامة، ونبه الضباط الأحرار لشخصى، وزارنى ليقول لى إن رجال الثورة قرروا استدعائى لمقابلتى، ومطلوب منى أن انتظر مكالمة تليفونية».
يكشف الحفناوى أنه فى أواخر أغسطس أو أوائل سبتمبر 1952، دق جرس الهاتف فى مكتبه، وكان المتحدث ضابطا من القيادة العامة لم يذكر اسمه، وسأله عن موعد مغادرته مكتبه، فأجابه: الساعة الثامنة والنصف، فرد الضابط: «سنزورك فى مكتبك الليلة»، وبعد فترة قليلة أعاد الضابط الاتصال به، وأخبره بأن لديهم مؤتمرا ومشغولون الليلة، ثم سأله: «هل تسمح بالحضور للقيادة العامة لنتحدث معك؟».
ذهب الحفناوى إلى القيادة العامة بمنشية البكرى فقابله الصاغ إبراهيم الطحاوى.. يتذكر: «قدمنى لضابط شاب فارع القامة برتبة بكباشى، وقال: هذا هو الأخ جمال عبدالناصر الذى يتقدمنا فى صفوف ضباط الثورة.. كان جمال عبدالناصر يشغل وظيفة اسمها مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة، كان فى عينيه بريق ينم عن حدة ذكاء وقوة إرادة وقوة شخصية، وكان الناس يقولون همسا إنه القائد الحقيقى للثورة، لكنه متنكر خلف منضدة مكتبه المتواضع، وخلف ستار اسمه اللواء محمد نجيب».
يؤكد الحفناوى أنه اتفق مع الطحاوى على لقاءات يومية، وتوثقت صلتهما بسرعة، وتعرف فى القيادة العامة بمجموعة أخرى من قادة الضباط الأحرار، منهم، عبدالحكيم عامر، وصلاح سالم، وكمال الدين حسين.. يكشف: «تكلمت طويلا مع جمال عبدالناصر الذى طلب منى أن أفسر له موضوع قناة السويس الذى أنا مشغول به ليلا ونهارا، شرحت له فى إيجاز تاريخ القضية ومشكلات قناة السويس المعاصرة بالتفصيل.. كان شديد الإصغاء لكل كلمة قلتها، وقال عبارة واحدة دلتنى على صفاء ذهنه، ودقته فى وضع خططه، قال لى وهو جالس بحجرته فى القيادة العامة، وبعد قيام الثورة ببضعة أسابيع، العبارة التى أذكرها وتدوى فى أذنى حتى الآن: اسمع يا دكتور مصطفى، علينا أن نركز جهودنا فى إجلاء الاحتلال البريطانى عن قاعدته فى قناة السويس، وأعدك بتأميم شركة قناة السويس بعد الجلاء مباشرة، لكن إذا تعرضنا لموضوع الشركة قبل الجلاء سوف تتعقد المسائل، ولن نستطيع أن نفعل شيئا».
يعلق الحفناوى: «الذى راعنى فى السنوات التالية هو، أن جمال عبدالناصر حافظ على خطته هذه، وحدث جلاء الإنجليز عن القاعدة، ورفع عليها علم مصر بعد جلاء آخر جندى بريطانى فى يوليو سنة 1956، وأمم شركة قناة السويس فى يوليو 1956».
أعد الحفناوى مشروع قانون تأميم القناة الذى ذكره عبدالناصر فى خطاب التأميم يوم 26 يوليو 1956، وأصبح عضوا فى مجلس إدارة الشركة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة