لماذا فشلت أمريكا فى السيطرة على كورونا؟ أصبح هذا هو السؤال الذى يطرحه كثير من الأمريكيين وهما يشاهدون بلادهم، التى تعتبر أقوى وأغنى بلد فى العالم، وهى تعانى من الجائحة فى الوقت الذى نجحت فيه دول أخرى أقوى قوة وأهمية فى التعامل معه.
قالت صحيفة "واشنطن بوست" إنه بعد ستة أشهر على ظهور فيروس كورونا فى الولايات المتحدة، فشلت البلاد بصورة مذهلة فى احتوائه، وقد أدت استجابتها غير الفعالة للوباء إلى صدمة بين المراقبين حول العالم.
وأشارت الصحيفة إلى أن العديد من الدول حول العالم قامت بدفع معدلات الإصابة بالفيروس لتقترب من الصفر. لكن فى الولايات المتحدة تخرج عدوى كورونا عن السيطرة، فاستجابة أمريكا للوباء مجزأة بسبب الضغينة السياسية والانقسامات الخاصة بالحرب الثقافية. وكشف القصور فى الاختبارات عن نفسها فى مارس وأصبحت حادة فى يوليو، مع انتظار لأسبوع للحصول على النتائج مما جعل البلاد لا ترى الانتشار الفعلى للفيروس وجعل تتبع المخالطين غير ذى صلة.
وقد تتجه الولايات المتحدة نحو انكماش جديد ناتج عن عمليات الإغلاق الاقتصادى المؤلمة، أو إلى ارتفاع كبير فى وفيات كان يمكن منعها، أو كلا الأمرين.
وتذهب الصحيفة إلى القول بأن الطريقة التى وصلت بها أغنى دولة فى العالم إلى هذا الوضع الكئيب هى قصة معقدة تكشف عيوب وشقوق فى البلد الذى طالما افتخر بقدرته على مواجهة التحديات الكارثية.
وترى "واشنطن بوست" إن فقدان السيطرة على أزمة الوباء لم يكن صدفة، فالفشل فى هذا الأمر كشف عن القيادة غير المتماسكة والاستقطاب السياسى الذى يجلب الهزيمة الذاتية ونقص الاستثمار فى الصحة العام واستمرار التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية والعرقية التى تركت ملايين الناس عرضة للأمراض والموت.
وفى بلد كبير مترامى الأطراف متنوع ديموجرافيا وثقافيا، أسفرت الهياكل السياسية غير المركزية عن سياسات لم تكن منطقية عند تطبيقها على فيروس لا يعرف حدود الولاية أو قيود المدن.
وفى حين أن بعض الدول واجهت نفس هذه الانتكاسات، إلا أن القليل منها عانى منها جميعا فى آن واحد وبشكل كارثى، فلو كان هناك خطأ تم ارتكابه فى هذا الوباء، فقد ارتكبت أمريكا هذا الخطأ.
وتقول واشنطن بوست إن أكبر الحسابات الخاطئة التى قامت بها أمريكا هى إعادة فتح الاقتصاد فى الوقت الذى كان فيه الفيروس لا يزال ينتشر بمعدلات مرتفعة فى أغلب البلاد، بحسب ما يقول الخبراء.
فعلماء الأوبئة كانوا يقولون فى أول إبريل إن الطريقة الوحيدة لإعادة الفتح بأمان هو سحق المنحنى وخفض معدل الانتشار الواسع بحيث تكون الإصابات الجديدة قليلة ومتباعدة.
وقد فعلت الكثير من الدول ذلك، لكن الولايات المتحدة لم تتبع نصيحة الخبراء، والآن فإن المنحنى يسحق أمريكا.
وقال فرانسيس كولينز، مدير المعاهد الوطنية للصحة إن أمريكا لم يكن لديها التمسك بالإصرار، والتصميم على تنفيذ ما تم بدئه فى مارس وإبريل ومايو، والآن فإن الفيروس يستفيد من كل هذا.
وتابع قائلا إنه لو كان هناك توجيهات قوية حقا من القادة المحليين والوطنيين، لكان بمقدور أمريكا أن تحافظ على إصرارها على خفض المنحنى حتى يصل إلى الصفر، لكن الآن أمريكا فى حالة صعود، ولا يوجد قمة للارتفاع حتى الآن.
واستطاعت دول أخرى تجنب هذا النوع من الانتشار الدرامى للفيروس كالذى حدث فى أمريكا، فأسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا، التى دمرها الفيروس قبل شهور، استطاعت أن تصل بحالات الإصابة والوفاة الناجمة عن الفيروس إلى مستويات منخفضة نسبيا. وكان لدى بريطانيا واحدة من أعلى حصيلة الوفيات فى العالم، لكن بعد وقف انتقال العدوى، لم تشهد ارتفاعا كبيرا.
وكان سوء تعامل أمريكا مع الوباء متعارضا مع توقعات أغلب الخبراء. ففى أكتوبر الماضى، وقبل فترة ليست بطويلة من ظهور كورونا فى أمريكا، كانت هناك مراجعة شاملة صنفت استعدادات 195 لجائحة. المشروع الذى يسمى مؤشر الأمن الصحى العالمى والذى قاده مركز الأمن الصحى وبادرة التهديد النووى بجامعة جونز هوبكينز، صنف الولايات المتحدة فى المرتبة الأولى من حيث الاستعداد للوباء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة