"أحاديثُ جدتى هى تلك الحكمة التى كانت تقولها لى بكل حنانٍ فأدركتُ قيمتها بعدما تذوقتُ قسوة الأيام"...
وفى البداية أريد أن أوضح أن لى عظيم الشرف بأن يتشابه العنوان مع كتاب الدكتورة سَهير القلماوى لكن المحتوى مختلف بالضرورة!
كم منا تجاهل أحاديث جدتهُ وأسقط عليها المبالغة وعدم معرفتها بالكثير عن عالمنا الحديث، فهى قادمة من الماضِ ونحن نركضُ صوب المستقبل!
ولنعترف أن صوت الجدات من أكثر الأصوات تأثيرًا فى وجدان كل من سمعه حتى ولو لم ينتبه لما تقول، فالصوتها وخطابها طابع خاص وفريد ربما غير موجود عند الأم، ولستُ بصدد تحليل هذا الشعور، فهناك مثل شعبى مأثور يحسم القضية "أعز الولد ولد الولد" وهى بلا شك حقيقة إنسانية، وفى تصورى إنَّ أحاديث جدتى لم تكن محض كلمات سطحية المعانى رغم بساطتها، بل على العكس كانت تتفنن فى صياغة الحكايات والسرد لتقول حكمتها ولا يقيدها الزمان فهى تعلمنى درسًا من دروس الحياة بدافع الحب تضع يدها وتطبطب على كتفى تحاول حمايتى من قسوة الحياة.
ولن يمكننى أن أتخيل أنها امرأة قوية، لم أكن أعرف الكثير عن نضالها فى الحياة اليومية فسذاجة الطفولة تلهينى عن تأمل هذا النموذج الأنثوى القريب جدًا منى، فقد كانت غير تابعة، كانت امرأة مستقلة رغم كثرة الأبناء والمسئوليات كانت تحرث الأرض لتمهد الطريق لنسلها أبنائها وبناتها، لم تتوارى وتختبئ فى عباءة الزوج ولم تستمد كيانها منه فقد كانت فاعلة مؤثرة.
وإذا تحدثنا بلغة الحكايات الشعبية فكانت جدتى صانعة الأحداث كانت البطلة، وكانت أيضًا شخصية مانحة لكل من احتاجها، كانت تعرف حقوقها وأيضًا واجباتها المضنية والتى تفوق بالضرورة أى حقٍ لها، كانت تضحى كثيرًا ولكن وهى رافعة الرأس تُعطى الخير عن طيب خاطر.
غرست داخلى أسمىّ القيم حُبِ العدل والاستقامة، كانت تحث أبناءها وبناتها على التعليم ولكن تحثنى أنا على التفوق، دعواتها قبل وبعد كل اختبار واختيار كانت تعلمنى معانى عزة النفس.
لم تكن تحكى لى حكايات الشاطر حسن وست الحسن، كانت تحكى لى كيف من يدين يدان ...
كانت لديها فراسة وسرعة بديهة وذكاء امتزج بالحكمة والطيبة، تشعر بالخير وأيضًا بالمخاطر التى تكاد أن تمس أحبابها، لطالما كانت زاهدة تعطى بملء الكفينِ ولا تتمنىّ لى سوى السعادة حسبتها كالملائكة لا ترحل ولكن حينها لم أكن أعرف معنى الخلود....
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة