نشرت وزارة الأوقاف، مقالا جديدا للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، بعنوان: " دور العقل في فهم النص"، قال فيه:" لا غنى عن إعمال العقل فى فهم صحيح النص وفى تطبيقاتها وفى إنزال الحكم الشرعى على مخاطبة الواقع العملى ، كما أنه لا بد من إعادة قراءة النص فى ضوء مستجدات العصر ومن ذلك قول النبى (صلى الله عليه وسلم) للأعرابى الذى سأله عن أعقِلُها وأتوَكَّلُ أو أطلِقُها وأتوَكَّلُ ؟ قالَ (صلى الله عليه وسلم) : اعقِلها وتوَكَّلْ ”، فالتوازن بين الأخذ بالأسباب والتسليم بقضاء الله وقدره لا يقف عند حدود عقل الناقة مع حسن التوكل ، إنما يشمل كل جوانب الحياة ، فعلى الطالب أن يجتهد فى مذاكرته ثم يحسن التوكل على الله (عز وجل) فى أمر نتيجته ، وعلى الزارع أن يأخذ بأسباب العلم فى زراعته ويحسن القيام عليها ثم يحسن التوكل على الله فى نتاجها .
وأضاف جمعة:" وفى ظروفنا الآنية فى مواجهة فيروس كورونا نقول : ارتد الكمامة وتوكل على الله ، نظف يديك وتوكل على الله ، تجنب المصافحة وتوكل على الله ، حقق التباعد الاجتماعى وتوكل على الله ، خذ بجميع الأمور الاحترازية والإجراءات العلمية والطبية وتوكل على الله ، وهكذا فى سائر الأمور الحياتية ، وبهذا نكون قد فهمنا وحققنا وطبقنا معنى قول نبينا(صلى الله عليه وسلم) ” اعقلها وتوكل ” .
وتابع جمعة:"النموذج الثانى : القصد فى المشى ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان لقمان (عليه السلام) فى وصيته لابنه ” يَا بُنَى أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِى الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ” (لقمان :17-19)، فالقصد وهو الاعتدال فى المشى لا يقف عند حدود الماشى على قدميه ، إنما يعنى القصد فى المشى وعدم الاختيال فيه ، سواء أكان الإنسان ماشيًا على قدميه أم سائرًا على دراجته أم راكبًا سيارته ، بل إن الاختيال بالسيارة أشد جرمًا من الاختيال بالمشى على القدمين لما فى الثانى كسر نفوس الفقراء ، وأسوأ ما فى ذلك أن يصل الاستعلاء بالنفس إلى تجاوز القوانين المنظمة للمرور والسير ، وللمحافظة على حياة الناس ، ومن الحفاظ على حياتك وحياة الآخرين أن تلتزم بالسرعات المقررة وبإشارات المرور و تعليماته وبآدابه وأحكامه دون أن يستعلى على الآخرين بسيارتك الفارهة أو بدراجتك .
واستطرد جمعة:" والحق سبحانه وتعالى يقول :”وَلَا تَمْشِ فِى الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ”، فالغاية والمقصد إنما هو النهى عن التكبر على خلق الله والاستعلاء عليهم بأى نوع من أنواع الاستعلاء ، والمشى فى الآية هنا ليس مقصودًا به المشى القدمين ، وإنما المقصود به النهى عن مطلق الاختيال والعجب والغرور بالنفس ، وقد سئل فلان ما السيئة التى لا تنفع معها حسنة ؟ قال : الكبر يقول الشاعر :
تواضعْ تكنْ كالنجمِ لاحَ لناظرٍ
على صفـحات الماء وهو رفيع
ولا تــكُ كالدخّان يـرفع نفسه
إلى طبـقات الجوّ وهو وضـيع
واختتم وزير الأوقاف:" وختامًا نؤكد على أهمية فهم مرامى النصوص ومقاصدها لا أن نكون كمن يقفون عند ظواهر النصوص لا يتجاوزن الظاهر الحرفى لها ، فيقعون فى العنت والمشقة على أنفسهم وعلى من يحاولون حملهم على هذا الفهم المتحجر "
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة