وثيقة تاريخية نادرة تنشر لأول مرة.. دعوة فرح ابنة الرئيس..هكذا يتكلم التاريخ
كارت دعوة عقد قران هدى عبد الناصر يقول ما لا تقوله عشرات الكتب ويلقى الضوء على أبرز شخصية قبطية فى ثورة "يوليو"
لا يوجد مثيل للدعوة التى بين أيدينا الآن سوى دعوة نادرة أخرى تحتفظ بها مكتبة اسكندرية موجهة إلى حسن صالح بيومى والسيدة حرمه
الدعوة وجهت للدكتور كمال رمزى استينو أشهر وزراء التموين فى مصر وصاحب اختراع بطاقة التموين ومؤسس الجمعيات الاستهلاكية
هيكل: جمال عبد الناصر أراد أن يصبح "استينو" نسخة حديثة لمكرم عبيد لكن الرجل كان "تكنوقيراطيا" ولم يكن سياسيا
كاتب الدعوة وقع فى خطأ بروتوكولى فادح فوجهها إلى حرم المدعو بدلا من توجيهها إلى المدعو وحرمه
شعار "جمهورية مصر" على الظرف الخارجى يؤكد أن دولة ناصر لم تكن مستعدة للوحدة مع سوريا وأنها استعجلت فى إنشاء "الجمهورية العربية المتحدة؟
تكشف الدعوة أن دولة ناصر لم تكن تهتم بالبروتوكوليات والتفاصيل القاتلة وأنها كانت دولة الأفكار الكبيرة والأقدام المتراخية
التاريخ يتكلم
يحمل التاريخ ما لا يقدر أحد على حمله، الكثير من الأهواء، والكثير من الحيادية، الكثير من الشخصنة، والكثير من التجرد، الكثير من المصالح، والكثير من الوطنية، الكثير من التزييف، الكثير من الحقائق، والكثير من الدماء أيضا.
لو قدر وجرت فى يوم من الأيام مسابقة فى القدرة على حمل المتناقضات لفاز بها التاريخ من أول وهلة، ولهذا تتعاظم أهمية الوثائق التاريخية التى لا تكذب ولا تتجمل ولا يحسب لها أحد حساب.
هذا النوع من الوثائق هو ما ما نحن بصدده اليوم، فوثيقة اليوم لا تتعدى كونها "دعوة فرح" يتعامل معها الكثيرون باعتبارها خطابا بروتوكوليا ليس أكثر، أمر شكلى لا يبذل أحد مجهودا من أجل تزييفه أو تحميله فوق ما يحمل، لكنها فى الحقيقة تقول أكثر مما يتوقعه أحد.
عمر هذه الدعوة 56 عاما فقد كتبت وأرسلت فى مثل هذه الأيام تماما من عام 1964، حيث كان بيت الرئيس جمال عبد الناصر مشغولا بزواج الابنة الكبرى"هدى" على خطيبها "حاتم" وكان الجميع يفكر فى من يدعى إلى هذا الحفل وفيمن لا يدعى، كما كان الجميع يفكر فى التجهيزات التى تسبق أى حفل زفاف، ولهذا أتوقع أن هذه الدعوة كتبت فى مثل هذه الأيام تماما قبل الفرح بشهر تقريبا، لكى يستعد من يريد الاستعداد، ويتذكر من يريد أن يتذكر، والدعوة التى نحن بصددها الآن موجهة إلى الدكتور كمال رمزى استينو والسيدة حرمه إلى إلى عقد قران "هدى جمال عبد الناصر" ابنه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر على حاتم على صادق، لكن قبل تأمل هذه الدعوة والدخول فى تفاصيلها يجب علينا أن نوضح من هو الدكتور كمال رمزى استينو الذى وجهت إليه هذه الدعوة، خاصة وأنه ليس من الأسماء ذات البريق الخاطف الذى يصاحب رجال ثورة يوليو مثل عبد الحكيم عامر أو خالد محى الدين أو حسين الشافعى وغيرهم.
من هو كمال رمزى استينو صاحب الدعوة؟
الكتب والمقالات التى وصفت الدكتور "كمال رمزى استينو" ترسم صورة لرجل دولة من طراز نادر، رجل يتمتع بقدر كبير من الهمة والفهم والألمعية والقدرة على الإنجاز، وقصة تعيينه تشبه الأساطير، حيث قال الوزير الراحل فى أحد حواراته أن عبد الناصر استدعاه بدون سابق معرفة وكلفه بأن يعمل مستشارا فى وزارة التموين لأنه يريد أن يعينه وزيرا، وقد كان اختيار ناصر له دليل على عمق فهمه ودقة نظرته، فقد كان استينو قبلها يتمتع بسمعة طيبة فى الأوساط العلمية حيث كان يعمل كأستاذ فى كلية الزراعة جامعة الاسكندرية، وكان من المجتهدين المبتكرين، وحينما اختاره عبد الناصر أراد يحول الدولة إلى دولة اشتراكية بمعنى الكلمة، ولهذا كلفه بأن يدرس فكرة إنشاء الجمعيات الاستهلاكية التى كانت حتى وقت قريب من أساسيات الحياة المصرية، كما يعود إليه الفضل فى عمل فكرة "بطاقة التموين" التى مازالت حتى الآن عماد الكثير من الأسر المصرية.
ومن خلال السيرة الذاتية لكمال رمزى استينو نعرف أنه ولد فى 1910 وتوفى فى 1987 وتم تعيينه فى وزارة التموين والتجارة عام 1956 وكان المسيحى الوحيد فى مجلس الوزراء، كما كان أول رئيس لمركز البحوث الزراعية سنة 1971 مع احتفاظه بالمعاش المقرر له وببدل تمثيل يعادل بدل نائب رئيس مجلس الوزراء، وبحسب مقال لسامى شرف الأهرام سكرتير جمال عبد الناصر نشرت فى الأهرام اليومى 30 مايو 2018 نرى أن جمال عبد الناصر كان يتابع عمل "استينو" بشكل كبير، وحدث أن كلف "ناصر" سامى شرف بأن يجمع له عينات من أرغفة الخبز التى ينتجها وزارة التموين،وفى اليوم التالى كان موعد الاجتماع الدورى لمجلس الوزراء، وقد افتتح عبد الناصر الجلسة بقوله: «تقدر تأكل الرغيف ده يا دكتور كمال» ؟!. فرد الوزير: لا يا ريس فقال له الرئيس: «ما هوا ده اللى بتطلّعه مخابزك . . وإذا كنت لا تقبل أن تأكله، وأنا لا أقبل بالتالى فكيف بالله عليك تقبل إن الناس تأكله .. يا دكتور كمال. عندك 48 ساعة لتصحيح هذه الأوضاع، وإلا سأضطر لاتخاذ قرارات بنفسى لتصحيح الأمر.
أهمية المسيحى الوحيد فى رأس الدولة المصرية
من هنا نستطيع أن نفهم لماذا نشاهد الكثير من صور الدكتور "استينو" وهو الشارع يتابع المخابز والأسواق، لكن فى الحقيقة لم يقف دور "استينو" عند وزارة التموين فحسب وإنما تخطاه كثيرا ليقوم بدور المبعوث الشخصى للرئيس جمال عبد الناصر فى الكنيسة المصرية، وقد كان له دور كبير فى إجراءات انتخاب البابا كريلس الذى شغل كرسى الباباوية منذ مايو 1959 وحتى مارس 1971، وتفاصيل هذا الدور يبرزها الكاتب "محمود فوزي" فى كتابه "البابا كريلس وعبد الناصر" حيث يؤكد أناستينو تدخل فى تسهيل عملية انتخاب البابا بأن يسهل عملية التفاوض حول اشتراك الأثيوبيين فى انتخاب البابا كما كان معمولا به وقتها، كما وقع استينو على أوراق الاقتراع التى حملت اسم المتنافسين النهائيين، وكان استينو أول المهنئين للبابا الجديد، ونقل إليه تحيات الرئيس جمال عبد الناصر وتمنياته بالتوفيق،
وبرغم الأدوار السياسية التى لعبها استينو فى فترة حكم عبد الناصر إلا أنه كان دائما ما يؤكد أنه ليس رجل سياسة وأنما رجل عمل وعلم، وفى هذا يقول المؤرخ القبطى ميلاد حنا أن اختيار كمال استينو للوزارة كان من أجل أن تشمل الحكومة شخصية قبطية بين الوزراء، لكنه برغم هذا فقد اختير "استينو" لكفاءته وحسن سمعته شخصيا وعلميا، أما سامى شرف سكرتير الرئيس فيؤكد فى مقال له نشر فى جريدة الشرق الأوسط 27 فبراير 2004 أن استينو كان "شريكا" فى الحكم فيقول: وكان الدكتور كمال رمزى استينو، منذ أن شارك فى الحكم مع الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس أنور السادات، منتصف 1956 حتى 1971 عضوا رئيسيا فاعلا مشاركا فى كل القرارات، سواء بشغله المنصب الوزارى أو باعتباره عضوا منتخبا من القاعدة الشعبية، فى اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى العربي، أعلى سلطة فى البلاد، ولم يصدر قرار إلا وساهم فيه الرجل بالرأى والدراسة والمناقشة والاعتراض أحيانا على بعض السياسات. أما الأستاذ "محمد حسنين هيكل" فيقول فى كتابه "كلام فى السياسة" الصادر عن دار الشروق إن عبد الناصر كان يريد أن يجعل "استينو" مكرم عبيد ثورة يوليو ولكن المشكلة أن الرجل قضى حياته كلها "تكنوقراطي" يحاذر من كل ما هو سياسي، خلافا لـ"مكرم عبيد" الذى كان يحفظ القرآن كاملا "الذى استطاع بفهم عميق لروح الحضارة العربية أن يبادر ويقول ويؤثر ويحرك.
باستثناء خروف الفرح وأم كلثوم والعندليب.. فرح عادى لأسرة متوسطة
الآن بعد أن سلطنا الضوء على الدكتور كمال رمزى استينو نذهب إلى دعوة الفرح التى نحاول اليوم أن نستنطقها وأن نرى من خلالها عصر عبد الناصر لكن ليس من شهادات السياسيين ولا من آراء المتخصصين ولا من خلال توجهات أصحاب النظريات الثابتة والعقول المقولبة، وأنما من خلال تفصيلة صغيرة تحمل الكثير من الإشارات والكثير من الدلالات، ولكننا قبل أن نحلل ما بهذه الدعوة من تفاصيل يجب علينا أن نجيب على تساؤلين الأول هو كيف كان هذا الفرح؟ والثانى كيف وصلت هذه الدعوة إلي؟
أما الإجابة على السؤال الأول فنراها من خلال الصور المنشورة على موقع http://www.nasser.org الذى أنشأته مكتبة الاسكندرية، ويضم العديد من الصور العائلية لعقد قران هدى جمال عبد الناصر، وفيه نظهر العديد من الإشارات الحميمية التى تؤكد على ما هو معروف عن العلاقات الشخصية بين الضباط الأحرار، فنرى عبد الحكيم عامر يقبل "العروس" باعتباره "عمها" كما تؤكد بنات الرئيس الأسبق دائما، ونراه أيضا يشهد على عقد القران، كما نرى صورا لكل من عبد الحليم حافظ والسيدة أم كلثوم وهما يحيينان حفل عقد القران، كما نرى وجودا لافتا لأنور السادات باعتباره من المقربين للعائلة وليس كما يوحى البعض بأنه كان على هامش الاهتمام من جمال عبد الناصر، والحفل فى مجمله يشهد على ثقافة الستينات المستنيرة التى نرها فيها تأنقا وتحررا كبيرين للمرأة دون ابتذال، كما نرى وقار وهيبة للرجال دون جمود.
ومن خلال الصور أيضا نرى كم كان الإعداد بسيطا للحفل الذى أقيم فى داخل المنزل وفى حديقته، الداخل لعقد القران، والخارج للغناء والعشاء، ولا نرى من مظاهر البذخ الأسطورية التى نسمع عنها فى أفراح أبناء الرؤساء، ولا نلمح من أنواع الطعام غير خروف مشوى على المائدة الرئيسية يقطع منه "العريس والعروس" أما المقاعد والطاولات فيبدو أنها وضعت على عجل فى الحديقة، حيث لا نرى سوى طاولات عادية مغطاة بملاءات بيضاء وصفوف من الكراسى المتراصة أشبه بتراص كراسى المقاهى الآن أثناء المباريات المهمة، بما يمكننا أن نقول إنه إذا استثنينا خروف الفرح وغناء أم كلثوم وعبد الحليم حافظ فقد كان الحفل عاديا يتاشبه مع أفراح الطبقة الوسطى التى كانت تتخذ المنازل مقرات رئيسية للأفراح سواء فى حديقة المنزل أو على سطحه. أما كيف وصلتنى هذه الدعوة؟ فقد وصلتنى عن طريق أحد بائعى الكتب القديمة الذى على ما يبدو كان قد اشترى مجموعة كتب تخص الدكتور كمال رمزى استينو أو أحد أقاربه فباع الكتب واحتفظ بتلك الدعوة كتذكار شخصى له، لتصل فى النهاية إلى يدي، وبالمناسبة لا يوجد مثيل للدعوة التى بين أيدينا الآن سوى ودعوة نادرة أخرى تحتفظ بها مكتبة اسكندرية موجهة إلى حسن صالح بيومى والسيدة حرمه
على أبواب دعوة الفرح "الاشتراكية"
"العادية" والعادية فحسب هى أبرز ما يميز دعوة الفرح تلك، وفى الغالب لا تلفت الأشياء العادية النظر، لكن فى حال دعوة فرح ابنة الرئيس فالعادية هى أكبر ما يميزها، وأظن أن هذه الدعوة كانت أقل من دعوات الفرح العادية فى هذا الزمان، حيث لا تتميز بشيء من الفخامة فلا تلوين ولا تذهيب ولا حتى زخرفة، فالظرف الأصفر المصنوه خصيصا لمكاتبات رئاسة الجمهورية وقتها لا يحمل أى ميزة عن الأظرف الحكومية الأخرى، ولا يكاد يتميز بشيء عن الأظرف العادية سوى بهذا الختم المضغوط الذى حمل شعار الجمهورية، ونفس "الفقر" الواضح فى "الظرف" يظهر مرة أخرى فى "كارت الدعوة" الذى خلا من أية عناصر زخرفية أو أية ألوان عدا اللون الأصفر -لون الورق- واللون الأسود -لون الكتابة- باختصار يمكننا القول إن هذه الدعوة "اشتراكية" بحق عكست توجهات الدولة وقتها كما عكست أخلاق عبد الناصر المعروفة عنه من بساطة وتواضع.
والشيء الوحيد الذى يميز تلك الدعوة والذى يجوز أن نعده شيئا زخرفيا هو الكتابة بخط اليد المنمق الجميل لاسم المدعو وحرمه، وتقليد الكتابة بخط اليد من التقاليد الراسخة فى رئاسة الجمهورية وهو من التقاليد الحميدة التى ورثتها الجمهورية عن "الملكية" حيث كانت مصر الملكية تعتنى كثيرا بالخط العربى وتقيم له المدارس والأكاديميات مثل مدرسة تحسين الخطوط الملكية وتستقطب له أمر الخطاطين وأشهرهم مثل الخطاط السورى الشهير محمد حسنى البابا والد سعاد حسنى ونجاة الصغيرة، ومن حسن الحظ أن تقليد الاعتناء بالخط والخطاطين فى رئاسة الجمهورية مازال تقليدا معمولا به حتى الآن.
خطأ بروتوكلى فادح على الظرف الخارجي
حملت الدعوة خطأ بروتوكوليا أظن أنه غير مقصود، لكنه فى الحقيقة يعتبر فى الأعراف البروتوكولية خطأ فادحا، فعلى الظرف الخارجى أخطأ كاتب الدعوة ووجهها إلى "السيدة حرم السيد الدكتور كمال رمزى استينو" وقد يكون هذا التوجيه صحيحا إذا كان "استينو" ميتا، لكن أن يكون الزوج حيا وأن يكون هو المقصود بالدعوة وليس زوجته وأن توجه الدعوة إلى الزوجة فهذا أمر فى غاية الغرابة والفداحة فى آن، أما فى كارت الدعوة الأصلى فقد أتى وفقا للصياغة البروتوكولية السليمة حيث وجهت الدعوة إلى "السيد الدكتور كمال رمزى استينو والسيدة حرمه" وهو ما يدل على أن صيغة الكارت هى الصيغة الصحيحة، أما ما كتب على الظرف الخارجى فهو خطأ محض.
نص الدعوة "الناصري"
جمال عبد الناصر وعلى صادق يسعدهما دعوة السيد الدكتور كمال رمزى استينو والسيدة حرمه احتفالا بعقد قران هدى جمال عبد الناصر وحاتم على صادق وذلك فى الساعة التاسعة من مساء يوم الخميس 2 يوليه سنة 1964 بمنزل رئيس الجمهورية العربية المتحدة بمنشية البكري
هكذا وببساطة أتى نص الدعوة خاليا من أى لقب أو استعراض، فلا وجود لمناصب ولا مواقع اجتماعية ولا وجود لتفاخر بالدرجات العلمية ولا المواقع الوظيفية، ولم تأت كلمة رئيس الجمهورية أو رئاسة الجمهورية فى أى موضع سوى موضع العنوان الذى يعتبر ذكر وصف المنزل فيه أمرا حتميا لا اختيار فيه، وهكذا نرى بالعين المجردة أن أسطورة عزوف جمال عبد الناصر عن الدنيا وزهده فيها لم تكن خرافة أو ادعاء، أما الشيء اللافت للنظر فى هذا المتن هو أن ميعاد استقبال الضيوف كان مـتأخرا بعض الشيء فى التاسعة مساء، بما يعنى أن الفرح استمر حتى الساعات الأولى الصباح، فمراسم عقد القران فى داخل المنزل لن تستغرق أقل من ساعة، وإذا أضفنا إلى هذا مدة العشاء فى ساعة أخرى ثم وصلتى غناء السيدة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ سندرك أن الحفل لم ينته قبل الواحدة أو الثانية من صباح يوم الجمعة.
جمهورية مصر فى الخارج وعربية متحدة فى الداخل
من الأشياء الدالة أيضا فى هذه الدعوة هو أنها حملت التباسا كبيرا بين الظرف الخارجى والكارت الداخلي، ففى الظرف الخارجى رأينا شعار "جمهورية مصر" على الختم المضغوط والشعار يبرز صورة النسر المصرى الذى يحتضن النجمات الثلاث والهلال، وقد استعمل هذا الشعار للجمهورية المصرية بداية 1953 وحتى الوحدة مع سوريا سنة 1958 والتى شهدت تغييرا للشعار ليشغل صدر النسر علم الجمهورية العربية المتحدة ونجمتيه، وبما أن عقد القران تم فى عام 1964 فقد كان من الواجب أن يحمل الظرف الخارجى شعار الجمهورية المتحدة "الجديد" فرئيس الجمهورية وقتها كان رئيسا للجمهورية العربية المتحدة كما ورد فى عنوان المنزل، فلماذا لم يتم تغيير الشعار فى الخارج؟
ما الذى نراه فى هذه الدعوة؟
الآن بعد أن استعرضنا أهم الإشارات التى حملتها دعوة الفرح يمكننا أن نقول إنها عكست روح العصر الناصرى الحقيقية، فقد تميزت بالبساطة البالغة والبعد عن البهرجة والزخرفة وعدم الاهتمام بالتنميق والتجويد، وهو أمر يعده البعض ميزة ويعده البعض الآخر عيبا، كما عكست مدى تمتع الرئيس السابق بالتواضع الجم والبساطة المصرية الأصلية، وعكست إيمان دولة عبد الناصر بالاشتراكية والعملية لتؤكد أن الاشتراكية كانت فكرة متوغلة فى حياة الرئيس وأبنائه ولم تكن أبدا شعارا رنانا فحسب، لكن فى ذات الوقت عكست تلك الدعوة الكثير من العشوائية وعدم الانضباط، فمن غير المعقول أن تأتى دعوة الفرح مليئة بالأخطاء البروتوكولية، ومن غير المعقول أيضا أن تكون قد مضى على إنشاء "الجمهورية العربية المتحدة" أكثر من ستة سنوات ومازالت الدولة تستعمل شعارا ألغى بقرار جمهورى فى مناسبة شديد الخصوصية، وهو ما يؤكد أن دولة "ناصر" حملت بالفعل أفكارا نبيلة، لكنها استعجلت فى تنفيذها أو على الأقل نفذتها بعشوائية وعدم انضباط، ومن غير المعقول أن تعيش الدولة بتلك الأفكار الكبيرة التى تحملها أقداما متراخية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة