قل لي ماذا تفعل أقول لك من أنت..هذه هي القاعدة العملية التي تبرز هوية الإنسان أو المؤسسة أو الدولة أو الأمة، وفي التراث الإسلامي ما يؤكد هذا المنطق ويؤيده، ونرى أثر هذا في القول الشهير "الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل" أي أن الفعل وليس القول هو ما يعكس صورة الإنسان ويضع لها إطارا مميزا، لذلك فإني قد اندهشت من البيان الذي نشره المركز الإعلامي للأزهر الشريف وفيه يشن
حملة هجوم كبيرة ضد برنامج كل يوم ومقدمه الإعلامي خالد أبو بكر بسبب مداخلة مع المفكر طارق حجي بسبب مداخلة تليفزيونية تطرح الأسئلة وتقدم الاستفسارات، وبدلا من أن يتم الرد عليها بالحجة والبرهان كال البيان السباب للبرنامج وضيفه آمرا منتسبيه بمقاطعته ومهددا بملاحقته قضائيا فهل عرض هذا البيان على الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الشيخ أحمد الطيب؟ أشك.
"هو السؤال حرم؟" هكذا يقول العامة مستنكرين أن يتم تحريم السؤال أو تجريمه، وهذا يعد دليلا راسخا أن فكرة طرح السؤال على رجال الدين أمرا عاديا وليس محرما ولا مجرما، فماذا غضب المركز الإعلامي للأزهر الشريف من طرح الأسئلة على مسامعه؟ ولماذا لم يرد بالفكر والحجة والبرهان وليس بحملات المقاطعة والقضايا والمحاكم كما يفعل مع كل صاحب رأي وكل ناقد؟
في مداخلته مع الإعلامي خالد أبو بكر تساءل المفكر طارق حجي عن مصير دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الديني وقال إن الأزهر لم يقم بدور حقيقي في هذا الشأن وفي الحقيقة هذا سؤال ليس بجديد، فقد توسم الجميع في الأزهر أن يتبنى حملة كبيرة من أجل تطهير الدين الإسلامي من شبهات الإرهاب التي تحيط بنا جميعا عن طريق اقتلاع الأفكار الإرهابية من جذورها، وأن يبدأ حملة لإزاحة الأفكار الظلامية من المناهج التعليمية وأن يصحح مفهوم الجهاد وأن يرسخ لعقيدة العمل والتسامح وأن يعلي من قيم المواطنة، لكننا للأسف رأينا كيف يدافع الأزهر عن "التراث" ككل، بكل ما فيه من مساوئ، وكل ما فيه من أحداث ووقائع تتنافى مع صحيح الدين وصحيح العقل وصحيح المنطق، رافضا أن يكون هذا التراث محل دراسة أو نقد كما لو كان وحيا منزلا، ونحن نعرف والأزهر الشريف أيضا يعرف أن الكثير من هذا "التراث" وضع أثناء خلافات سياسية شاسعة وأن الكثير من أبطال هذه الحوادث "التراثية" انغمسوا في "السياسة" التي قلبت الحق باطلا وألبست الباطل ثوب الحق.
في المداخلة أيضا قال حجي "لو كان الأمر بيدي لأوقفت ميزانية الأزهر لأنه يسير في جانب آخر غير جانب الدولة" وفي الحقيقة فأني أرى أن هذا القول هو الذي أغضب الأزهر ورجاله، فالأزهر كما نعرف جميعا مؤسسة وطنية مصرية خالصة من حقنا جميعا أن ندافع عنها وعن قوتها، لكني في الوقت ذاته أرى أن رد فعل المركز الإعلامي لمشيخة الأزهر على هذا الأمر يحمل الكثير من المبالغة والكثير من التعصب في آن، فلم يدع حجي إلى إيقاف ميزانية الأزهر كما ذكر البيان الصادر من المركز الإعلامي للمشيخة، ولكنه ذكر هذا المنع في سياق مجازي، لأن كلمة "لو كان الأمر بيدي" لا تفيد الحقيقة وإنما تفيد التضخيم والتعظيم، والأمر الآخر أن هذه الكلمة ذكرت في سياق اتهام الأزهر بإصدار عدد من مجلته تحمل صورة الإرهابي "سيد قطب" وأن أحد شيوخه كان يدعم اعتصام رابعة العدوية، قائلا أنه في الوقت الذي كانت مصر تحارب الإرهاب كانت ميزانية الأزهر تنفق على إصدار المطبوعات التي تآزر الجماعة وكانت مؤسسة الأزهر تأوي مناصري الجماعة، هذا أمر يستوجب الرد والتوضيح من مشيخة الأزهر بأن يكذبه بالأدلة والوثائق وليس بالتهديد بالمقاطعة والنزال القانوني، فمن حق الناس ومن حق دافعي الضرائب أو يفهموا أساس هذه الاتهامات ومدى صحنتها إن كانت صحيحة ومدى كذبها إن كانت كاذبة.
في المداخلة أيضا تساءل حجي عن أسباب الحصانة التي يتمتع بها منصب شيخ الأزهر التي نص عليها الدستور المصري، وفي الحقيقة فإني لا أرى أن المفكر الكبير أخطأ في أي شيء، لأن الدستور على قدسيته ومكانته الرفيعة عمل بشري يحمل الكثير من صفات أعمال البشر من خطأ وصواب، وإذا كانت أروقة الأزهر الشريف ذاتها تناقش في داخلها مسألة عصمة الأنبياء وعصمة الصحابة فلماذا لا يريد الأزهر أن يطرح أحد مناقشة حصانة منصب شيخ الأزهر مع كامل الاحترام والتقدير والمحبة للشيخ أحمد الطيب؟
أنني أدعو الأزهر هنا إلى التمسك بمبادئ الإسلام التي تعلي من شأنه وتزيد من مهابته وترفع من مكانته، وأن يجادل المختلفين معه بمبدأ جادلهم بالتي هي أحسن، لا أن يهدد ويتوعد، فالأزهر ليس مؤسسة عادية يجوز لها أن تدخل في معارك شخصية مع هذا أو ذاك، ولكنه مؤسسة كبرى من مؤسسات مصر، تمثل صورة مصر وتحمل الكثير من جلال الماضي وآمال المستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة