نص بيضحك والتانى زعلان..القصرى ابن الأكابر الأسير كوميديان قهرته الأحزان

الإثنين، 15 يونيو 2020 05:00 م
نص بيضحك والتانى زعلان..القصرى ابن الأكابر الأسير كوميديان قهرته الأحزان عبدالفتاح القصرى فترة مرضه
زينب عبداللاه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أضحكونا وامتلأت حياتهم بالدموع والأحزان، أخفوا آلامهم وهمومهم ليرسموا البسمة على وجوه الملايين على مر الأجيال، تحملوا مالايتحمله بشر ليؤدى كل منهم رسالته ويبدع فناً يمتع الملايين، وحين زاد عليهم الألم والهموم انسحبوا بعيداً عن الأضواء ليتألموا وحدهم.

هكذا عانى عدد من نجوم الكوميديا من قسوة الحياة التى ملأوها ضحكاً وسخرية وعانوا من عذابها ما أخفوه عن جمهورهم وتجرعوه بعيدا ً عن الأضواء.

من بين هؤلاء النجوم ملك الكوميديا الفنان الكبير عبدالفتاح القصرى الذى يكفى أن تنظر إليه فقط وترى هيئته ومشيته كى تشعر بالسعادة أو تستمع إلى إيفيهاته فلا تتمالك نفسك من الضحك :"انتى ست انتى، ده انتى ست اشهر، يا صفايح الزبدة السايحة، كلمتى لا يمكن تنزل الأرض أبدًا، خلاص هتنزل المرة دى، ومرافعته الشهيرة فى فيلم الأستاذة فاطمة، وغيرها من عبارات لاتزال راسخة فى الأذهان تثير الضحكات بينما تثير حياة صاحبها الحزن والدموع والشفقة.

عبدالفتاح القصرى المدلل ابن الأكابر الذى ولد لأسرة ميسورة تعمل فى الصاغة ويمتلك أفرادها ومنهم والده فؤاد القصرى محلات ذهب فى الجمالية، وتمنى جده أن يرى حفيدًا فى أسرة قليلة الإنجاب ليمتد به اسمه ويرث صنعة أجداده فى تجارة الذهب،  وكان ميلاد عبدالفتاح القصرى يوم فرح للعائلة خاصة الجد، ليصبح الحفيد المدلل المولود وفى فمه ملعقة من ذهب.

التحق القصرى بمدرسة الفرير الفرنسية وأتقن اللغتين الانجليزية والفرنسية ولكنه رفض استكمال دراسته، وبذلك جمع بين مخالطة أولاد البلد فى الجمالية وأبناء الطبقة الراقية فى المدرسة.

هوى القصرى الفن منذ صغره ولكن والده رفض عمله بالفن وأراد أن يلهيه عن هذا الطريق فزوجه أول زيجاته ولكنه انفصل عن زوجته بسبب عدم الإنجاب.

ورغم تهديدات والده بالحرمان من الميراث التحق القصرى بفرقة جورج أبيض

 بعد أن تحمس له جورج أبيض لإتقانه للغات وقدرته على ترجمة المسرحيات، وأعطاه دورًا فى مسرحية «أوديب ملكا».

وقف القصرى أمام جورج أبيض فى مسرحية تراجيدية جادة، ليقوم أبيض بدور أوديب، بينما يقوم القصرى بدور العراف الأعمى، فيقول أدويب للعراف الذى وصفه بالقاتل «صه يابن الجحيم»، ويأتى الدور على العراف عبدالفتاح القصرى الذى أراد التجويد فرد بصوته وطريقته المميزة «واحسرتااااه أنا تقوللى صه»، فانفجر الجمهور ضحكًا، وارتبك جورج أبيض وغضب بعدما أخرجه القصرى من حالة الاندماج مع الشخصية، فأمر بإغلاق الستار، وانفعل على القصرى فى الكواليس ووصفه بالفاشل وأنه لن يكون ممثلًا أبدًا، وصفع القصرى على وجهه وطرده من المسرح، وصدرت الصحف فى اليوم التالى لتتحدث عن واقعة ضرب جورج أبيض لممثل مبتدئ أفسد العرض المسرحى، واعتقد القصرى أن هذه الصفعة كتبت نهاية مشواره الفنى القصير، ولكنها كانت سببًا فى انطلاقه الفنى.

فبمجرد أن سمع نجيب الريحانى بأن فنانًا مغمورًا طرده جورج أبيض لأنه أضحك الجمهور ، بحث الريحانى عنه ووقع معه عقدًا للعمل فى فرقته، لتبدأ رحلة تألق القصرى فى الكوميديا بالمسررح والسينما التى بدأ مشوارها عام 1935 وحقق فيها نجاحات وشهرة واسعة حتى أصبح يشارك فى أكثر من 10 أفلام فى العام الواحد.

تزوج عبدالفتاح القصرى أكثر من مرة ولكنه لم يحقق حلم الإنجاب، ففكر فى تبنى طفل، وهى الفكرة التى رفضتها زوجته الثالثة، ولكنه فى أحد الأيام رأى طفلًا فى الثانية عشرة ينام فى محل البقال المجاور له، وعندما سأل البقال عرف أنه يتيم ليس له أهل، فأشفق القصرى على الطفل من البرد والشارع وأخذه إلى بيته ليرعاه ويكون ابنه بالتبنى، وهو ما رفضته زوجته وتركت المنزل وتطورت المشكلات بينهما حتى طلقها.

 وفى عام 1958 وأثناء مشاركة القصرى فى مسرحية «عايز أحب» وصله خبر وفاة شقيقه، فتحامل على نفسه حتى أكمل الفصل الثالث ثم انهار فى البكاء وبعد دفن شقيقه تدهورت حالته ودخل المستشفى.

وفى المستشفى تعرف على إحدى الممرضات التى تصغره بسنوات كثيرة، وأبدت له هذه الممرضة مشاعر الحب وبعدما تماثل للشفاء تزوجها ليكتب بهذه الزيجة نهايته المأساوية.

 

أقنعته  زوجته الشابة  بأن يكتب لها كل أملاكه بحجة خوفها من أسرته إذا ما أصابه مكروه، وبعدها تغيرت معاملتها له، وبدأ يشعر بأن هناك علاقة مريبة تربطها بابنه بالتبنى وازداد شكه حتى تأثرت صحته.

كان القصرى يشارك فى مسرحية «الحبيب المضروب» عام 1962 مع إسماعيل ياسين وتحية كاريوكا واستيفان روستى، وأثناء أداء دوره فقد بصره، لتكون هذه آخر مرة يقف فيها القصرى على المسرح.

غاب الفنان الذى أضحك الملايين عن الاضواء حتى نشرت جريدة الجمهورية فى 24 يناير 1964، صورة  أشار إليها المؤرخ والكاتب الصحفى سعيد الشحات، فى مقاله «ذات يوم»، وظهر فيها القصرى يمسك بأسياخ حديد شباك حجرته بالدور الأرضى، وكتب الصحفى محمد دوارة تعليقًا على الصورة، قال فيه: «بدأ الضوء والحياة يفارقان عينى القصرى تدريجيًا، خشيت مطلقته أن يشكوها لأحد، فأغلقت عليه الباب، ليصرخ كل يوم من وراء النافذة يطلب من السكان سيجارة، فيضحك صغار الصبية، بينما تخرج الزوجة السابقة وزوجها الجديد كل يوم للتنزه بأمواله»

وعن هذه الفترة كتبت مجلة الكواكب فى 17 مارس 1964: «أجبرته زوجته الشابة على تطليقها، وتزوجت من صبى البقال الذى كان يرعاه لمدة 15 سنة، ليس هذا فحسب بل أجبرته على أن يوقع شاهدًا على هذا الزواج، وأقام الزوجان فى الشقة معه، فكانت النتيجة أن فقد عقله وأصيب بالهذيان».

وحبسته طليقته ومنعت عنه الطعام وعاش ذليلًا فى بيته يستجدى المارة من شباك غرفته، حتى فضحتها الصورة التى نشرتها جريدة الجمهورية فى 24 يناير 1964، فأسرعت مارى منيب ونجوى سالم لزيارته ، وكانت الصدمة التى أبكتهم أنه لم يتعرف عليهما بعدما أصيب بفقدان الذاكرة، فاصطحبته مارى منيب ونجوى سالم إلى مستشفى الدمرداش، وعرفا أنه أصيب بفقدان الذاكرة والهذيان، نتيجة تصلب الشرايين، وقضى القصرى عدة أسابيع فى المستشفى، خرج بعدها لتكتمل مأساته، حيث أغلقت مصلحة التنظيم منزله ووضعت عليه الشمع الأحمر تمهيدًا لإزالته، وباعت طليقته الأثاث وهربت مع زوجها الجديد، ليصبح القصرى بلا مأوى.

قادت مارى منيب ونجوى سالم حملة تبرع لإنقاذ القصرى من التشرد، وتوسطت نجوى سالم لدى محافظ القاهرة لتخصيص شقة له فى مساكن المحافظة، وخصصت له نقابة الممثلين إعانة شهرية قدرها «10 جنيهات»، ونشرت جريدة الجمهورية اسم كل فنان والمبلغ الذى تبرع به على صفحاتها.

عاش عبدالفتاح القصرى أيامه الأخيرة فى هذه الشقة مع شقيقته بهية، وهى الشقيقة الوحيدة التى بقيت على قيد الحياة بعد وفاة أشقائه، ولم تمض سوى أيام قليلة حتى صعدت روحه إلى بارئها فى 8 مارس 1964، بعد حياة حافلة بالفن والضحك والقهر والظلم والحزن، وأنفقت باقى التبرعات على جنازته التى لم يحضرها إلا عدد قليل من الفنانين، وشقيقته بهية التى توفت بعده.

وفى حوار مع نجلاء القصرى ابنة شقيق ملك الكوميديا أكدت أن الأسرة لا تعرف مكان قبره وأنهم كانوا أطفال وقت وفاة عمها الذى سبقه وفاة والدها.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة