ما جاء فى الكتاب "سيؤدى إلى كوارث فى المستقبل" ..وهو ما حدث ويحدث بالفعل.. وقطب جعل نفسه نبيا..
تغيير واقع المجتمع نزعة تخريبية وليست طريق الإسلام.. والمؤلف يجعل نفسه ممثل لله فى الحكم.. وهذا شطط فى الخيال يجنح إلى الشذوذ عن الأوضاع الصحيحة
دعوة "قطب" قائمة على إشعال الحروب.. مع أن الإسلام يدعو إلى مسالمة من يسالم المسلمين
مفكر جماعة الاخوان إنسان مسرف فى التشاؤم، ينظر إلى الدنيا بمنظار أسود
يستفز البسطاء إلى ما يأباه التديّن، من مطاردة الحكام، مهما يكن فى ذلك من إراقة الدماء، والفتك بالأبرياء، وترويع المجتمع
فى المسافة التاريخية بين كتب وفتاوى تقى الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميرى الحرانى المشهور باسم ابن تيمية(1263م - 1328م) وفتاوى وكتب سيد قطب عضو مكتب الارشاد السابق لجماعة الاخوان الذى أسس للفكر التكفيرى والتيار القطبى المتطرف(1906-1966)..كانت قد مرت أكثر من 7 قرون وكانت كفيلة بظهور عشرات من حركات وتنظيمات التطرف والتكفير والعنف فى غالبية الدول العربية وشبه الجزيرة الهندية قبل التقسيم.. ونتيجة لهذه الفتاوى أريقت كثير من الدماء باسم الدين وعرف تاريخ المسلمين الاغتيالات والقتل والتفجيرات استنادا إلى تلك الفتاوى التكفيرية بما فيهم الإرهابيون الجدد من قتلة السادات وأسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوى وغيرهم.
واستمرت معاناه الدول الإسلامية وغير الإسلامية أيضا من فتاوى ابن تيمية حتى ظهر سيد قطب بفتاوى أكثر تطرفا وعنفا عندما ألف كتابه الشهير" معالم فى الطريق" الذى الفه خلال فترة سجنه الأولى التى قضاها فى المستشفى بعد القبض عليه فى اعقاب حادثة محاولة اغتيال الزعيم جمال عبد الناصر فى المنشية عام 54 وحكم عليه بالسجن 15 عاما قبل صدور قرار العفو عنه عام 64 . وخلال تلك السنوات كان مسموحا له القراءة والكتابة بحرية تامة على عكس الاكاذيب والضلالات التى تروجها الجماعة بتعذيبه، فقد ألف خلال تلك الفترة أخطر كتبه التى أسست للسلفية الجهادية وأفكار التفكير للحاكم والمحكومين
وعقب الافراج أو العفو عنه راح يخطط لمؤامرة اكبر كانت تستهدف تدمير منشآت حيوية فى مصر من بينها تفجير القناطر الخيرية لاغراق الدلتا علاوة على مخطط لتنفيذ اغتيالات بالجملة لقادة البلاد وهى المؤامرة التى اعترف بها الكثير قيادات الاخوان السابقة مثل على عشماوى أحد أبرز المتهمين فى القضية عام 65 وكشف عنها فى كتابه " التاريخ السرى لجماعة الاخوان المسلمين"
ورغم ذلك استمر العنف والإرهاب استنادا إلى سيد قطب ونظرياته الإرهابية التكفيرية، ومن تحت عباءة الاخوان خرجت العديد من الحركات التكفيرية المؤمنة بأفكار قطب رغم حالة " التقية" التى خدعت بها هذه الجماعة واتباعها المجتمع السياسى والثقافى خلال فترة السبعينات والثمانينات والتسعينيات وصولا إلى استيلاءهم فى غفلة من الزمن على سدة الحكم فى مصر ونهاية بزوالهم فى 30 يونيو 2013 وهى مرحلة الانكشاف والافتضاح أمام الشعب بعمليات القتل والإرهاب والعنف والتفجيرات والحرق.
ما يدفعنى للكتابة عن كتاب سيد قطب " معالم فى الطريق" من جديد ومرة آخرى رغم العديد من الكتابات التى تناولته باعتباره الفكر الحقيقى والاصيل التى تؤمن به جماعة الاخوان واتباعها، هى تلك المشاهد التوثيقية فى مسلسل "الاختيار" والتى ظهر خلالها الإرهابى هشام عشماوى-الذى أدى دوره الفنان احمد العوضى- وهو جالس يستمع إلى أحد كبر مشايخ الإرهاب وهو يحدثهم عن الجهاد ويستشهد بكتاب" معالم على الطريق" الذى ألفه سيد قطب وينصحهم به..!!
وبسبب هذا الكتاب الذى جاء تضمينا وتأكيدا جديدا لطريق العنف والإرهاب مع ابن تيمية عاشت مصر طوال أكثر من نصف قرن والى الآن على وقع أعمال عنف وسفك دماء واغتيالات وتفجيرات وصولا إلى ما يحدث فى سيناء.
وطوال تلك السنوات وتحديدا فى سنوات السبعينات وما بعدها والصفقات السياسية التى تمت بين النظام السياسى فى مصر وجماعة الاخوان كانت هذه الأفكار المسمومة تسرى فى عقول الشباب فى المدارس والجامعات والنقابات وكان كتاب "معالم على الطريق" يباع على الارصفة وفى المكتبات أكثر من مؤلفات نجيب محفوظ وطه حسين والعقاد ومؤلفات الشيخ محمد عبده. وغاب الخطاب الدينى المستنير والمتسامح بعد أن استولى أئمة العنف والإرهاب منابر المساجد والزوايا فى كل أنحاء مصر. وأصبح الكتاب هو المرجعية لكل من تجندهم جماعة الاخوان وتلقينهم هذه الأفكار الشاذة على أنه جهاد ولذلك حدث ما حدث بسبب هذه الأفكار فى سوريا والعراق واليمن وليبيا وفى الجزائر قبلها وفى مصر.
وهنا لا أسعى لتوجيه اللوم إلى مؤسسة بعينها سواء الأزهر أو الأوقاف أو التعليم أو الثقافة أو من كان يعنيهم وعى وعقل الشعب المصرى، لأنه على ما يبدو كان توجه نظام دفع ثمن تحالفاته مع هذه الجماعات الإرهابية مرتين..!!
لكن ومع عرض مسلسل " الاختيار" وإيقاظ الوعى الجمعى وانعاش الذاكرة الوطنية ليس للمصريين فقط ولكن لكافة الشعوب العربية والإسلامية التى تشاهد المسلسل، كان لزاما أن نستعيد واحدة من المعارك الفكرية المهمة للغاية فى تاريخ الأزهر الشريف مع أفكار هذه الجماعة الإرهابية.
فالمناسبة كانت أثناء محاكمة سيد قطب ورفاقه عام 65 وما استندوا اليه فى محاولاتهم الإرهابية على أفكار أو خرافات واوهام "معالم فى الطريق" فكان للأزهر وقفة تاريخية مشهودة فى ذلك الوقت للرد بوثيقة تاريخية على هذه الأفكار الشاذة للرأى العام وقادت مؤسسة الأزهر الشريف المعركة دون حساب لأحد أو خوفا من جماعة أو تيار وانما لوجه الله والوطن.. والتاريخ والتزاما بدوره فى نشر أفكار الإسلام السمحة والتنويرية.. وهى واحدة من معارك التنوير العظيمة التى خاضها الأزهر الشريف
فى تلك الأثناء كان يتولى مشيخة الأزهر الشيخ حسن مأمون مفتى الديار المصرية والذى اصبح شيخا للأزهر منذ عام 63 حتى عام 69 وتوفى رحمه الله عام 1973.
خلال تلك الفترة جاء القرار الشجاع من فضيلة الامام الاكبر الشيخ حسن مامون شيخ الأزهر الشريف بضرورة التصدى لأفكار تلك الجماعة ومنظرها الدموى سيد قطب وأصدر تعليماته بتكليف واحد من العلماء الكبار بالأزهر وهو الشيخ العلامة محمد عبد اللطيف السبكى رئيس لجنة الفتوى بالأزهر بكتابة تقرير يعد وثيقة دامغة للرد على ما جاء فى كتاب " معالم فى الطريق" وتقديمها للنيابة العامة خلال المحاكمة.
والشيخ محمد عبداللطيف السبكى، هو عميد كلية الشريعة سابقا، ورئيس تحرير مجلة الأزهر لمدة 20 عاما، وعضو جماعة كبار العلماء ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وكان آخر من تولى منصب شيخ مذهب الحنابلة بالأزهر الشريف، وقد انتقل الشيخ السبكى للرفيق الأعلى عام 69 عن عمر 73 عاما
وله مؤلفات أثرت المكتبة العربية والإسلامية بمجموعة قيمة من الكتابات التى تناولت الشأن العربى والإسلامى والقضية الفلسطينية وقضايا الأمة الإسلامية
ونأتى الآن إلى التقرير الوثيقة التى نحن فى حاجة إلى نشره مرة أخرى حتى تطلع عليه الأجيال الحالية فى طار إيقاظ الوعى ونتمنى أن يصدره الأزهر الشريف مرة أخرى فى كتيب يتم توزيعه مجانا على الطلاب فى المدارس والجامعات وقصور الثقافة والمكتبات العامة وتتناوله وسائل الاعلام مرة أخرى
التقرير زاخر بكشف فساد هذا الفكر والتأكيد على أنه ضد الإسلام كدين.. وفى مقدمته أكد: "الكتاب أسلوبه استفزازى ويفاجئ القارئ بما يهيج مشاعره الدينية، خاصة إذا كان من الشباب أو البسطاء الذين يندفعون فى غير روية إلى دعوة الداعى باسم الدين"
وقام بتفنيد كل ما جاء فى كتاب "معالم فى الطريق" مؤكدا على أنه كارثة ستؤدى إلى كوارث فى المستقبل".. وهو ما حدث فعلا.. لأن الكتاب من صفحاته الأولى يقول: "وجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة.. ولابد من إعادة وجود هذه الأمة لكى يؤدى الإسلام دوره المرتقب فى قيادة البشرية مرة أخرى"
وهنا يرد الشبكى بأن المؤلف ينكر وجود أمة إسلامية منذ قرون كثيرة.. ومعنى هذا أن المسلمين عاشوا فى جاهلية لقرون حتى جاء "سيد قطب" إلى الدنيا.. أى أنه جعل نفسه نبيا- يا الله-
وتضمن التقرير الوثيقة أن الكتاب فيه بالنص: "إن مهمتنا هى تغيير واقع المجتمع الجاهلى من أساسه" وهنا يرى الشيخ "السبكى" أن هذه نزعة تخريبية يسميها المؤلف طريق الإسلام.. وهو يجعل نفسه ممثل لله فى الحكم.. وهذا شطط فى الخيال يجنح إلى الشذوذ عن الأوضاع الصحيحة والتطورات المعقولة.. فهو يرى مجتمعا ينشأ على يديه وعلى يد طليعته المسلمة.. بمعنى وفقا لهذه الأفكار الشاذة "أن الجهاد ضرورة لتحرير الإنسان سواء كان الوطن الإسلامى آمنا أو مهددا" أى أن دعوة "سيد قطب" قائمة على إشعال الحروب.. مع أن الإسلام يدعو إلى مسالمة من يسالم المسلمين.. لكن مؤلف "معالم فى الطريق" يقول: "الانطلاق بالمذهب الإلهى تقوم فى وجهه عقبات مادية من سلطة الدولة ونظام المجتمع وأوضاع البيئة.. وهذه كلها التى ينطلق الإسلام ليحطمها بالقوة" ..وهنا يرد السبكى بأن "سيد قطب" سول له شيطانه أن ينعق فى الناس بهذه المزاعم ويقتادهم إلى المهالك ليظفر بأوهامه التى يحلم بها
وفى آخر الوثيقة الشجاعة ينتهى الشيخ السبكى إلى أن سيد قطب "إنسان مسرف فى التشاؤم وينظر إلى الدنيا بمنظار أسود ويصورها للناس كما يراها هو أو أسود مما يراها.. وهو استباح باسم الدين استفزاز البسطاء إلى ما يأباه الدين من مطاردة الحكام, مهما يكن فى ذلك من إراقة الدماء والفتك بالأبرياء وتخريب العمران وترويع المجتمع وتصدع الأمن, وإلهاب الفتن فى صور من الإفساد لا يعلم مداها إلا الله.. وذلك معنى الثورة الحركية التى حددها فى كلامه"
والى نص الرد –الوثيقة-
"لأول نظرة فى الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه : دعوة إلى الإسلام، ولكن أسلوبه أسلوب استفزازى، يفاجأ القارئ بما يهيّج مشاعره الدينيّة، وخاصة إذا كان من الشباب، أو البسطاء، الذين يندفعون فى غير رؤية إلى دعوة الداعى باسم الدين، ويتقبّلون ما يوحى إليهم من أحداث، ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله، وأن الأخذ بها سبيل إلى الجنة .
وأحب أن أذكر بعض النصوص من عبارات المؤلف، لتكون أمامنا فى تصور موقفه :
فى (ص/ 6) يقول :"ووجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة .لا بد من إعادة وجود هذه الأمة، لكى يؤدّى الإسلام دوره المرتقب فى قيادة البشرية مرّة أخرى .. لا بد من بعث تلك الأمة التى وارها ركام الأجيال، وركام التصوّرات، وركام الأوضاع، وركام الأنظمة التى لا صِلة لها بالإسلام ... إلخ " .
إن المؤلِّف ينكر وجود أمة إسلامية منذ قرون كثيرة . ومعنى هذا : أن عهود الإسلام الزاهرة، وأئمة الإسلام، وأعلام العلم فى الدين، فى : التفسير، والحديث، والتفقه، وعموم الاجتهاد فى آفاق العالم الإسلامى، معنى هذا : أنهم جميعـًا كانوا فى جاهلية، وليسوا من الإسلام فى شيء، حتى يجيء إلى الدنيا سيد قطب !! .
ص/ 9 ـ 11) :(( أن العالم يعيش اليوم كله فى جاهلية .. هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله فى الأرض، وعلى أخصّ خصائص الألوهية، وهى الحاكمية، إنها تسند الحاكمية إلى البشر .. وفى هذا ينفرد المنهج الإسلامى، فالناس فى نظام غير النظام الإسلامى يعبد بعضهم بعضـًا )) (ص/ 10) .
(( وفى المنهج الإسلامى وحده يتحرّر الناس جميعـًا من عبادة بعضهم لبعض .. وهذا هو التصوّر الجديد الذى نملك إعطاءه للبشرية .. ولكن هذا الجديد لا بد أن يتمثّل فى واقع عملى، لا بد أن تعيش به أمة، وهذا يقتضى عملية بعث فى الرقعة الإسلامية .. فكيف تبدأ عملية البعث ؟ .
إنه لا بد من طليعة تعزم هذه العزمة، وتمشى فى الطريق )) (ص/ 11) .ولهذه الطليعة التى تعزم هذه العزمة من معالم فى الطريق .لهذه الطليعة المرجوة المرتقبة كتبت "معالم فى الطريق ".
فهذه دعوة مكشوفة إلى قيام طليعة من الناس ببعث جديد فى الرقعة الإسلامية .
والمؤلف هو الذى تكفّل بوضع المعالم لهذه الطليعة، ولهذا البعث المرتقب .
ص/ 21) : نحن اليوم فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام، أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية !! .
ص/ 23) : أن مهمتنا الأولى هى : تغيير واقع هذا المجتمع، مهمتنا هى : تغيير هذا الواقع الجاهلى من أساسه ) .
ص/ 31) ( وليس الطريق أن تخلص الأرض من يد طاغوت رومانى، أو طاغوت فارسى، إلى يد طاغوت عربى .. فالطاغوت كله طاغوت .
إن الأرض لله . وليس الطريق أن يتحرّر الناس من هذه الأرض من طاغوت إلى طاغوت .. أن الناس عبيد لله وحده .. لا حاكمية إلا لله، ولا شريعة إلا من الله، ولا سلطان لأحد على أحد .. وهذا هو الطريق )) .
إن كلمة (( الحاكمية لله .. ولا حاكمية إلا لله )) كلمة قالها الخوارج قديمـًا، وهى وسيلتهم إلى ما كان منهم فى عهد الإمام على، من تشقيق الجماعة الإسلامية، وتفريق الصفوف، وهى الكلمة التى قال عنها الإمام على : "إنها كلمة حق أريد بها باطل" .
فالمؤلف يدعو مرّة إلى بعث جديد فى الرقعة الإسلامية، ثم يتوسّع فيجعلها دعوة فى الدنيا كلها، وهو دعوة على يد الطليعة التى ينشدها، والتى وضع كتابه هذا ليرشد بمعالمه هذه الطليعة .
وليس أغرب من هذه النزعة الخياليّة، وهى نزعة تخريـبيـة، يسميها : طريق الإسلام .
والإسلام كما هو اسمه ومسمّاه يأبى الفتنة ولو فى أبسط صورة، فكيف إذا كانت غاشمة، جبّارة، كالتى يتخيّلها المؤلف ؟!! .
وما معنى الحاكمية لله وحده ؟؟ .
هل يسير الدين على قدمين بين الناس ليمتنع الناس جميعـًا عن ولاية الحاكمية، أو يكون الممثل لله فى الحكم هو شخصية هذا المؤلف الداعى، والذى ينكر وجود الحكام، ويضع المعالم فى الطريق للخروج على كل حاكم فى الدنيا .
إن القرآن نفسه يعترف بالحكام المسلمين، ويفرض لهم حق الطاعة علينا، كما يفرض عليهم العدل فينا، ويوجّه الرعيّة دائمـًا إلى التعاون معهم .
والإسلام نفسه لا يعتبر الحكام رسلًا معصومين من الخطأ، بل فرض لهم أخطاء تبدو من بعضهم، وناشدهم أن يصححوا أخطاءهم بالرجوع إلى الله وسنة الرسول، وبالتشاور فى الأمر مع أهل الرأى من المسلمين .
فغريب جدّا أن يقوم واحد، أو نفر من الناس، ويرسموا طريقـًا معوجّـًا، ويسمّوه : طريق الإسلام لا غير .
لا بد لاستقرار الحياة على أى وضع من أوضاعها من وجود حكام يتولّون أمور الناس بالدين، وبالقوانين العادلة .
ومن المقررات الإسلامية : (( أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن )) .
فكيف يستقيم فى عقل إنسان أن تقوم طليعة مزعومة لتجريد الحكام جميعـًا من سلطانهم ؟!! . وبين الحكام كثيرون يسيرون على الجادّة بقدر ما يتاح لهم من الوسائل .
هذا شطط فى الخيال، يجمح بمؤلف الكتاب إلى الشذوذ من الأوضاع الصحيحة، والتصورات المعقولة .
(ص/ 43) : (( فلا بد أولًا أن يقوم المجتمع المسلم الذى يقر عقيدة : لا إله إلا الله، وأن الحاكمية ليست إلا لله . وحين يقوم هذا المجتمع فعلًا تكون له حياة واقعية، وعندئذٍ فقط يبدأ هذا الدين فى تقرير النظم، وفى سنّ الشرائع )) .
فهذا هجوم من المؤلف على الواقع، إذ ينكر وجود (( مجتمع مسلم ))، وينكر وجود (( نظام إسلامى ))، ويدعو إلى الانتظار فى التشريع الإسلام حتى يوجد المجتمع المحتاج إليه، يريد : المجتمع الذى ينشأ على يده، ويد الطليعة !! .
يخيّل إلينا : أن المؤلف شطح شطحة جديدة، فزعم لنفسه الهيمنة العليا الإلهية فى تنظيم الحياة الدنيا، حيث يقترح أولًا : هدم النظم القائمة، دون استثناء، وطرح الحكام، وإيجاد مجتمع جديد، ثم التشريع الجديد لهذا المجتمع الجديد .
يشطح به مرّة ثالثة أو رابعة، فيقول (ص/ 46) :
(( أن دعاة الإسلام حين يدعون الناس لإنشاء هـــذا الدين ـ كذا ـ يجب أولًا : أن يدعوهم إلى اعتناق العقيدة، حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون، ويعلموهم أن كلمة : لا إله إلا الله مدلولها الحقيقى هو ردّ الحاكمية لله، وطرد المعتدين على سلطان الله ... )) وهكذا .
وتلك نزعة المؤلف المتهوّس، يناقض بها الإسلام، ويزعم أنه أغير الخلق على تعاليم الإسلام .. أليست هذه الفتنة الجامحة .. من إنسان يفرض نفسه على الدين، وعلى المجتمع ) .
إلى آخر ما جاء فى الوثيقة الرسمية للأزهر، وكان مما جاء فى نهايتها :
وبعد : فقد انتهيت من كتاب (( معالم فى الطريق )) إلى أمور :
1 ـ أنه إنسان مسرف فى التشاؤم، ينظر إلى الدنيا بمنظار أسود، ويصورها كما يراها هو، أو أسوأ مما يراها.
2ـ أن سيد قطب استباح باسم الدين أن يستفز البسطاء إلى ما يأباه التديّن، من مطاردة الحكام، مهما يكن فى ذلك من إراقة الدماء، والفتك بالأبرياء، وتخريب العمران، وترويع المجتمع، وتصدّع الأمن، وإلهاب الفتن؛ فى صور من الإفساد لا يعلم مداها غير الله .وذلك هو معنى (( الثورة الحاكمية )) التى ردّدها فى كلامه )
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة