كانت العلاقات المصرية الليبية مازالت على حالها منذ الرئيس السادات، وقت انعقاد مؤتمر القمة العربية يوم 23 مايو، مثل هذا اليوم، عام 1989، كانت فى توترها وخلافاتها والذى شهد ذروته بقرار الرئيس السادات بشن غارات جوية على الأراضى الليبية فى يوليو 1977.
توجهت الأنظار إلى الدار البيضاء، حيث كان الرئيس المصرى حسنى مبارك، سيشارك فى القمة، فى نفس الوقت الذى كان الرئيس الليبى معمر القذافى مشاركا، وحتى موعد القمة لم يحدث أى لقاء مباشر بين الرئيسين، فكيف جرت الأمور بينهما؟
كان أحمد قذاف الدم منسق العلاقات بين البلدين، وابن عم القذافى، أحد الشخصيات الليبية القليلة التى احتفظت بعلاقاتها مع مصر ومع الرئيس مبارك، وقدر له أن يلعب دورا مهما فى إعادة العلاقات بين البلدين واستثمار مؤتمر الدار البيضاء فى ذلك، حسبما يتذكر لجريدة الشرق الأوسط فى سلسلة ذكرياته «قذاف الدم يروى مسيرة نصف قرن مع القذافى».
ويؤكد «قذاف الدم» أن أول لقاء مباشر بين القذافى ومبارك، كان على هامش مؤتمر للقمة العربية فى المغرب سنة 1989».. ويتذكر الترتيبات الخاصة التى تمت للقائهما ودوره فيها، قائلا: «طبعا كان بينى وبين الرئيس مبارك لقاءات كثيرة فى مصر أو خارج مصر وعبر الهاتف أيضا.. كنا نتواصل معه، وكنا نمتص كل المشاكل التى تحدث والفتن والدسائس، وفى الحقيقة عندما كنا ذاهبين، كوفد ليبى رسمى برئاسة القذافى، للقمة فى المغرب، قام ملك المغرب الحسن الثانى، رحمه الله، بترتيب اللقاء مع الرئيس المصرى، بعد أن كنت قد تناقشت مع الملك حول تجنب أى مشاكل قد تقع بين الأخ معمر والرئيس مبارك داخل اجتماع القمة.
يضيف قذاف الدم: «اقترحت على جلالة الملك أن يلتقى مبارك والقذافى قبل الاجتماع، وذلك فى غرفة مغلقة مع بعضهما البعض.. وبالفعل، وصل الأخ معمر، وبعده دخل الرئيس مبارك.. تصافحا، وهنا قام جلالة الملك بالدخول بهما داخل الغرفة، ثم تركهما وخرج، وأغلق الباب عليهما.. ووقفنا ننتظر ونترقب وننصت».
يتذكر قذاف الدم: «فى الغرفة بدأ صوت كل من مبارك والقذافى يصل عبر الباب، وينقل كل طرف منهما للآخر كلمات فيها نوع من العتاب واللوم والمواجهة».. يكشف: «طبعا أنا كنت قد أبلغت الأخ معمر بشخصية الرئيس مبارك وطريقته فى التعامل وبساطته ووضوحه، ونحن كنا نعتبر أن الرئيس مبارك ورث وضعا يمكن تصنيفه كوضع يقع ما بين حالة عبد الناصر وحالة السادات، بالإضافة إلى ما ورثه من تداعيات الحروب والقطيعة مع العرب والوضع الاقتصادى فى مصر.. وأشرت للأخ معمر إلى أن مصر تحتاج إلى الوقوف معها ودعمها، وأن مصر القوية هى التى يجب أن تنهض ويجب دعم الرئيس مبارك والوقوف معه فى هذه المرحلة. كما أن الأخ معمر جاء بهذه الروح.. ولذلك، بعد قليل، ونحن وقوف أمام باب تلك الغرفة التى فيها مبارك والقذافى، بدأنا نستمع إلى ضحكات تنبعث من داخلها. وهنا عاد الملك الحسن الثانى واصطحبهما إلى القاعة التى فيها الرؤساء، وانطلقت الاجتماعات.
يكشف قذاف الدم ما حدث بعد لقاء الغرفة المغلقة: «فى نفس الليلة، استدعانى الرئيس مبارك.. ذهبت إليه لآخذ انطباعه عن هذا اللقاء، وكان انطباعا إيجابيا، وقال لى: لقد اتفقت مع الأخ معمر على كل الأشياء، وفى اليوم التالى دعانا الرئيس الجزائرى الشاذلى بن جديد، على الغداء، الرئيس مبارك والأخ معمر.. وجلسا مطولا فى نقاش لبعض التفاهمات، ثم عدنا من المغرب، وفى اليوم الذى يليه رتبنا قمتين بين مصر وليبيا على جانبى الحدود عقدت الأولى فى مدينة مرسى مطروح والثانية فى مدينة طبرق. وبعد ذلك بأيام قليلة جئت للقاهرة وحملت رسالة من الأخ معمر وأعلنا عودة العلاقات رسميا وفتح السفارات، واستمرت العلاقات منذ ذلك الوقت بزخم كبير. لكن الأساس فى نجاحها هو أننا اتفقنا على الفصل بين العلاقات الثنائية وبين خلافاتنا فيما يتعلق بالعدو الصهيونى أو بعض الأمور التى تخص مصر فى علاقاتها مع الدول وفيما يخصنا نحن أيضا.. وشهدت العلاقة فى عهد حسنى مبارك ازدهارا كبيرا وتعاونا فى كل المجالات».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة