- الجيش اللبناني النقطة المضيئة الوحيدة.. وتعاطي مع أحداث الشارع اللبنانى بكل حكمة وروية وحزم
- بشار الأسد ضرب بعرض الحائط كل المبادرات السياسية.. ووجوده يعنى أنه لا حل سياسى للأزمة السورية
- علاقتنا مع مصر جيدة.. ونتفهم عدم تمكنها من تخصيص وقت أو جهد أكثر للبنان
- الوثيقة مع الأزهر لازالت حية لكن الظروف الأخيرة لم تدع لنا مجال لإتمامها في الوقت الحاضر وعلى أمل في اتمامها مستقبلاً
يواجه لبنان أزمة هي الأسوأ، فغالبية مرافق الدولة شبه معطلة، كما أن الصراع السياسى وصل إلى درجة لم تشهدها البلاد من قبل، وهو ما جعلها تقبل على سيناريو يراه الكثيرون "كارثى" إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن.
وترافقت هذه الأزمة، مع استمرار الاحتجاجات الشعبية في الشارع، المناهضة للحكومة اللبنانية تحت شعار "ثورة الجياع"، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، ورغم التصريحات المتفائلة من جانب بعض السياسيين، إلا أن الوضع على الأرض لا يتحرك خطوة واحدة للأمام، فلم تنجح حكومة "حسان دياب" حتى الآن في بلورة اتفاق يقضى على الأزمات المتعاقبة التي تواجهها لبنان، كما أن الأحداث الأخير كشفت عن قصور في رؤية الرئاسة اللبنانية تجاه التعاطى مع هذه الازمات.
من هنا تأتى أهمية الاقتراب أكثر من لبنان، لنتلمس حقيقة ما يجرى، والتعرف على الأسباب، وملامح مستقبل الدولة، التي تعيش وضعاً "هشاً"، ولم نجد أقدر من "الحكيم"، سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، أحد الفاعلين الرئيسين في الوضع اللبناني، ليكون البوصلة التي تحدد لنا هذه المسارات، ومن قبل ذلك الإجابة على السؤال المهم، لماذا وصلت لبنان إلى الوضع الراهن؟.
لماذا سمير جعجع؟.. لأنه أولاً رقم فاعل في السياسة اللبنانية، فهو ومن خلفه حزب القوات يملكون من القوة السياسية ما يمكنهم أن يكون لوجودهم دور في الترجيح، فضلاً عن أنه كان الشخص الذى أحدث "خضة سياسية" في لبنان قبل ثلاث سنوات حينما فاجأ الجميع بالجلوس مع العماد ميشال عون، منهياً الخلاف التاريخى بين القوات اللبنانية، والتيار الوطنى الحر، فاتحاً ايضاً الطريق أمام وصول "عون" إلى حلم قصر بعبدا، منهياً عامين ونصف من الفراغ الرئاسي.
يملك سمير جعجع الكثير ليقوله بشأن ما تواجهه لبنان حالياً، لذلك فإن "معراب" أصبحت مزار للكثير من السفراء العرب والأجانب الباحثين عن تصور للحل، ومن قبلها أسباب للأزمة، وأخر السفراء الذين التقاهم "جعجع" هو السفير ياسر علوى، سفير مصر لدى بيروت، حيث بحثاً "الاثنين الماضى"، أخر المستجدات السياسيّة والاقتصادية في لبنان.
اليوم السابع، أجرت حوار عبر الهاتف مع الدكتور سمير جعجع، حدد خلاله عاملين رئيسين للأزمة الحالية في لبنان، الأول هو وجود دويلة "حزب الله" داخل الدولة اللبنانية، والثانى أن الحكومة الحالية لم تخرج نفسها من تحت السيطرة، محدداً في الوقت نفسه ما يمكن تسميتها بخارطة طريق، تستطيع لبنان أن تخرج من خلالها من النفق المظلم الذى تعيشه.
وإلى نص الحوار...
الحوار مع الحكيم سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية:
- لبنان يمر الآن بمنعطف خطير ودقيق، برأيك ما هي الأسباب التي أوصلت البلاد إلى هذا الوضع؟
الموضوع واسع ومعقد، ويمكن اختصاره على الشكل التالي: هناك عاملان أساسيان أديا إلى تدهور الوضع في لبنان إلى الحد الذي نراه الآن.
العامل الأول، وجود دويلة على أطرف الدولة اللبنانية تأكل من حيوية الدولة، وتسمم علاقات الدولة اللبنانية بأصدقائها الدائمين والتاريخيين. ونوعا ما تحتكر السلطة في مناطق عديدة، مما يجعل هذه المناطق خارجة عن السلطة الفعلية للدولة اللبنانية، وهذا يشجع نوعاً ما الأعمال غير الشرعية، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر موضوع المعابر غير الشرعية على الحدود بين لبنان وسوريا، فهذا الموضوع بمفرده يكلف الدولة اللبنانية والشعب اللبناني نحو مليار دولار خسائر سنوياً على الأقل.
العامل الثانى هو أنه فيما تبقى من الدولة اللبنانية لم تكن إدارة الدولة والممارسات بداخلها كما يجب أن تكون، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، فدائماً كان هناك سوء إدارة هائل وفساد، لجهة مثلا التوظيف العشوائي في الدولة، ولجهة عدم تطبيق القوانين خاصة قانون المحاسبة العمومية، ولجهة عدم التحسب للأمور والتخطيط للدولة، وخاصة لجهة الفساد الضارب تقريباً في كل شيء يحدث في إطار هذه الدولة، من مناقصات ومشتريات وعقود إلى أخره.
وأهم فضيحة في هذا الإطار بالتحديد هي فضيحة الكهرباء، فكل ما ينقص لبنان تقريبا حوالى 2000 ميجاوات كهرباء، ولعشر سنوات مضت كل اللبنانيين يطالبون ببناء معامل لإنتاج 2000 ميجاوات كهرباء إضافية، ومنذ عشر سنوات وللآن لم ينجح وزراء الطاقة المتعاقبون الذين ينتمون كلهم إلى فريق الوزير جبران باسيل، لم ينجحوا ليس لأنه من المستحيل بناء معامل تنتج2000 ميجاوات من الكهرباء، ولكن لانهم لا يريدون ذلك للاستمرار في مشروعهم الخاص باستئجار الطاقة من على ظهر البواخر التركية.
على سبيل المثال مصر بنت معامل لإنتاج 15 ألف ميجاوات إضافية من الكهرباء في فترة عام ونصف.
وبالتالي كل هذه العوامل أدت إلى ما نحن فيه.
- في ضوء كل هذه العوامل، ما تقيمكم لأداء حكومة الرئيس حسان دياب؟
حكومة الرئيس حسان دياب تحوي أشخاصاً جدد تأملنا فيهم خيراً، وبعض هؤلاء واضح أنهم جيدون بطبيعتهم، لكن المشكلة الأساسية أن القوى نفسها حزب الله من جهة، ومجموعة الوزير جبران باسيل من جهة أخرى لازالوا متحكمين بالقرار، وبالتالى لا نرى بالرغم من كل أملنا، لا نرى أي تقدم جدى على الصعد الاقتصادية والمالية.
- معنى حديثكم أنك ترى أنه لا أمل مع هذه الحكومة؟
هذه الحكومة لديها أمل في حالة واحدة، وهو إذا استطاعت أن تخرج عن سيطرة السلطة الحاكمة، ماذا وإلا لا أمل.
لا أمل لأي حكومة في لبنان سواء هذه أو غيرها، إذا لم تباشر فوراً بعض الإصلاحات المطلوبة، مثل في الوقت الحاضر مطروح بشكل كبير مشكلة المعابر غير الشرعية، وبالرغم من كل ذلك لم تأخذ الحكومة القرار المطلوب.
وأيضاً مطروح مشكلة الكهرباء، وبالرغم من ذلك قرارات الحكومة الأخيرة المتعلقة بالكهرباء هي في أحسن حالاتها عود على بدء، إذ كلفت الحكومة وزير الطاقة الذي هو وزير جبران باسيل، كلفته بالتفاوض مباشرة مع الشركات التي يمكن أن تبني المعامل في لبنان، مع كل ما يعنيه ذلك من تحت الطاولة وفوق الطاولة.
- إذن ما هي النصيحة التي يمكن أن يقدمها سمير جعجع للحكومة اللبنانية للخروج من المأزق الحالي في لبنان؟
إذا كانت هذه الحكومة تنوي النجاح عليها أن تخرج من تحت سيطرة حزب الله من جهة وفريق الوزير جبران باسيل من جهة أخرى، وعليها أن تبدأ بالإصلاحات فورا، ومعروف ما هي الإصلاحات، لا أن تصدر ورقة تقول فيها سأقوم بفعل ذلك وسأفعل هذا، فيما المطلوب أن تفعل ذلك فوراً، فهناك بعض الإصلاحات لا تحتاج سوى إلى قرارات، ومنها على سبيل المثال الموظفين غير القانونيين في الدولة اللبنانية، هناك أقله 5 الاف موظف بشكل مباشر و30 ألف أخرين غير موثقين فلتقدم على فسخ عقودهم، وأيضاً موضوع المعابر غير الشرعية والجمارك وقانون المحاسبة العمومية وتعيين مجالس إدارة بعض المؤسسات، وهناك العديد من الخطوات الإصلاحية التي بإمكان الحكومة القيام بها ولم تقم بأي منها بعد حتى الساعة.
- هذا يدفعنا إلى السؤال حول طبيعة العلاقة التي تربطكم بالرئيس ميشال عون، كيف تسير العلاقة بينكما اليوم؟
للأسف لا يوجد علاقة في الوقت الحاضر، لماذا لا توجد هذه العلاقة؟.. لأنه تبين تباعاً في السنوات الثلاثة الأخيرة أن الوزير جبران باسيل هو الذى يدير كل الأمور، وبالتالي وكأنه لا فائدة من العلاقة مع العماد ميشيال عون.
- هل هذا معناه أنك نادم على اتفاقك السابق مع ميشال عون قبل انتخابات الرئاسة؟
أبدأ أبداً.. هذا شيء وذاك شيء أخر مختلف تماماً، وهنا أريد التوسع في شرح الموقف، وكأنك تقول لي أنه إذا اردنا أن نصدر حكما تاريخيا على الثورة الروسية في عام 1917 هل نستطيع أن نقول مثلا بأنها المسؤولة عن توليد الاتحاد السوفيتي والمنظومة الشيوعية في العالم وأدت إلى ما أدت اليه من كوارث، بالتأكيد لا، لأن الثورة الروسية حينما قامت كانت انطلاقاً من واقع معين كانت تعيشه موسكو وبقية الولايات الروسية، فهى كانت ثورة جامحة كبيرة انطلاقاً من الواقع المعيشي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذى كانت تعيشه تلك البلاد حينها، لكن قام البعض بخطف هذه الثورة فيما بعد، وحرفها باتجاه معين، وهذا ليس معناه أن الثوار نادمون أو أنهم تصرفوا بشكل خاطئ، لا.. هذا معناه أنها أحداث تاريخية.
بالعودة إلى التفاهم مع الرئيس ميشيال عون لم أندم على حصوله في الظرف الذي حصل فيه، لأنه كان كناية عن مصالحة تاريخية بين فريقين لبنانيين كبيرين، وهما القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وكان يجب أن نجري هذه المصالحة، ومن جهة ثانية، هذا اتفاق كان هدفه الانتهاء من فراغ رئاسي استمر لأكثر من عامين ونصف، وكان يجب أن نذهب باتجاه معين لتجنب الاسوأأ، ولكن هذا لا يعني أننا مسؤولون عن كل ما حدث في عهد ميشيال عون.. لا.
في الأسابيع الأولى لعهد العماد عون بدأت تظهر التناقضات بين نظرتنا للأمور ونظرة فريقه للأمور، مما أدى إلى خلاف مبكر جداً في الأشهر الأولى، وقع خلاف بيننا وبين جبران باسيل وفريقه، ومنذ ذلك الوقت ونحن على طرفي نقيض.
- هل معنى ذلك أن الحكيم قد يلجأ إلى اختصار الطريق ويبدأ في التفاوض مباشرة مع جبران باسيل؟
لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين.. ولا أظن أن الأمور مطروحة بهذا الشكل.
- ما رأيكم في موقف الجيش اللبناني من الاحتجاجات التي تندلع ف لبنان منذ أكتوبر الماضى؟
من بين كل إدارات الدولة بقي الجيش اللبناني النقطة المضيئة الوحيدة.. لقد تعاطى الجيش اللبناني مع أحداث الشارع اللبنانى منذ ستة أشهر إلى الآن بكل حكمة وروية وحزم، وفى نفس الوقت حافظ على الأملاك العامة والخاصة، وفى نفس الوقت ترك كل المجال للناس لتعبر عن رأيها، وبالتالي استطاع أن يجمع التناقضات من كل هذه الزوايا، فكان تصرف الجيش اللبناني في أكثرية الأوقات مثاليا في هذه الناحية، فهو قد حافظ على أمن المتظاهرين من جهة، وأمن البلاد والعباد والأملاك الخاصة والعامة من جهة أخرى.
- هل نفهم من ذلك أن الحل في لبنان قد يأتي من ناحية الجيش؟
هذا شيء آخر مختلف تماماً، أنا اتحدث عن تعامل مؤسسة الجيش خلال الستة أشهر الأخيرة، والحقيقة كان دور إنقاذي جداً.
- هل من المطروح أن يقوم الدكتور سمير جعجع بمبادرات سياسية جديدة بالتفاوض مع كل القوى للخروج من الأزمة الحالية؟
كله ممكن، لكن لننتظر ونرى.
- هل هناك مشاورات مع الشيخ سعد الحريرى؟
بالتأكيد التواصل مستمر وموجود، وإن كان في حده الأدنى خلال هذه المرحلة، وهو موجود ومستمر مع أطراف أخرين أيضاً من 14 آذار.
- في رأيكم من هو المتسبب في عرقلة كافة سبل الحل السياسى للأزمة السورية؟
هذا واضح جداً، ولا يحتاج لتحليل ولا معلومات، طالما أن بشار الأسد موجود فلا أمكانية لأي حل سياسى في سوريا.
بشار الأسد وطبيعة نظامه هم ضد أي حل سياسى، وبالتالي وقبل الاستانة والاتفاق الروسي التركي، كان هناك جنيف 1 وجنيف 2 وقرارات مجلس الأمن، لكن بشار الأسد يريد أن يستمر كما هو، وكأنه لم يحدث شيء في سوريا، ضارباً بعرض الحائط كل المبادرات السياسية التي طرحت، ومن هنا فهو غير مهتم بأى حل سياسي، وعملياً أعتبر أن بشار الأسد لديه علاقة وحيدة مع إيران، وأما روسيا بحكم الأمر الواقع والضرورة فقط لا غير، وبالتأكيد فإن نظام قائم على علاقة وحيدة في هذه الدنيا ليس لديه مقومات الاستمرار.
طالما بشار الأسد موجود في سوريا فلا تحلم بأي عملية سياسية فعلية.
- ما رأيكم في دور بعض الأطراف الإقليمية لعرقة جهود التسوية والحل في لبنان وسوريا؟
فيما يتعلق بلبنان فإن الوضع معقّد ويلزمه تحليل مستفيض فيما لو أردنا الغوص فيه.
أما في سوريا فرأيي أن العائق الاساسى هو العامل الإيراني، وطالما العامل الإيراني موجود فإن بشار الأسد سيبقى في نفس الوضعية ولن يكون هناك أي مجال لأي عملية سياسية،
وفيما يتعلق بروسيا فإنها تنحو باتجاه الحل السياسي، لكن على ما يبدو الآن أنها لا تملك بمفردها القوة لفرض الحل السياسي في سوريا، لأن الإيرانيين ضد اي حل سياسىي، وبالتالي نشهد الجمود الذى نشهده فى السنوات الأخيرة.
- ما هو شكل العلاقة الحالية بين حزب القوات اللبنانية والسعودية؟
جيدة كالعادة وهناك تبادل مستمر للآراء حول أمور المنطقة ولبنان. إنها علاقة تاريخيّة بالفعل بدأت مع الرئيس المؤسس بشير الجميّل في بداية الثمانينات وما زالت مستمرّة حتى يومنا هذا.
- وعلاقتكم مع مصر؟
العلاقة مع مصر جيدة كالعادة، أيضا هناك تواصل مستمر ومناقشات مستمرة.
- هل ترى أن مصر مقصرة في التعامل مع الوضع في لبنان؟
لا أستطيع قول ذلك، واعتقد أن لدى مصر مجموعة قضايا منشغلة فيها بدء من الوضع الاقتصادي الاجتماعي الذي تحسن كثيرا في الوقت الراهن، وليس انتهاء بالأزمة الليبية وكل أزمات المنطقة، لذلك افهم تماماً عدم تمكن مصر من تخصيص وقت أو جهد أكثر للبنان، لكن هذا لا يعني أنها لا تتابع الوضع اللبناني عن كثب، بالعكس هي تتابع عن كثب.
- هل هناك من جديد فيما يتعلق بالوثيقة التي كان حزب القوات اللبنانية طرحها بالتعاون مع الأزهر الشريف؟
الوثيقة لا زالت حية، لكن الظروف الأخيرة لم تفسح في المجال لإتمامها في الوقت الحاضر، وعلى أمل من اتمامها مستقبلاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة