كانت حالة الاحتقان تتزايد فى مصر، بسبب رواية «وليمة لأعشاب البحر» للروائى السورى «حيدر حيدر» الصادرة ضمن سلسلة «آفاق الكتابة» فى نوفمبر 1999 والتابعة لوزارة الثقافة المصرية، وكان «الأزهر» صامتا طوال فترة الأزمة حتى أصدر تقريره الذى أعده «مجمع البحوث الإسلامية» ووقع عليه شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوى يوم 17 مايو، مثل هذا اليوم، عام 2000، حسبما يذكر الكاتب الصحفى حلمى النمنم فى كتابه التوثيقى «وليمة للإرهاب الدينى».
اشتعلت الأحداث حول الراوية بفتح جريدة «الشعب» الأسبوعية لسان حال حزب العمل المعارض صفحاتها للتحريض ضدها، وضد المسؤولين عن نشرها، وبدأت فى نشر مقالات للكاتب الدكتور محمد عباس حول الرواية، يطالب فيها بمحاكمة المسؤولين عن نشرها، ويتهم مؤلفها بالكفر.. كان «حزب العمل» برئاسة المهندس إبراهيم شكرى يعيش وقتئذ اندماجه مع جماعة الإخوان، وكانت الأحداث حول الراوية من انعكاساته، حيث وصفت «الشعب» الكتاب بأنه «إهانة أسوأ من هزيمة 1948»، ووجهت اتهامات بالكفر للمسؤولين عن هيئة قصور الثقافة، على أبوشادى رئيسها، ومحمد كشيك أمين عام التحرير، وإبراهيم أصلان رئيس تحرير السلسلة، وحمدى أبوجليل مدير التحرير.
تركت «الشعب» محمد عباس على راحته فى اتهامات التكفير والتحريض على الإرهاب، ففى مقاله «من يبايعنى على الموت» يوم 28 إبريل 2000»، يذكر أنه أثناء قراءته للرواية شعر بما لم يشعر به فى حياته..ويقول: «فى غمرة الانفعال قررت أن ألبس كفنا، وأتوجه لصلاة الجمعة فى الأزهر، ثم أصعد على المنبر لأصرخ فى الناس من يبايعنى على الموت أن يلبس كفنا، ويصاحبنى إلى رئاسة الجمهورية لنفترش الأرض هناك، فإما أن يستجاب لنا بالدفاع عن الله والقرآن والرسول، صلى الله عليه وسلم، وإما أن يقتلونا».
كان الاصطفاف واضحا بين حزب العمل بطبعته الإخوانية، و«الإخوان» كجماعة تنظيمية، يؤيدهم الأزهر، ورجال دين بطرق مختلفة وشخصيات مثل الدكتور محمد عمارة والمستشار طارق البشرى، فى مقابل المبدعين ودعاة التنوير وأنصار حرية التعبير.. وفى تصميم من «الإخوان» على إشعال الموقف، أصدرت بيانا يوم 30 إبريل 2000، رفضت فيه قرار وزير الثقافة والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بتشكيل «لجنة علمية» لإعداد تقرير عن الرواية، ضمت الدكتور عبدالقادر القط مقررا، والدكتور صلاح فضل عضوا، والكاتب الصحفى كامل زهيرى عضوا، والدكتور مصطفى مندور عضوا، والدكتور عماد أبوغازى عضوا، والدكتور أحمد هيكل الذى اعتذر عن عدم حضور اجتماع اللجنة لمرضه.
قالت جماعة الإخوان فى بيانها، إنها ترفض اللجنة، ودعت للتصدى لكل من يحاولون زعزعة العقيدة، أو تحريف الإيمان، ودعت النائب العام إلى التحقيق الفورى لكل من سمح بنشر الرواية، وتصاعدت الأحداث بمظاهرات لآلاف من طلاب جامعة الأزهر مساء 7 مايو 2000، وأصيب فيها 3 ضباط و50 طالبا، وطالب المتظاهرون بإقالة وزير الثقافة، وفى يوم 9 مايو أصدرت «اللجنة العملية» تقريرها، وانتهت فيه إلى: «إعادة نشر هذه الرواية لا يمكن أن يعد مساسا بالدين، ولا يجوز محاكمتها من منظور غير أدبى، وما قيل عنها فيه تجنٍّ كبير عليها وتحريف لمواضعها، وتجاهل لقيمتها الفنية المتميزة».
كان الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر، ورئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب، فى الخندق المضاد للراوية، ففى حديث بمجلة المصور 25 مايو عام 2000، قال إنه كرئيس للجنة الدينية فى مجلس الشعب، مٌنع من إلقاء بيان يدافع فيه عن الله والقرآن والرسول، صلى الله عليه وسلم، بينما سمح لفاروق حسنى أن يلقى بيانه الذى يدافع فيه عمن يسبون الله والقرآن والرسول، صلى الله عليه وسلم.
كان «هاشم» يقصد بمن يدافع عنهم «حسنى»، الذين رفضوا حملة «الشعب»، فإبراهيم أصلان المشرف على السلسلة التى أصدرت الرواية، تساءل فى «الحياة اللندنية» يوم «1مايو 2000»عن مبررات هذه الضجة، واصفا القراءة التى قدمتها «الشعب» للرواية بأنها أبشع قراءة ممكنة لرواية فى تاريخ الأدب كله، وأن الرواية واحدة من أهم الروايات العربية، وصدر لها عشرات الطبعات وامتدحها نقاد معتبرون.. وفى جريدة «البيان الإماراتية» يوم 3 مايو 2000 قال صلاح فضل، إن الحملة لا تخدم سوى أصحابها، وقال جابر عصفور، إن الرواية من أفضل الروايات العربية المعاصرة على الإطلاق، ومن يتهمونها بالكفر مجموعة من جماعات الضغط السياسى الذين يتقنعون تحت أقنعة دينية، ويتولون إرهاب المثقفين».
وسط هذه الأجواء أصدر الأزهر بيانه الذى يدين الراوية، فماذا جاء فيه؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة