تحتفل الطائفة الإنجيلية في مصر اليوم بعيد القيامة المجيد وذلك في احتفالية اقتصرت على قيادات الطائفة بكنيسة مصر الجديدة الإنجيلية وقدم القس الدكتور أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر رسالة العيد بعنوان "قيامة المسيح.. قيامة الإنسان" وجاءت فاصيلها الكلمات التالية
أولا عن حالة العالم اليوم (التوتر والخوف):
يأتي احتفال القيامة هذا العام ونحن نعيش حالة من التوتر والخوف بسبب إنتشار جائحة كوفيد-19 (وباء كورونا) في العالم ككل وفي بلادنا.
حتى متى يستمر هذا الوضع؟ وكيف يمكن أن نحمي أنفسنا وأحباءنا من العدوى؟
ثانيا -السؤال عن الموت والألم:
لماذا يستفحل الموت من حولنا، وبأرقام ضخمة كما في الولايات المتحدة الأمريكية،إيطاليا وإسبانيا والصين؟ وأين الله وسط هذه الأزمة؟ ولماذا لا يتدخل ليضع حدًا لهذا العبث بخليقته؟
ثالثا- احتفال القيامة وسط الأسئلة والحيرة:
وسط هذه الأجواء، وفي خضم كل هذه الأسئلة والصراعات، نأتي لنحتفل اليوم بقيامة المسيح من الموت ، ووسط الحيرة: يبدو الأمر محير أن نحتفل بالقيامة من الموت رغم انتشار رائحة المرض والوباء والموت في كل بلدان العالم اليوم ، فما الذي تعنيه قيامة السيد المسيح لنا اليوم وسط هذه الأجواء؟
وكيف تتعامل القيامة مع اسئلتنا العميقة؟
رابعا - المسيح الصديق:
صداقة السيد المسيح مع لعازر: يوحنا الرسول يشدد على علاقة الصداقة ويخبرنا أكثر من مرة عن طبيعة العلاقة بين السيد المسيح ولعازر هي علاقة الصداقة والمحبة الشديدة ويذكر يوحنا الرسول أن السيد كان "يحب" لعازر ، وما تأثير فهمنا لعلاقة الصداقة بين السيد المسيح ولعازر الانسان
خامسا - تقدير افضل لعلاقة السيد المسيح ولعازر:
فهم هذه العلاقة بين السيد المسيح ولعازر في أعماقنا يساعدنا على فهم مدى قرب السيد المسيح من الإنسانية.
مرض لمجد الله:
مرض لأجل مجد الله:
كلام السيد المسيح عن المرض:
قال السيد المسيح عن مرض لعازر: "هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله" (11: 4). هذا الكلام يثير التساؤلات كيف يمكن أن يكون المرض يؤدي لمجد الله؟
المرض ليس للموت رغم ان لعازر مات:
كيف نفهم كلام السيد المسيح عن موت لعازر؟
ثلاث نقاط هامة يجب أن نلاحظها لكي نستطيع أن نفهم ما يقوله السيد المسيح:
اولاً: تعمد السيد المسيح عدم الذهاب للعازر وهو مازال حيا في فترة مرضه:
لم يغادر السيد المسيح فورًا: إن السيد المسيح حينما عرف أن لعازر مريض قرر متعمدًا ألا يغادر فورًا إلى بيت عنيا، بل يقول النص الكتابي إنه مكث ليومين بعدما عرف بمرض لعازر (11: 6).
السيد المسيح خارج التوقعات: يبدو السيد المسيح خارج التوقعات، وأكبر من تصوراتنا. فالطبيعي أن يذهب مباشرةً للعازر لينقذه من المرض لأنه يحبه ولأنه صديقه. في ظل عبارة السيد المسيح الغامضة بأن هذا المرض ليس للموت ولكن لمجد الله، تزداد الحيرة أكثر حينما نتوقع أن يتدخل السيد المسيح في لحظة معينة ولكنه لا يتصرف بحسب توقعاتنا!
يبدو أن المسيح لديه خطة: الأمر يزداد غموضًا، ولكن رغم ذلك، يبدو أن لدى السيد المسيح خطة ما.
ثانيًا: كلام السيد المسيح للتلاميذ عن موت لعازر (أنه نوم):
لغة السيد المسيح في كلامه مع التلاميذ عن موت لعازر: لكن دعونا نلاحظ لغة السيد المسيح ومصطلحاته جيدًا، فإنه لم يخبر التلاميذ أولاً بأن لعازر قد مات، بل قال لهم: "لعازر حبيبنا قد نام، لكني أذهب لأوقظه" (11: 11). يعيد السيد المسيح تسمية الموت على أنه مجرد نوم، ولكن التلاميذ لم يفهموا، بل ظنوه يقصد أن لعازر نائم ليستريح من مرضه.
ثالثًا: أعلن السيد المسيح للتلاميذ "علانيةً" أو صراحةً، بأن لعازر قد مات:
وكان السيد المسيح قاصدا أن يتأخر على لعازر من أجل التلاميذ"حتى يؤمنوا" كما يقول النص (11: 14 – 15).
هذا تصريح ثالث يثير التعجب داخل النفس: فكيف سيؤمن التلاميذ بسبب موت لعازر؟ بل وأكثر من ذلك، بماذا بالضبط كان يجب أن يؤمن التلاميذ؟
حينما نضع كل هذه الاعتبارات معًا، نفهم معنى قول السيد المسيح أن هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله على ثلاث مستويات:
المستوى الأول:
قيامة لعازر من الموت سوف تمجد الله بإنتصار الإنسانية على الموت.
لقد تأخر السيد المسيح لأن الانسانية كان يجب أن تجتاز الموت وتختبره قبل أن تختبر قوة ونصرة القيامة بعد ذلك.
المستوى الثاني:
وإقامة المسيح للعازر من الموت كانت فرصة تمجد الله لأنها كانت إعلان جديد للبشرية عن من هو السيد المسيح حقًا،
ولهذا قصد السيد المسيح ألا يذهب للعازر فورًا، لكي تتهيأ هذه الفرصة.
المستوى الثالث:
وإقامة لعازر من الموت جعلت الكثيرين يؤمنوا بالمسيح إذ فهموا من هو فعلاً (يو 11: 45)
وبهذا ايضًا تمجد الله.
هذا الفهم يتضح اكثر حينما نقرأ حوار السيد المسيح مع مرثا عند قبر لعازر.
حوار عند قبر الإنسانية:
لقاء السيد المسيح ومرثا:
صرخة مرثا:
حينما التقت مرثا بالسيد المسيح صرخت في وجهه: "يا سيد لو كنت ههنا لم يمت أخي!" (11: 21).
صرخة مرثا هى صرخة الانسانية كلها: أظن أن أي شخص منّا لو كان مكان مرثا لقال نفس الأمر: يا سيد، لو كنت ههنا، لما حدث كل شيء.
مشروعية السؤال:
هذا سؤال مشروع والسيد المسيح لم ينتهرها لأجله،
بل رحب بهذه الاسئلة المشروعة من النفس المكسورة بالمرض والموت.
اعلان السيد المسيح أن لعازر سيقوم اليوم:
عند هذه النقطة يعلن المسيح أن لعازر سيقوم من الموت بالفعل... اليوم!
سبب قيامة لعازر من الموت هو قيامة السيد المسيح:إن السبب الذي يعطيه المسيح لقيامة لعازر من الموت يكمن في تصريحه الخالد: "أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي، ولو مات، فسيحيا، وكل من كان حيًا وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد." (11: 25 – 26)
معنى هذه الكلمات:
المفتاح لفهم هذا التصريح، ولكل ما قاله السيد المسيح قبل ذلك، هو المعاني المختلفة للموت فيه.
فالموت الأول مقصود به الموت الجسدي.
فحتى لو مات الإنسان جسديًّا، ولكنه مؤمن بالمسيح، أي متحد به، فسيقوم من هذا الموت.
أما الموت الثاني، فهو الموت الأبدي.
فكل من كان "في المسيح" لا يمكن أن يموت في "الدهر الآتي"؛ الأبد أو الأبدية.
اعادة ترجمة كلام السيد المسيح:
وبالتالي، يمكننا إعادة ترجمة هذا التصريح كالتالي:"كل من يؤمن بي، رغم أنه سيموت جسديًا بالفعل
ولكنه سيحيا مرة أخرى.وكل من يحيا ويؤمن بي، لن يموت أبديًا".
إن دلالة انواع الموت عند السيد المسيح تحمل رسالة قوية لنا اليوم وسط الموت المحيط بنا من كل جانب:
ضآلة الموت الجسدي مقارنةً بالموت الروحي:
إن الموت الجسدي بالنسبة للسيد المسيح مجرد ظل للموت الحقيقي بالحياة "خارج المسيح".
لقد أعاد المسيح تعريف الموت! فالموت الحقيقي يبدأ حينما تفقد الإنسانية انسانيتها، وتفقد معنى الحياة وقيمتها، وتتوه بعيدًا عن خالقها وتسير بحسب نواميسها الخاصة وتنسى سبب وجودها ومعناه.
موت لعازر فرصة لإعلان هوية السيد المسيح كـ "القيامة":
اعلان عن هوية السيد المسيح:
إن موت لعازر أدى إلى إعلان جديد عن المسيح أنه هو"القيامة" (أي رئيس الحياة ومنبع القيامة).
فالسؤال الحقيقي الذي اريد ان اوجهه لكم اليوم هو ليس عن الموت بل عن نوعية الحياة التي نعيشها اليوم:
هل نعيش اليوم؟ هل نحن أحياء اليوم؟ أم أن الحياة التي نحياها هى مجرد "حياة ميتة"؟
فحينما اقتربت مريم تقول للمسيح "يا سيد، لو كنت ههنا، لما مات أخي"
رد عليها المسيح مباشرةً "سيقوم أخوكِ!"
وكأن مريم كانت تقول للمسيح:
"لقد فات الأوان..."
بينما كان المسيح يقول لها:
"بل قد آن الأوان!"
قيامة المسيح سبب قيامة الإنسان:
صرخة مريم تكرر نفس صرخة مرثا:
بكاء السيد المسيح على النفس البشرية:
وأمام هذه الصرخة، ينزعج السيد المسيح، ويتوتر، بل ويبكي، للحد الذي يجعل اليهود يتعجبون: "انظروا كيف كان يحبه!" (11: 36).
السيد المسيح يشارك البشرية اختبارها المؤلم لكي تستطيع البشرية أن تشترك مع السيد المسيح في خبرة قيامته المفرحة:
تأكيد الرسول يوحنا في أن لعازر قد مات تمامًا:
تأكيد الرابيون:
كان الرابيون اليهود يعتقدون أن الروح تدور في القبر لمدة ثلاثة أيام قبل أن تغادره تمامًا.
موت لعازر منذ اربعة ايام:
فبقاء لعازر في القبر لمدة أربعة أيام يعني أن الروح غادرت القبر تمامًا.
اعلان السيد المسيح القيامة وسط الإنكسار:
وسط كل هذا الحزن والإنكسار في قلب مريم ومرثا:
لكن السيد المسيح يعلن وسط الإنكسار: "ألم أقل لكِ: إن آمنت ترين مجد الله" (11: 40).
ومن هنا نفهم معنى كلمات السيد المسيح أن هذا المرض ليس للموت بل لمجد الله رغم أن لعازر قد مات جسديًا بالفعل:
قيامة المسيح هى سبب قيامة لعازر وسبب قيامة كل الانسانية:
وكما قام السيد المسيح من الموت هكذا كل من يعيش "في المسيح" سيقوم من الموت..
إن المرض والموت ليسا بلا رادع، بل الله موجود وحاضر في حياة الإنسانية،
كما كان حاضرًا في مشهد لعازر.
الموت الجسدي ليس هو النهاية:
ومهما كان الموت الجسدي الذي ستمر به البشرية،
فإنه ليس المشهد النهائي، وليس له الكلمة الأخيرة.
القيامة رسالة رجاء للعالم:
إن المشهد اليوم ليس مختلفًا عن مشهد لعازر:
مازلنا نصرخ اليوم:
يا سيد، لو كنت ههنا، لما انتشر الوباء، ولا مات أحباؤنا ولا توقفت حياتنا ولا أغلقت دور عبادتنا!
ولكن المسيح يستمع لهذه التساؤلات بصدر رحب،
رسالة الرجاء بالقيامة من الاموات وسط الخوف من الوباء:
الموت لن يسود البشرية بعد قيامة السيد المسيح:
والوباء لن ينتصر في النهاية ولن يستعبد البشرية،
رسالة الرجاء التي تقدمها القيامة من الأموات:
هى رسالة لا تتجاهل آلام اللحظة الراهنة، بل هى رسالة واعية.
فبعد أن شعر الجميع بالهزيمة، كان لقيامة المسيح أن تعيد لهم الثقة والقوة.
الرجاء الكتابي عند النبي حبقوق:
يعبر النبي حبقوق عن معنى الرجاء الكتابي بقوله:
"فمَعَ أنَّهُ لا يُزهِرُ التّينُ، ولا يكونُ حَملٌ في الكُرومِ. يَكذِبُ عَمَلُ الزَّيتونَةِ، والحُقولُ لا تصنَعُ طَعامًا. يَنقَطِعُ الغَنَمُ مِنَ الحَظيرَةِ، ولا بَقَرَ في المَذاوِدِ، فإنّي أبتَهِجُ بالرَّبِّ وأفرَحُ بإلهِ خَلاصي." (حب 3: 17 – 18).
لم ينكر النبي الواقع،
بل أقره ووصفه كما هو.
ولكن وسط الواقع المؤلم،
وسط ظلام السبت، فإنه ابتهج بالرجاء في إله الخلاص.
الخلاص قادم: لقد توقع النبي قدوم الخلاص لأنه يعرف من هو إلهه الأمين.
الرجاء مبني على طبيعة الإله الذي نعبده:
فالرجاء المسيحي رجاء متأصل في عظمة الإله الذي نعبده،
الذي انتصر حتى على أقوى اعداء الوجود، الموت، بالقيامة.
الرجاء الذي تعطيه لنا القيامة هو رجاء واعٍ:
رجاء يحترم العقل:
مبني على احترام العقل وقدراته وقراءة الموقف الراهن وأساليب التعامل معه.
الرجاء الذي تعطيه لنا القيامة هو فعل مجتمعي يمكن ترجمته في الخروج من الذات نحو الآخر وفعل الخير:
في الحقيقة، لم تتوقف العبادة الدينية بتوقف الشعائر، فإن كانت كنائسنا قد أغلقت، وخدمات العبادة توقفت، إلا أننا رأينا عبادة وسجودًا من نوع مختلف تمثل في خروج الكنيسة للشارع، من اجل خدمة الجميع بلا تمييز ومعاونة المتضررين.
العزل الإجتماعي والخلوة الوجودية:
العزل الإجتماعي للتلاميذ:
العزل الإجتماعي الذي نعيشه اليوم يشابه العزلة التي كان يعيشها التلاميذ بين الصليب والقيامة.
كانوا خائفين، يعيشون معًا في بيت واحد لا يستطيعون الخروج منه، وفي حالة ترقب لما ستحمله لهم الأيام.
المسيح القائم من الموت يخترق عزلة التلاميذ:
ولكن المسيح القائم من الموت اخترق عزلتهم وظهر لهم وأكل وشرب معهم.
كيف استفاد التلاميذ من عزلتهم الاجتماعية؟
كانت هذه العزلة فرصة لهم ليتأملوا ما حدث ويتوقعوا ما سيحدث.
العزل الاجتماعي الذي نعيشه اليوم قد يكون خلوة وجودية:
فهل يمكن أن نستثمر وقت انعزالنا الإجتماعي اليوم ليكون لقاء روحي مع المسيح القائم من الموت؟ إلى وقت خلوة وجودية مع الله؟
ادعوكم جميعًا أن نستغل عزلنا الإجتماعي ووقت تباعدنا عن بعضنا البعض لأن نسكن قلوبنا، لنعيد ضبط بوصلة قلوبنا نحو الله.
ادعوكم أن يكون وقت انعزالنا عن بعضنا البعض هو وقت تأمل في نوعية الوجود الذي نعيشه،
ولتكن خبرة انعزالنا هى خبرة توبة عن الخطية،
وهى خبرة تجديد روحي ايضًا.
الخاتمة:
وربما تكون هذه هى الرسالة التي نحتاج أن تسمعها كل نفس فينا اليوم:
الرجاء حقيقي لأن قيامة المسيح حقيقية... الرجاء حقيقي لأن المسيح قام... بالحقيقة قام...
ومثلما قام لعازر من الموت:
بسبب أن المسيح هو نفسه القيامة من الموت،
فكذلك كل نفس لها نفس الرجاء والأمل بسبب قيامة المسيح من الموت..
فلنتشدد ونتشجع بأن الله الحي الذي لا يموت أبدًا،
هو صاحب السلطان المطلق،
ولا يقف أمامه مرض أو وباء،
وهذا الإله القوي العظيم يقف في صف الإنسانية،
ويختار أن ينصفها ويتحدى المرض والموت لأجلها..
وفي النهاية
أصلي:
من أجل أن تحل قوة القيامة في داخلنا،
وأن تتعامل مع أسئلتنا وحيرتنا،
أن تمتد يد الله الحنونة لكل مصابٍ، وأن يظلل الجميع بحمايته،
أصلي لكل من فقد أحدًا من أحبائهجراء هذا المرض،
أصلي من أجل كل من تهددت أرزاقهم بسبب هذه الأزمة،
أصلي لأجل كل الأطباء والممرضين والممرضات والعاملين بالقطاع الطبي،
أصلي لأجل كل العاملين بالجيش والشرطة ويحملون على عاتقهم مسؤوليات كبيرة،
وأصلي من أجل حكمة خاصة ومعونة من الله للسيد رئيس البلاد في إدارة هذه الأزمة، كما أصلي من أجل السيد رئيس الحكومة والحكومة في كل الإجراءات التي يتخذونها لسلامة البلاد.
أصلي لأجل كل نفس على وجه الأرض،وأؤمن في قدرة الله ورحمته أن تخلصنا وأن تقيمنا من هذه الأزمة..
له كل المجد دائمًا...
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة