في مثل هذا اليوم الموافق 8 مارس من عام 1964 رحل عن عالمنا أحد عمالقة الكوميديا والفن الفنان الكبير عبدالفتاح القصرى بعد حياة حافلة بالفن والكوميديا، بقدر ما حملت في نهايتها من أحزان وقهر وأوجاع.
ورغم رحيله منذ ما يقرب من 57 عاما لا يزال الفنان القصرى ملكاً على عرش الكوميديا والإيفيهات المحفورة في أذهان الملايين على مر الأجيال، وتبقى صورته وعباراته في شخصية المعلم حنفى شيخ الصيادين ،ومرافعة الحاج عبدالعزيز في فيلم الأستاذة فاطمة، وأبو طعمة في فيلم إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين ، والمعلم شاهين في فيلم سكر هانم ، راسخة في أذهان الملايين .." انتى ست انتى، ده انتى ست اشهر، يا صفايح الزبدة السايحة، كلمتى لا يمكن تنزل الأرض أبدًا..خلاص هتنزل المرة دى"
ولا يعرف الكثيرون أن الفنان الكبير عبدالفتاح القصرى ولد لأسرة ثرية تعمل فى الصاغة، ويمتلك أفرادها ومنهم والده فؤاد القصرى محلات ذهب فى الجمالية، وكان جده يتمنى أن يرى حفيدًا فى أسرة قليلة الإنجاب ليمتد به اسمه ويرث صنعة أجداده فى تجارة الذهب، وكان ميلاد عبدالفتاح القصرى يوم فرح للعائلة خاصة الجد، ليصبح الحفيد المدلل المولود وفى فمه ملعقة من ذهب.
ارتبط عبدالفتاح القصرى بجده ومنطقته ارتباطًا شديدًا منذ طفولته، فاختلط بأولاد البلد والتجار والباعة وأصبح يتحدث ويتصرف مثلهم، ويرتدى الجلباب مثلهم ومثل جده.
وأراد والده أن يلحقه بإحدى المدارس التى يتعلم فيها أبناء الطبقة الراقية فألحقه بمدرسة الفرير الفرنسية.
ورغم تفوق القصرى فى الدراسة إلا أنه كان دائم التأخر عن المدرسة بسبب سهره مع أصدقائه على المقاهى، واستمر فى المدرسة حتى أتقن اللغة الإنجليزية والفرنسية، ثم حسم أمره بعدم الرغبة فى استكمال دراسته.
وجمع عبدالفتاح القصرى فى طفولته بين مخالطة أبناء الطبقة الراقية فى المدرسة وبين انتمائه وحبه لأولاد البلد الشعبيين فى الجمالية ومقاهيها وشوارعها، ودائمًا كانت ترجح الكفة الثانية فأحب حياة الباعة والمعلمين وولاد البلد وتأثر بهم، وعمل لفترة مع والده فأظهر خلالها براعة فى التحدث مع الزبائن الأجانب.
تعرف «القصرى» على عدد من فنانى المسرح، وعشق الفن والتمثيل وبدأت محاولاته لاحتراف الفن، فالتحق بعدد من الفرق المسرحية ومنها فرقة فوزى الجزايرلى، وعبدالرحمن رشدى، ولكن هذه الفرق تعثرت وواجهت بعض المشاكل وخلال هذه الفترة ثار غضب والده عليه بسبب تأخره وسهره، ووجد الحل فى أن يزوجه.
وبالفعل تزوج عبدالفتاح القصرى من أولى زوجاته فى أغسطس عام 1916، ولكنه طلقها بسبب عدم الإنجاب واستمر فى طريقه الفنى.
وفى حوار مع نجلاء القصرى، ابنة شقيق عبدالفتاح القصرى لليوم السابع أشارت إلى أن والده غضب عليه وطرده وهدده بالحرمان من الميراث إذا ما استمر فى طريق التمثيل ولكنه أصر على موقفه وعلى استكمال مشواره الفني
استمر عبدالفتاح القصرى فى طريق الفن رغم غضب والده والتحق بفرقة جورج أبيض، كما ذكر المؤرخ الفنى ماهر زهدى، في تناوله لسيرة القصرى، حيث تحمس له جورج أبيض بعدما عرف إتقانه للغات وقدرته على ترجمة المسرحيات، وأعطاه دورًا فى مسرحية «أوديب ملكا».
وللقارئ أن يتخيل نجمه الكوميدى وهو يقف أمام جورج أبيض فى مسرحية تراجيدية جادة، ليقوم أبيض بدور أوديب، بينما يقوم القصرى بدور العراف الأعمى، فيقول أدويب للعراف الذى وصفه بالقاتل «صه يابن الجحيم»، ويأتى الدور على العراف عبدالفتاح القصرى الذى أراد التجويد فرد بصوته وطريقته المميزة «واحسرتااااه أنا تقوللى صه»، فانفجر الجمهور ضحكًا، وارتبك جورج أبيض وغضب بعدما أخرجه القصرى من حالة الاندماج مع الشخصية، فأمر بإغلاق الستار، وانفعل على القصرى فى الكواليس ووصفه بالفاشل وأنه لن يكون ممثلًا أبدًا.
تعجب القصرى لأنه ظن أن ضحك الجمهور معناه نجاحه، فازداد انفعال جورج أبيض وصفع القصرى على وجهه وطرده من المسرح، وصدرت الصحف فى اليوم التالى لتتحدث عن واقعة ضرب جورج أبيض لممثل مبتدئ أفسد العرض المسرحى، واعتقد القصرى أن هذه الصفعة كتبت نهاية مشواره الفنى القصير ولن تقبله أى فرقة مسرحية بعدما انتشرت تفاصيل الواقعة وحكم عليه جورج أبيض بالفشل.
لم يكن القصرى يعلم أن هذه الواقعة ستكون سببًا فى انطلاقه الفنى وسوف ترسم خارطة طريقه ليكون أحد عمالقة الكوميديا الذين لا يتكررون.
فبمجرد أن سمع نجيب الريحانى بأن فنانًا مغمورًا طرده جورج أبيض لأنه أضحك الجمهور بدلًا من أن يبكيه، بحث الريحانى عن هذا المغمور ليضمه إلى فرقته، وبعدما عثر عليه وقع معه عقدًا للعمل فى فرقت، ليتألق القصرى فى فرقة الريحانى ويبدأ مشواره مع النجومية والكوميديا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة