نشرت مجلة «روز اليوسف» عتابا من الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى للكاتب إحسان عبدالقدوس، لأنه لم يعد يرسل إليه كتبه الجديدة، فرد «عبدالقدوس» برسالة، يكشف فيها أسراره، حيث واجهته معركة بسبب روايته «أنف وثلاث عيون»، وسجل فى رسالته غضبه من تخاذل توفيق الحكيم فى هذه المعركة.
كتب «عبد القدوس»، رسالته يوم 4 مارس، مثل هذا اليوم، عام 1966، وظلت ضمن أوراق طه حسين غير المنشورة، حتى نشرها الدكتورعبدالحميد إبراهيم فى كتابه «طه حسين - الوثائق السرية» عن «دار الشروق - 2006»، ثم فى جزئى «أوراق طه حسين ومراسلاته»، عن «دار الكتب والوثائق القومية – القاهرة - 2007»، إشراف ودراسة الدكتور محمد صابر عرب، والدكتور أحمد زكريا الشلق.
استهل «عبد القدوس»رسالته مخاطبا عميد الأدب العربى بالقول: «أستاذى الكبير الدكتور طه حسين.. تحية حب كبير واقتناع بك».. ثم قال: «قرأت فى روزاليوسف كلمة عتاب وجهتها لى، لأننى لا أرسل لك كتبى.. وهو عتاب شرفنى وأفرحنى..والواقع أنه لم تصدر لى كتابة جديدة منذ أكثر من عامين.. وقصتى الأخيرة «أنف وثلاث عيون»، رفضت الدولة التصريح بنشرها فى كتاب إلا بعد أن أحذف منها وأعدل فيها، ورفضت أنا الحذف والتعديل، وبالتالى لم ينشر الكتاب، وليست هذه هى المشكلة، مشكلتى الحقيقية أنى منذ عامين فقدت ثقتى فى نفسى، إلى حد أنى لم أعد مقتنعا بأن لى إنتاجا أدبيا يستحق أن يقرأه أستاذى الكبير طه حسين، ووجدت نفسى صريع أزمة نفسية قاسية أبعدتنى عن الناس، وكل مراكز الحركة، وكل من أحبهم، واكتشفت فى نفسى أنى إنسان ضعيف.. غاية الضعف..بل اقتنعت أنى كنت دائما ومنذ أن ولدت، هذا الإنسان الضعيف، أحمل ضعفى فى داخلى، وأحاول أن أخفيه تحت ستار من العناد الكاذب، والغرور المفتعل، ولم أكن طول عمرى أستطيع أن أهرب من هذا الإحساس بالضعف، إلا عندما أمسك بقلمى وأكتب، ولكن فى السنتين الأخيرتين، أصبحت هذه المعاناة أكبر من أن تحتمل، وأكبر من أن أتغلب عليها، فاستسلمت لضعفى، ولم أكتب خلال هذه الفترة سوى عدد قليل من القصص».
يضيف إحسان متسائلا: «لماذا؟»، و«ماذا حدث لى؟»، ثم يجيب: «ربما كانت هذه الحملة المجهولة الظالمة التى وجهت ضدى وأنا أنشر «أنف وثلاث عيون»، ولم تكن حملة أدبية، ولم يقم بها أدباء، ولا حتى أنصاف أدباء، إنما قام بها بعض كتاب الصحف المشوهين، فى وقت كانت حالة الصحافة تبيح فيه لمثل هذه الأقلام أن تكتب ما تشاء، وكانت الحملة - كما هى العادة - تقوم على اتهامى بالإثارة الجنسية، واحترت ماذا أفعل إزاءها، فالذين يكتبون ليسوا من الشخصيات المحترمة الذين يستحقون الرد عليهم، وما يكتبونه ليس مناقشة موضوعية تستحق أن أشترك فيها إنما هى حملة موجهة إلى شخصى، فلم أجد إلا أن أسكت، ولكن هذا السكوت أطمع فيِ صغار الكتاب، فاشتدت الحملة، ثم أحاطتها ظروف كثيرة انتهت بأن قدم أحد أعضاء مجلس الأمة سؤالا عن القصة إلى الوزير المختص، ولم يكن حضرة النائب أديبا، بل اعترف لى بأنه لم يقرأ القصة أصلا، ولكن قُدمت له بعض فقرات منها.. إنه نائب يسعى لنشر اسمه فى الصحف فقط».
يذكر الكاتب الصحفى رشاد كامل فى مقاله «إحسان يكتب لطه حسين» فى روز اليوسف، 26 يناير 2016، أنه بعد حلقات من نشر «أنف وثلاث عيون»، عام 1964، تحولت إلى قضية ساخنة فى مجلس الأمة «النواب»، ففى 8 يونيو 1964 تقدم النائب عبدالصمد محمد عبدالصمد بسؤال إلى رئيس مجلس الأمة «أنور السادات»، اتهم فيه الرواية بأنها تتضمن إثارة للشباب ومساسا بالآداب العامة، وطالب بوقف نشرها، وألا تصدر فى كتاب أو تمثل فى السينما أو الإذاعة».
يضيف كامل، أن الدكتور عبد القادر حاتم، وزير الإعلام، تحدث فى هذه الجلسة عن علاقة الحكومة بالصحافة والأحكام الدستورية والقانونية التى تحكم نظام الصحافة فى مصر، وعن اقتراح العضو بعدم إذاعة القصة أو تمثيلها، قال حاتم: «اقتراح سابق لأوانه إذ إن القصة لم يتقدم أحد بطلب إذاعتها أو تمثيلها، وسينظر فى أمر إجازتها أو تعديلها أو غير ذلك بما يكفل الصالح العام».
ينقل «كامل» عن كتاب «اعترافات إحسان عبدالقدوس - الحرية والجنس» للكاتب الصحفى محمود مراد: «وقف صاحب السؤال فى آخر صفوف القاعة ليعقب على الوزير»، فقال: «إننى أول من يصفق فى هذا المجلس للسيد نائب رئيس الوزراء عندما يتحدث عن حرية الصحافة، ولكنها لا تعنى حرية الإثارة، وتقدمت بسؤالى بعد ضجيج وانفعال فكرى خوفا على الشباب والمراهقين، ولكى يدلل العضو على رأيه بدأ يقدم دليله بقراءة عبارات مما ورد فى القصة، وضحك الأعضاء وكثرت تعليقاتهم على الأسئلة التى أوردها العضو الذى استمر يقول إن المسألة فاقت كل حد، ثم أهاب بمجلس إدارة روز اليوسف بوقف نشرالقصة»، واستمر إحسان فى البوح بآلامه وموقف توفيق الحكيم.. فماذا قال؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة