وكأننا قطعنا ورقة باهتة من كتب التاريخ تحكي قصة أمير منحوس تتجمع مصائب العالم لتقصده دون غيره، أسطورة من النحس والحظ السيئ والتعثر المتكرر في الحياة الشخصية والسياسية والاجتماعية، هو أمير بالفعل، وقد يحسده الناس على الجاه والحسب والنسب والتشريفات الملكية والشهرة الفائقة والجلوس في قاعات التاريخ الكبرى لدولة من أكبر دول العالم، للمملكة التي كانت لا تغرب الشمس عنها، لكن الحياة لا تقاس بهذا المقياس أبدًا، فكل إنسان يرغب دائمًا بالزيادة، وكل مرحلة يصل إليها الإنسان يحلم بعدها بما يتبعها، وكل خطوة يقطعها الإنسان يحلم بأن يتجاوزها إلى ما بعد ذلك، لكن - وبكل أسف - كل خطوة في حياة هذا الأمير تجره إلى الوراء، وكل مرحلة يصل إليها ترسله إلى المرحلة السابقة.
الملكة إليزابيث الثانية أثناء تتويجها مع الأمير فيليلب
هو الأمير تشارلز فليب آرثر جورج ولي العهد الأطول بقاء في هذا المنصب، والذي أعلن اليوم إصابته بفيروس كورونا المستجد، إلى الآن غير معلوم من أين أصيب؟ أو كيف أصيب؟ أو من الذي نقل إليه العدوى؟ لكن الأمر بات مؤكدًا اليوم بعد أن تناقلت وسائل الإعلام البريطانية هذا الخبر، فيما أعلن مكتب الأمير تشارلز، الأربعاء، إصابة وريث العرش البريطاني بفيروس كورونا، مشيرًا إلى أنه خضع للاختبار وقد جاءت النتيجة إيجابية.
الأعراض ما زالت خفيفة، لكن الإصابة مؤكدة، هذا مضمون تصريح متحدث باسم قصر "كلارنس هاوس" المقر الرسمي لإقامة تشارلز وأضاف أن الأمير وزوجته في الحجر الذاتي في منزلهما في اسكتلندا، وقد خضعت زوجته دوقة كورنوال للاختبار أيضًا للتأكد من عدم إصابتها بالفيروس المستجد، وقد جاءت النتائج سلبية.
الامير تشارلز وزوجته كاميلا
فيروس كورونا المستجد اختار الأمير "تشارلز" أمير ويلز وحده دون غيره ليصيبه من بين العائلة الذهبية الأشهر في التاريخ، فأمه الملكة إليزابيث الثانية 93 عامًا الكائنة بقصر باكنجهام، ما زالت قابعة خلف جدران قصرها العتيق، تراقب الجميع مختفية عن الأنظار، دون إصابة، وزوجته التي تشاركه السرير وتصاحبه في الكثير من تنقلاته اليومية، جاءت نتيجة فحوصاتها سلبية، ولم نسمع شيئًا عن إصابة أبنائه أو المحيطين به، وحده الأمير تشارلز الذي أصيب، برغم أنه كان يعمل من المنزل حسبما نشر، وأنه كان معزولا في الفترة الأخيرة عن الجميع، وبرغم أنه ظهر في أكثر من تسجيل مصور وهو يتجنب مصافحة الناس بحركات مرحة ظهرت وكأنها تشجيع للجميع بتجنب المصافحة.
تتويج الأمير تشارلز بقلب أمير ويلز
أيقونة للنحس فهو الأمير الذي يبلغ من العمر 72 عامًا وما زال أميرًا كما هو منذ 62 عامًا، وتخيل معي أن هناك شخصًا يجلس على ذات المقعد من 62 عامًا، ينتظر أن ينادي القدر على اسمه، لكنه لم يفعل، وتخيل معي شعور هذا الابن تجاه أمه التي تقف أمام استحقاقه الشرعي، لأكثر من ستة عقود، وهو قد بلغ من العمر أرزله، وهي وقد اقترب عمرها من القرن.
صورة للأميرة إليزابيث وهي بالزي العسكري في شرفة قصر باكنجهام مع والدتها الملكة إليزابيث وونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني، والملك جورج السادس والأميرة مارجريت في 8 مايو 1945م
حظ الأمير تشارلز العاثر هو الذي جعله ابنًا لهذه الأم التاريخية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فهي الأطول بقاء في الحكم من بين كل ملوك بريطانيا، ليس هذا فحسب، بل تحتل الملكة إليزابيث الثانية الترتيب الرابع بين ملوك العالم أجمع من بين من جلسوا على العرش، فأمامها الملك لويس الرابع عشر ملك فرنسا الذي حكم لمدة 72 عامًا و110 يومًا، وأمامها ملك تايلاند بوميبول أدولياديج الذى حكم لمدة 70 عامًا و126 يومًا، وأمامها الملك جوهان الثانى ملك ليختنشتاين، وقد حكم بلاده لمدة 70 عامًا و91 يومًا، بينما هي تقف بأعوامها الـ 93، بـ 68 عاما فحسب.
تشارلز صاحب أطول لقب وريث العرش
نعم هو أمير وأمه ملكه، لكن هذا لم يمنعه من أن يعيش طفولة بائسة، فقد انتهجت العائلة المالكة نهجًا جديدًا في تربيتها للأبناء على حظه، فلم ينل "تشارلز" تعليمه كالمعتاد مع أبناء العائلة المالكة في القصر الملكي، لكنه تلقاه كفرد عادي في بريطانيا في المدارس، ففي عام 1955 قام قصر كلارنس بإعلان أن تشارلز لن يتلقى تعليمه في المنزل بل في مدرسة ما يجعله أول ولي عهد يتلقى تعليمه خارج القصر الملكي، وتلقى تعليمه أولاً في مدرسة Hill House School في غرب لندن ولم يحصل على أي معاملة خاصة، وتخيل معي هذا الابن الخارج للتو من الشرنقة كيف يتفاعل مع هذا العالم المحيط، وهو فأر التجارب الأول في عملية إخراج أبناء الملوك إلى الهواء الطلق.
الأمير تشارلز مع الملكة إليزابيث
من حيث الشعبية في الأسرة المالكة يأتي الملك تشارلز أيضًا في مراتب متأخرة، فالشعبية الأكبر بالطبع للملكة الأم التي صارت رمزًا في تاريخ المملكة المتحدة مثل الأهرامات في مصر وبرج إيفل في فرنسا وتمثال الحرية في أمريكا، فقد ولدت أجيال في ظل حكمها، وماتت أجيال في ظل حكمها، واستقلت شعوب، وانضمت شعوب، قامت حروب، وانطفأت ثورات، هي هي شاهدة على كل شيء، وهي هي، صامدة برغم كل شيء، نعم لا يحكم القصر الملكي بريطانيا، لكنه برغم كل شيء، يملك كل شيء، والملكة في رمزيتها أهم عند البريطانيين من أي شيء آخر، بل أن جميع البريطانيين يتفاخرون بأنه "يحلمون بالملكة الأم" فحكمة الزمن وقدسيته أبلغ من كل الأحكام، ولو كان الزمان غير الزمان، ولو كان الوعي غير الوعي لأصبحت تلك الملكة "أسطورة" للعمر المديد، ولقدسها شعبها ظنا منهم أنها "خالدة" وكيف لا تخلد وهي التي أفنت الجميع بينما ظلت هي.
الأمير تشارلز والأميرة ديانا
حظة المريض أيضًا جعله يتزوج من فتاة "شعبية" طغى سحرها على العالمين، فقد أزاحت الأميرة ديانا كل ما وقف أمامها في حياتها بمزيد من الحب والسحر والألق، طوفان جارف من المحبة ينبع من عينيها، شعوب من الجاذبية تتوالد من طلتها الفاتنة، أريج وضياء وفتنة، شغلت الدنيا وملكت الناس سواء في ارتباطها بالعائلة المالكة، أو في انفصالها عنها، وقد تجسد حظه السيء الملعون في أن تتركه أميرة القلوب وتفضل عليه رجل الأعمال المصري الأصل "دودي الفايد" ابن الملياردير "محمد الفايد" ثم كانت الطامة الكبرى في وفاة أميرة القلوب في حادث مأساوي، لتتحول إلى أسطورة حية، وينال "تشالز" نصيبه المعتاد من اللعنات.
الأمير تشارلز مع أبنائه
أبناء تشارلز أيضًا، أكثر منه شعبية، ويليام وهاري، يحظيان بمحبة كبيرة من جانب الشعب البريطاني، لأنهما أبناء لأميرة القلوب، ولأنهما استوعبا الدرس جيدًا، فويليام الابن الأكبر يعمل في صمت متجنبا المزيد من الضوضاء راغبا في عمل الخير فحسب وزوجته كيت يبدو وكأنها تتخذ من الأميرة ديانا قدوة لها، أما هاري فقد طلق العائلة المالكة بالتلاتة فارا من القفص الذهبي إلى الأبد، وخوفا من لعنة أبيه.
زفاف الامير وليام على كيت
زفاف الامير هارى على ميجان ماركل
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة