الواقع يؤكد أن هناك مصلحة محل الحماية في جريمة الرشوة، بحيث يحمى المشرع بتجريمه للرشوة المصلحة عامة بشكل مباشر، فجريمة الرشوة من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة، هذه المصلحة هي حسن سير الوظيفة العامة، ويتعرض أداء الوظيفة اليومي للأخطار إن لم يكن للإضرار، إذا لجأ الموظف إلى الإتجار بعمله للحصول على فائدة معينة.
ماهية الرشوة
والرشوة في حقيقة الأمر هي الإتجار بأعمال الوظيفة من قبل الموظف، بتحويلها إلى سلعة تباع وتشترى، وبناء على ذلك هي علاقة تستلزم وجود شخصين، مرتشي وهو الموظف الذي يقبل أو يطلب مقابلاً لقيامه بعمل أو امتناعه عن عمل من أعمال وظيفته، وراشي وهو صاحب المصلحة الذي يقبل طلب الموظف للرشوة أو يعرضها فيقبلها الموظف.
مصطلحات الرشوة
وأحياناَ يمتنع الموظف عن القيام بعمله مادام أنه لم يحصل على الفائدة التي قدّرها لكي يقوم بواجبه، بل إن الموظف - في بعض الحالات - قد يقدم على مخالفة واجبات وظيفته طمعا في مغنم معين يجنيه من صاحب الحاجة، وهو الأمر السائد في كثير من الأماكن عند قضاء أي عمل أو مصلحة تذكر، حيث تحول الوضع لمصطلحات أصبح متعارف عليها مثل: "العطية، والهدية، والمكافأة، والإكرامية".
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية تشغل بال الملايين عند قضاء مصالحهم سواء من الناحية القانونية أو من الناحية الشرعية والمتمثل في معيار التمييز بين جريمتي الرشوة و"المكافأة اللاحقة" بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل "العطية" – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض محمد صادق.
ثغرة الرشوة والمكافأة اللاحقة
في البداية – علينا أن نعلم أن الرأي الشرعي لكل هذه المفاهيم السابق ذكرها يؤدى إلى نتيجة "الرشوة"، ولذلك فهي "حرام شرعا"، بينما معيار التمييز بين جريمتي "الرشوة" و"المكافأة اللاحقة" هو زمن توافر الاتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل "العطية"، فإن تحقق الاتفاق قبل أداء العمل كنا حيال رشوة طبقا للمادة 103 من قانون العقوبات، وإن لم يتحقق الاتفاق ولكن أدي الموظف العمل الوظيفي ثم قبل وآخذ عطية لقاء ذلك كنا حيال مكافأة لاحقة طبقا للمادة 105 من ذات القانون – الكلام لـ "صادق".
العقوبات في جريمتي الرشوة والمكافأة اللاحقة.. ويعتبرها البعض ثغرة
أنه لما كانت المادة 103 من قانون العقوبات تنص على أن: "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به"، كما تنص المادة 105 منه على أن: "كل موظف عمومي قبل من شخص أدى له عملاً من أعمال وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها أو أخل بواجباتها هدية أو عطية بعد تمام ذلك العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته بقصد المكافأة على ذلك وبغير اتفاق سابق يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد عن خمسمائة جنيه".
معيار الاتفاق بين الجريمتين
ومفاد هذين النصين السابق ذكرهما أنه إذا توافر "اتفاق" بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل انطبقت المادة 103 من قانون العقوبات يستوي في ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو لاحقاً عليه ما دام أداء العمل كان تنفيذاً لاتفاق سابق، إذ أن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة منذ البداية، بينما إذا كان أداء العمل - أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة - غير مسبوق باتفاق بين الراشي والمرتشي فإن العطاء اللاحق في هذه الحالة تنطبق عليه المادة 105 من قانون العقوبات، وذلك طبقا للطعن رقم 6578 لسنة 53 جلسة 1984/03/13، وهذا القضاء صحيح وتبدوا أهميته في التالي:
1-تحديد تاريخ ارتكاب الجريمة.
2-اعفاء مقدم المكافأة من العقاب إذا اعترف بالجريمة.
اعتراف مقدم المكافأة
إذ طالما كنا إزاء مكافأة لاحقة فإن الجريمة لا تقع إلا بأخذ الموظف المكافأة، أما قبل ذلك فلا جريمة وبالتالي فإن صدور الإذن بضبط وتفتيش الموظف حالة اخذه المكافأة من صاحب الحاجة هو إذن باطل لصدوره عن جريمة مستقبلية، حيث أن اعتراف مقدم المكافأة بتقديم العطية للموظف نظير ما أنجزه من عمل لا يعفيه من العقاب ذلك أن الإعفاء قاصر علي الرشوة التقليدية باعتبارها إتجار موظف بأعمال وظيفته لقاء عطيه، أما في المكافأة فلا اتجار بأعمال الوظيفة إذ لا اتفاق سابق علي أداء العمل مقابل العطية أو الجعل ومن ثم لا إعفاء من العقاب فيها.
تصدى دار الإفتاء للمصطلحين
يشار إلى أن دار الإفتاء المصرية تتصدى لمثل هذا السؤال بشكل دائم حيث أفتت بأن الرشوة قد عرفها - ابن حزم رحمه الله - في المحلى بقوله: "هي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل، أو ليولي ولاية، أو ليظلم له إنسان"، وعرفها السبكي في الفتاوى بقوله: "ما يعطى لدفع حق أو لتحصيل باطل"، وقال بدر الدين الزركشي في كتابه المنثور في القواعد: "الرشوة أخذ المال ليحق به الباطل أو يبطل الحق، فأما إذا كان مظلوماً فبذل لمن يتوسط له عند السلطان في خلاصه وستره فليس ذلك بإرشاء حرام، بل جعالة مباحة".
والإكرامية إذا كان ينطبق عليها شيء من التعريفات السابقة، بأن كانت مالا أعطي لتحقيق باطل أو إبطال حق، فهي الرشوة بعينها، ولا عبرة بتغيير اسمها، وإن كانت شيئاً يهديه المرء إلى صديقه أو قريبه ونحوهما، فإنها تكون هدية، وقد رغب فيها الشارع الحكيم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والبيهقي من حديث أبي هريرة بسند جيد.
وإن كانت مالا يعطيه المرء ليتوصل به إلى حقه، حيث لم يتمكن من تحصيل حقه بدونها، فإنها في حق الآخذ تكون رشوة حراماً، وفي حق المعطي مباحة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة