مما لا شك فيه أن المحافظة على السرية وعدم خرقها أو الخروج عليها أمر محبب إلى النفوس، فجميع الأديان السماوية تحث على الأمانة التي تقتضي حسن الخلق الذى يدعو صاحبه إلى الرحمة، حيث أن السر يتصل اتصالاَ وثيقاَ بالحياة الخاصة، ويمثل جانباَ من جوانب الحرية الشخصية التي أكدت عليها دساتير العالم، وعلى رأسها الدستور المصري.
فكل فرد له الحق أن يحتفظ بأسراره في مكونات ضميره، وله إن شاء أن يدلى بها أو ببعضها إلى من يثق به، ويتعين كتمان السر لمن عهد إليه، ومن يدلى إلى الغير بسره لمنفعته أو منفعة شخص آخر يُعد مخالفا لصحيح القانون، إلا أن وسائل الاتصال عبر شبكة الإنترنت، مكنت الناس في كافة أنحاء المعمورة من التواصل فيما بينهم صوت وصورة ورسائل مكتوبة.
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية يعاني منها الملايين، ليس في مصر فقط بل في العالم أجمع، نتيجة التطور التكنولوجي والمعلوماتي على مستوى العالم، ألا وهي إشكالية إفشاء سرية رسائل الماسنجر الخاصة من أحد أطرافها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي باتت بسببها المحاكم المصرية مكتظة بملايين القضايا، وذلك على الرغم من حرص دستور 2014 في المادتين 75 و58 على حماية وسائل الاتصال بكافة أنواعها، وحظر المساس بسرية الرسائل الاليكترونية إلا بضوابط صارمة – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر فاروق الأمير.
لا شك من الناحية القانونية والعملية في أن من حق الإنسان أن يحيا حياته الخاصة بمنأى عن العلانية، فالحق في الحياة الخاصة كما عبرت عنه محكمة النقض الفرنسية قطعة غالية من كيان الإنسان، الذي قد يري أن يبوح بمكنون نفسه لمن يأنس إليه دون حرج أو خوف من أن يكشف أسراره ويفضح خصوصياته، وقد حرص دستور 2014 في المادتين 75 و 58 على حماية وسائل الاتصال بكافة أنواعها وحظر المساس بسرية الرسائل الاليكترونية إلا بضوابط صارمة، بيد انه قد يتصادق طرفان على مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدأ كلاهما في مراسلة الآخر عن طريق رسائل الماسنجر - التي تتمتع بالخصوصية - فيفضي أحدهما للآخر ببعض أسرار حياته – وفقا لـ"الأمير".
الأمر يزداد تعقيداَ إذا كانت الصداقة بين رجل وأنثي، فيفصح أحدهما للآخر عن مشاعر الحب تجاهه صراحتا أو ضمنا، من خلال رموز أو صور أو حتى أغاني، وقد يبادله الطرف الآخر ذات المشاعر، إما صراحة أو تلميحا بالسكوت، ولكن بمجرد أن ينشأ خلاف بينهما، يندفع كل طرف إلى فضح الآخر من خلال إطلاع الغير على الرسائل المرسلة إليه من الطرف الآخر، بغية التشهير به، بل إنه في بعض الأحيان يحيك أحد الأطراف للآخر خطة الإيقاع به، فيظهر محبته للآخر حتي يقع في شباكه، فيحصل منه على أسرار خاصة ثم يحاول ابتزازه، وهذا الأمر أدى إلى وصول العديد من الوقائع إلى ساحات المحاكم.
الجريمة فى القضاء الفرنسى
ولقد عرضت العديد من القضايا على القضاء الفرنسي والأمريكي واتخذت المحاكم موقفا صارما إزائها وصحيحا كذلك، إذ دمغت مسلك المفشي بعدم المشروعية، ووصفته بأنه شخص "خائن للثقة والأمانة"، وأضافة بعض المحاكم أن المفشى شخص خرب الذمة معتل الضمير تصيد ضعف صديقه، وما يمر به من ضيق وأوهمه بحبه كي يأمن جانبه، فيكشف له عما يجول بخاطره ويعترف له بمشاعره نحوه، ثم يقول له: "لقد وقعت سيدي في الفخ، أيها الناس اقرأوا كتابته انظروا رسائله".
مثال فى إيطاليا
ولقد حدث في إيطاليا أن فتاة صادقت أحد الشخصيات العامة على الماسنجر، ولمحت له بحبها واستدرجته من خلال الخاص، حتي بادلها الحب ووثق فيها، وكشف لها عن صفقات مشبوهة أجراها بمساعدة بعض كبار موظفي الدولة، فقامت المذكورة بإرسال هذه الرسائل إلى إحدى الصحف والتي قامت بنشرها، وقدم الشخص ورفاقه إلي المحكمة بناء علي هذه الرسائل، إلا أن المحكمة قضت ببراءته، وحث جهة الاتهام علي توجيه جريمة إفشاء الأسرار إلى الفتاة التي حكم عليها فيما بعد بالسجن.
ورفضت المحكمة دفاع الفتاة بأن تلك الرسائل ملكها ومن حقها نشرها وإطلاع الغير عليها، وأسست المحكمة الرفض على أن الرسائل المتبادلة بين طرفين على الماسنجر أو الواتس أب ملك لطرفيها، ولا يحق لأي طرف دون موافقة الآخر أن يطلع عليها الغير وإلا وقع تحت طائلة القانون، وهذا قضاء سليم إذ من غشنا ليس منا، ومن سوء الخلق والغش كشف الأسرار.
يقع تحت طائلة التشهير والسب والقذف
المشرع المصري تصدى لمثل تلك الوقائع الخاصة بإفشاء الأسرار ونشر الصور والفيديوهات الخاصة بالغير على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث توضح مواد قانون العقوبات، قانونية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن نشر الصور والفيديوهات الخاصة بالغير دون الحصول على موافقة منهم يقع تحت بند السب والقذف والتشهير بقانون العقوبات، إضافة إلى جريمة أخرى وهي فى حال نشر أحد الطرفين صورة تجمعهما معًا، فهذه تعد جريمة انتهاك حرمة وخصوصية الغير، وذلك وفقًا لقانون العقوبات المصري.
وتعتبر الاتهامات التي يمكن أن توجه لمرتادي مواقع التواصل الاجتماعي – على سبيل المثال لا الحصر - هى السب والقذف ونشر الأخبار الكاذبة، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة وازدراء الأديان والإضرار بسمعة البلاد، ويعتبرك القانون مسئولاً عن صفحتك الشخصية لذا أنت تتحمل كامل المسئولية القانونية عن محتوياتها.
تصدى قانون العقوبات للأزمة
وجرائم النشر تخضع لمواد قانون العقوبات المادة 102 والمواد من 171 حتى المادة 191 وتكون عقوبتها الحبس والغرامة، وأشارت إلى أنه إذا قمت بنشر ما يعد مخالفًا للقانون مثل "السب والقذف، التحريض على العنف، انتهاك حرمة الحياة الخاصة، أو غيرها مما يدخل فى نطاق جرائم النشر"، فأنت تضع نفسك تحت طائلة القانون، وإذا ما قام صاحب الشأن أو المصلحة بالإبلاغ عما يراه جريمة نشر، فيحق للنيابة العامة حينما تتيقن عبر الأجهزة القضائية المعاونة لها من مسئوليتك عن هذا المنشور محل الخلاف، وترى بها ما يخالف القانون أن تحيل الواقعة للقضاء ليحكم بما قرره القانون عقابا لهذه الجريمة.
حالتان فقط لا يجرمك فيها القانون
والحالة الوحيدة التى لا يجرمك القانون، مهما كان ما تنشره، لو كنت تنشر فى جروب مغلق أو لدائرة الأصدقاء فقط، ما لم يكن ما كتبته ضد أحد المشاركين في هذا الجروب أو أحد الذين تضمهم الدائرة المغلقة للأصدقاء، أما إذا قمت بمشاركة منشور ما - تحديث حالة، رابط، صورة،..إلخ" دون وجود أى تعليق عليه أو إضافة من قبلك يؤيد أو يحبذ ما قمت بمشاركته، فى هذه الحالة لا عقاب عليك، لأن العقوبة الجنائية لا تبنى على الظن أو بناء على تفسير بعينه ضمن تفسيرات متعددة لأن الخبر منشور بالفعل.
الحالة الثانية، أن تقوم بمشاركة منشور ما "تحديث حالة، رابط، صورة،..إلخ" وبجانبه تكتب تعليق أى كلمات تفيد تأييدك أو تحبيذك لما تضمنه الخبر أو الصورة، فأنت مشارك لصاحب الخبر أو الصورة فى جريمة النشر، ويعتبر إعادة نشر مواد تم تجريم نشرها أو تحظرها، فى هذه الحالة يمكن الرجوع عليك قانونا.
أما فيما يتعلق بالرسائل الخاصة فهناك ثلاثة حالات:
1- فى حالة الرسائل التى ترسلها لمستخدم أو صديق، لا يوجد ما تٌعاقب عليه قانونا، حيث أنه لا يتوفر شرط العلانية في النشر، لكن إذا وجهت إساءة لهذا الصديق، فمن حقه الرجوع عليك قانونا بتلك الرسائل.
2- إذا قمت بإرسال الرسالة لعدد كبير من المستخدمين وشتمت أحدهم فى ذلك يمكن أن يكون سببًا فى محاكمتك بسبب الرسالة.
هل هناك جريمة بالنسبة للتعليقات؟
أما ما يتعلق بالتعليقات، إذا كان هناك تعليق من قِبل أحد أصدقائك أو أحد المستخدمين على أحد منشوراتك، فالمسئولية القانونية تقع على صاحب التعليق وليس عليك، وهو ما ينطبق أيضًا على التعليقات التى تصدر منك على منشورات الآخرين، وحدد القانون، أنه لا يحق لأي جهة أن تجبرك على إفشاء اسم المستخدم وكلمة المرور الخاصة بك، وإذا تم إكراهك على إفشاءها فإن كل الإجراءات المترتبة على ذلك باطلة ولا يتم الأخذ بها فى المحكمة، كما أنه يمكن معاقبة شخص على نشر الصور إذا كانت هذه الصورة تُعد إساءة لأشخاص أو تنتهك حرمة الحياة الخاصة، أو تحتوى على معلومات أو أخبار كاذبة، او مفبركة وتمثل اساءة لصاحبها.
كيفية الالتزام بعملية النشر عبر مواقع التواصل
ولتحمى نفسك أثناء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لابد من الالتزام بالموضوعية والمصداقية فيما تنشره، فهما الضامن الأساسي لك من الملاحقة القانونية، لأن الموضوعية والمصداقية تعنى عدم التجريح أو التحريض أو السب والقذف أو نشر الأخبار الكاذبة، أى إنهما مضاد للوقوع فى جرائم النشر فلا تنشر الأمور التي تشك فى صدقها أو الأخبار التى لا تثق فى صدقها فى صيغة تساؤل أو استفسار إلا إذا كان لها مصدر، ويفضل أن تنشر رابط المصدر، حيث أن ذكر المصدر لأى خبر أو موضوع تنشره، قد يتضمن مخالفة للقانون أو يحتوى على أمر لا تثق به، فذكر المصدر – مثل رابط لمقال أو خبر أو صورة - يلقى بالمسئولية على الناشر الأصلي وليس عليك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة