استمر اجتماع «هيئة النظام» فى الاتحاد الاشتراكى العربى «التنظيم السياسى الوحيد» فى مصر ثلاث ساعات متواصلة.. وقررت إسقاط عضوية 64، حسبما نشرت الصحف الثلاث «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية» يوم 4 فبراير، مثل هذا اليوم، عام 1973، ووفقا للدكتور غالى شكرى فى كتابه «الثورة المضادة فى مصر»: «كان المفصولون من ألمع الكتاب والصحفيين المصريين والعرب، ويكفى أن منهم أسماء مثل، الدكتور لويس عوض، محمد عودة، أحمد بهاء الدين، لطفى الخولى، يوسف إدريس، الفريد فرج، ميشيل كامل، وآخرين من شعراء وفنانين تشكيليين وأدباء»..يؤكد: «توسعت القائمة فيما بعد ليصل العدد الى 111 كاتبا وصحفيا من صفوة العمل الفكرى والأدبى والفنى فى مصر».
جاء القرار بسبب البيان الذى كتبه توفيق الحكيم ووقع عليه هو ونجيب محفوظ، و111 آخرين من الكتاب والمثقفين المصريين، ونشرته جريدة الأنوار اللبنانية يوم 9 يناير 1973، وينتقد السادات بسبب عدم وضوح الموقف من الحرب ضد إسرائيل لاستعادة الأرض المحتلة، ويؤيد مطالب طلاب الجامعات فى مظاهراتهم، وأطلق السادات وصفه لتوفيق الحكيم بـ«الرجل المخرف»،حسبما يؤكد أحمد بهاء الدين فى كتابه «محاوراتى مع السادات».
يوضح غالى شكرى، أنه من المفارقات الساخرة أن كل الذين تم فصلهم لم يكونوا من الأصل أعضاء فى الاتحاد الاشتراكى، غير أنه وبمقتضى القانون كان إسقاط عضوية هؤلاء من الاتحاد الاشتراكى يعنى إسقاط عضويتهم من نقابة الصحفيين، وحرمانهم من ممارسة العمل الصحفى، وعلى أثر ذلك تقرر أن يتم إحالة هذه الأسماء الى المعاش، والمحظوظ منها تم نقله إلى الهيئة العامة للاستعلامات».. يتذكر نجيب محفوظ فى مذكراته لرجاء النقاش: «نشرت الصحف أسماء هؤلاء الممنوعين، وتم منع توفيق الحكيم وأنا، على الرغم من عدم نشر اسمينا فى قائمة الممنوعين من الصحف».
تكونت «هيئة النظام» التى أصدرت قرارات الفصل من حافظ بدوى «رئيس مجلس الشعب فيما بعد».. ووفقا لغالى شكرى: «كان بدوى محاميا فى الأرياف، ناظما للشعر الردىء،حافظا للقرآن»، كما ضمت «محمد حامد محمود ،وأحمد عبدالآخر، وأحمد كمال أبوالمجد، ويوسف مكادى، ومحمد إسماعيل عثمان».
كان أحمد بهاء الدين نقيبا للصحفيين ورئيسا منتخبا لاتحاد الصحفيين العرب وقت هذه الأزمة، ويذكر تفاصيلها فى«محاوراتى مع السادات»: «بدأت الصحف تنشر الأسماء على دفعات مع قرارات بنقلهم من الصحف إلى مصلحة الاستعلامات،ولم يكن هذا فى رأيى هو المهم، ولكن الذى آلمنى حقا أن الصحف كانت تنشر أسماء أبرز وألمع كتابنا مقرونة بصفات العملاء والخونة وما إلى ذلك من صفات».. ويكشف: «علمنا تفاصيل ما دار في”لجنة النظام”فى الاتحاد الاشتراكى التى كانت ترسل لها الكشوف من الرئاسة لتصدر قرارات الطرد، وكيف كانوا يتحدثون عن المطرودين ويقسمونهم إلى فصائل وأنواع سياسية وأخلاقية غريبة، كما روى لى عضو اللجنة الوزير الأسبق الدكتور كمال أبوالمجد فيما بعد، وكان قد بذل أقصى جهده داخل اللجنة لتقويم هذا الأسلوب، ولكن رئيس اللجنة محمد عثمان إسماعيل «محافظ أسيوط بعد ذلك وأقرب المقربين للسادات» كان ينهى كل جدل بأن هذه أوامر الرئيس شخصيا».
يكشف «بهاء» سر إحالته إلى «الاستعلامات» بالرغم من عدم توقيعه على بيان الحكيم لمرضه، لكن أعلن تأييده لما جاء فيه.. يقول بهاء: «ذهبت إلى الأستاذ محمد حسنين هيكل، وقلت له من المستحيل أن يحدث هذا دون أن يصدر عنا أى صوت بالاحتجاج، وقال لى هيكل: ألا تعرف أن هناك رقابة على الصحف؟ وأين الرقيب الذى سيسمح بنشر احتجاجاتك؟..قلت له: أنا لاأريد أن أتخذ موقفا بطوليا ويشطبه الرقيب، ولكننى أريد أن أكتب مقالا عقلانيا وهادئا جدا، فيه معنى الاحتجاج، ولكن فيه أساسا فتح باب لتضميد الجراح».
يؤكد بهاء: «قال لى هيكل اكتب كما تريد وسنرى رد فعل الرقيب»..يضيف: «كتبت مقالا بعنوان محايد هو«بدلا من العنف المتبادل».. ويذكر أنه كان مسافرا فى الساعة الخامسة صباحا إلى لندن لإلقاء ثلاث محاضرات فى كلية «سانت أنطون» بجامعة أكسفورد، ولكن فى الساعة الحادية عشرة ليلا، وأثناء تجهيز حقائبه دق الباب، ووجد هيكل واثنين من الزملاء.. يضيف بهاء،أن هيكل أبلغه خبرا على دفعتين، أولا أن الرقيب شطب مقاله، وبعد قليل قال له إن الرئيس السادات قرر نقله إلى هيئة الاستعلامات..يؤكد بهاء أن رد فعله الأول كان اتصاله بالمطار لإلغاء سفره، وقال لهيكل إنه لن يقوم بالإجراء الشكلى وهو التوقيع على إقرار تسمله العمل فى هيئة الاستعلامات،وسيعتبر نفسه مفصولا.
يتذكر بهاء أنه عرف فيما بعد من عبدالقادر حاتم وزير الإعلام وقت هذه الأزمة، أن الرقيب قرأ له المقال على التليفون، فاتصل هو بالسادات، وقرأ له الفقرات الهامة فى المقال، فرد عليه منفعلا:أ شطب المقال كله،وبعد خمس دقائق طلبه الرئيس وقال له غاضبا: هل شطبت المقال؟.طيب وانقله هو أيضا إلى الاستعلامات».
وتواصل رد الفعل على الحدث
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة