دائماً تكون المقاهى مصدراً للضجيج، خاصة أنها لجلسات المساء وقضاء وقت الفراغ، ومشاهدة مباريات كرة القدم، وهناك من يجلس يمارس لعبة "الدومينو والطاولة"، لكن فى تلك المقهى الصمت يخيم على أرجاء المكان والتعامل مع مقدم الطلبات والزبائن يكون بالإشارة، لأنها مقهى الصم والبكم الموجودة بمدينة قنا أمام منطقة الكورنيش، والمعروفة بـ"مقهى وادى النيل"، فأصحابها من الصم.
فقد تخصص هذا المقهى لاستقبال الزبائن من الصم والبكم، بشكل أساسى، حيث يشعر هؤلاء بالارتياح للحديث فيما بينهم وللمعاملة الخاصة التى تقدم لهم، كما أنها متاحة أيضاً لغير الصم بالجلوس أيضاً لكن النقاشات الموجودة فى ذلك المكان يخيم عليها لغة الإشارة، فالزبائن يجلسون للتسامر والحديث فيما بينهم عن حياتهم اليومية، وعندما تجلس بينهم تجد الحديث بلغة الإشارة ولا يستطيع أحد فهم ما يدور فيما بينهم.
لا تختلف نشاطات مقهى الصم والبكم فى محافظة قنا عن غيرها من بقية المقاهى العامة الأخرى، فروادها كغيرهم يمارسون لعبة طاولة الزهر والدومينو، ويتناولون المشروبات الساخنة والباردة مثل الشاى والقهوة والسحلب، إلى جانب تدخين الشيشة "السلوم والقص والفواكه" والتى تعتبر جزءًا من الشخصية الشعبية فى المقاهى، أصحاب المقهى أثبتوا للجميع أن الصم قادرون على الاندماج فى المجتمع والتواصل مع المواطنين الأسوياء، خاصة أن بعض الأشخاص العاديين يجلسون فى ذلك المكان، ويضرون للتعامل بالإشارة مع مقدم الطلبات من الصم ويجدون استجابة سريعة.
الأمر لا يقتصر على الزبائن الصم، فهناك تعاون مع عمال المقهى على تبسيط لغة الإشارة التى يستخدمونها فيما بينهم، من أجل فهم الطلبات والرغبات من رواد المقهى، بينما يجدوا سهولة مع أقرانهم من الصم، فأغلب الجالسين فى المقهى من البكم.
صاحب المقهى مصطفى خيرت يقول: "من رحم الشدة تولد الفكرة، وكان لدى إيمان وأمل فى تحقيق حلم افتتاح مقهى لأصحاب الهمم "الصم والبكم" ويكون العاملون فيها من الصم والبكم، ويتواصل مع الزبائن عن طريق لغة الإشارة، ولكن أصحابنا أصح المكان المفضل لهم خاصة أن الأشخاص الذين يتعاملون معهم من الصم.
وأضاف، أن الصم يمثلون فئة كبيرة فى مصر، وأنهم كانوا يلتقون فى عدة مقاهى بقنا، وبمجرد أن تم الافتتاح فى حضور جمع كبير من الصم والأشخاص العاديين تحولت المقهى إلى مقصد يقصده صمٌ من قرى ومدن مختلفة، يلتقون بعضهم البعض فى ذلك المكان، فضلاً عن أنهم يشعرون بأن المقهى بيتهم، وكل ما يتمنونه الاندماج مع المجتمع المحيط بهم، ويثبتون قدرتهم على النجاح وتحقيق الذات، خاصة أن المقهى أصبحت قبلة وروادها أغلبهم من الصم، وهناك من غير الصم يجلسون عليها.
وتابع: "قمنا بعمل بطباعة بعض الورق التى تحتوى على إشارة ووضعناها بكافة المقاعد، وهى عبارة عن ترجمة بسيطة إلى لغة الإشارة بالحروف، ليستطيع الزبون التواصل من خلالها إذا وجد صعوبة فى التواصل مع مقدم المشروبات والصم والبكم، فئة فى المجتمع يجب أن تندمج فى المجتمع، وأنّ كثيراً من الصم والبكم يتمنون لو أن الدولة توفر لهم أماكن مخصصة فى كل جوانب الحياة، نظرًا إلى ما يكابدونه من مشقة فى التعامل مع بقية فئات المجتمع، خاصة أن غياب لغة تواصل بين الجانبين تؤثر عليهم بشكل كبير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة