بدأ الأقباط، أمس الاثنين، صوم يونان، الذى تبلغ مدته ثلاثة أيام ويختتم غدًا الأربعاء، ينقطع فيهم الأقباط عن الطعام تمامًا بدءًا من منتصف الليل حتى الغروب، ولهذا الصوم قصة ذكرها الكتاب المقدس وطقوس خاصة تفسر معناه.
يذكر سفر يونان "وَأَمَّا الرَّبُّ فَأَعَدَّ حُوتًا عَظِيمًا لِيَبْتَلِعَ يُونَانَ. فَكَانَ يُونَانُ فِى جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال"، وفى كتابه عن النبى يونان يقول البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية الراحل: "أن يونان نبيا كلفه الله بالذهاب إلى نينوى، والمناداة بهلاكها وكانت نينوى عاصمة كبيرة فيها آلاف من البشر ولكنها كانت أممية وجاهلة وخاطئة جدا وتستحق الهلاك فعلا".
ولكن يونان أخذ يفكر فى الموضوع: سأنادى على المدينة بالهلاك ثم تتوب ويتراءف الله عليها فلا تهلك ثم تسقط كلمتى ويكون الله قد ضيع كرامتى على مذبح رحمته ومغفرته، فالأفضل أن أبعد عن طريقه المضيع للكرامة، وهكذا وجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش فنزل فيها وهرب، ولم يكن يونان من النوع الذى يطيع تلقائيا إنما كان يناقش الأوامر الصادرة إليه، ويرى هل توافق شخصيته وذاته أم لا.
يضيف البابا شنودة فى كتابه:" نام يونان ولم يهتم بمشيئة الله وأمره، ولم يهتم بنينوى وهلاكها أو خلاصها ولم يهتم بأهل السفينة وشعر أنه حافظ على كرامته فنام نوما ثقيلا، هذا النوم الثقيل كان يحتاج إلى إجراء حاسم من الله: به ينقذ ركاب السفينة جسديا وروحيا، وينقذ نينوى وينقذ نفس هذا النبى الهارب ويعلمه الطاعة والحكمة".
ويوضح قداسة البابا شنودة:"وهكذا أمر الله الرياح فهاج البحر، وهاجت أمواجه، وصدمت السفينة حتى كادت تنقلب، وتصرف ركاب السفينة بحكمة وحرص شديدين، أما الوحيد الذى لم يذكر الكتاب أنه صلى كباقى البحارة كان يونان. وحتى بعد أن نبهه أو وبخه رئيس السفينة لم يلجأ إلى الصلاة، وحاول البحارة إنقاذ يونان بكافة الطرق فلم يستطيعوا، واعترف يونان أنه خائف من الله الذى صنع البحر والبر".
ويستطرد قائلا:"على الرغم من كل هذه الإنذارات والضربات الإلهية، لم يرجع يونان، لم يقل أخطأت يا رب فى هروبي، سأطيع وأذهب إلى نينوى، فضل أن يلقى فى البحر, ولا يقول أخطأت، حتى ابتلعه الحوت وظل فى بطنه ثلاثة أيام أخذ يناجى فيها ربه حتى عفا عنه وعاد لمهمته التى كلفه بها وهى إنقاذ أهل نينوى".
صوم يونان فى الكنيسة القبطية
وصوم يونان هو الصوم الذى يسبق الصوم الكبير بخمسة عشر يومًا، ويعرف فطر صوم يونان بفصح يونان، وهو مصطلح كنسى فريد لا يستخدم إلا بالنسبة لعيد القيامة المجيد، الذى يطلق عليه أيضا "عيد الفصح".
الكنيسة تنظر إلى قصة يونان على أنها رمز لقصة المسيح، فالفصح كلمة عبرانية معناها "العبور" أطلقت فى العهد القديم على عيد الفصح اليهودى، تخليدًا لعبور الملاك المهلك عن بيوت بنى إسرائيل فى أرض مصر، وتخليدا لعبور بنى إسرائيل البحر الأحمر إلى برية سيناء، وخلال الصوم تنظم الكنائس والأديرة الصلوات والقداسات اليومية، والتى يقرأ خلالها سفر يونان كاملًا على مدار ثلاثة أيام، مثل طقس الصوم الكبير، ويبدأ بصلاة رفع بخور باكر وتستمر الصلوات حتى مساء اليوم نفسه.
مدة هذا الصوم حسب طقس الكنيستين السريانية والقبطية هو 3 أيام أما الأرمن الأرثوذكس فيصومونه 5 أيام، ودخل هذا الصوم إلى الكنيسة القبطية فى أيام البابا إبرآم بن زرعة السريانى (976- 979م) البطريرك الـ62 فى القرن العاشر، حيث كان البابا أبرآم سريانى الأصل، وكان السريان يصومونه قبل القرن الرابع الميلادى.
وكان عدد أيام هذا الصوم قديما 6 أيام، أما الآن فهو 3 أيام فقط، تبدأ صباح الإثنين الثالث قبل الصوم الكبير، صار صومًا مستقرًا فى الكنيسة فى قوانين ابن العسال فى القرن الثالث عشر، كما ذكره ابن كبر 1324م كصوم مستقر فى الكنيسة.
أما القرآن الكريم فقد عرب الاسم العبرى يونان إلى "يونس" وروت الكثير من الآيات قصة يونس فى ظلمات الحوت ومنها قوله تعالى: "وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ* فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ* وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ* فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ {الصافات}، وأشار إليها فى قوله أيضاً: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ {القلم:48}.
ويلجأ المسلمين إلى دعاء يونس فى بطن الحوت "لا إله إلا أن سبحانك إنى كنت من الظالمين" وهو الدعاء الذى يفك الكرب والمحن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة