يوماً ما، أغمضت عيناى، كتفت يداى وأسندت رأسى على النافذة، راغباَ فى أن أستمد القوة من نفسى .. بجوارها تشعر بأن السكون يُخيم على أرجاء العالم، ولا تجد الضوضاء إلا فى عقل ..
بمحاذاتها تمر البلاد والطرق .. حياة عابرة للكثير من البشر .. كل احد فى عالمه .. البؤساء والمتفائلون، الجانى والمجنى عليه، الظالم والمظلوم .. تسير بخيالك فيما حولك وكأنك فى حلم يقظ، تجده مليئاً بالشىء ونقيضه، نظرية اختلاف عجيبة.. الفكر نعمة ولكن تخبط الأفكار بلاء .. ربما الجلوس بجوارها متعب، ولكنك ترى الكثيرين ممن يسارعون للجلوس على المقعد الذى يجاور النافذة !! .. سعر التذكرة واحد، لا احد يدفع اكثر .. ربما صدق من قال قديماً " هؤلاء الذين يصرّون على الجلوس بمحاذاة النافذة أكثر الناس الذين لو سألتهم عن تفاصيل الطريق لا يعرفون !! " .. ألم تسال نفسك لماذا لا يعرفون ؟ .. ربما ذهبت بهم رمال الخيال وبعثرة الأحلام وأبواب الأمل الى أبعد الحدود وتاهت بهم الخطوة المظلمة .. كل هذه الأفكار جعلتنى أعتقد أنه لا يسافر المرء لكي يصل، بل لكي يسافر.
وربما ذلك المكان يأخذك لمتاهة تلك الحياة التى نعيشها .. توهان في دوامة الحياة والأفكار، لا تعرف ما يجب فعله وما لا يجب .. تعيش عاجزا عن التفكير وعاجز عن اخذ أبسط القرارات، لا تعرف فى أي طريق تسير او إلى أى مكان تتجه .. تتذكر فقدانك لحلم طالما حلمت بتحقيقه، شخص عزيز على قلبك، فقدان أموال كثيرة في صفقة ما، فقدان شيئ خسارته أكبر من أن يستوعبها العقل ويتحملها القلب وتقاومها العزيمة .. وكم هى عجيبة أيضاً فإنها تجعلك تبتسم صامتاً على ذكريات جميلة تتمنى تكرارها، أحلام محققة، صعوبات تخطيتها، أو أشياء لم تستطع البوح بها سوى لتلك النافذة .. تتذكر أشياء وكأنك تريدها أن تحادثك وتبعث لك الأمل والطموح .. حقيقة بجوارها تختار العودة لسكوتك والاعتذار بعزلتك بعض الشىء وينتابك شعور بانه لا طاقة لك لكى تتحدث لاحد غيرها ..
وسط كل هذا تتيقن أن الحياة تحتفظ بسرها، ولا أحد يمتلك الحقيقة الكاملة غير الله، أما عوالمنا ومعتقداتنا وأفكارنا لا تُشكل سوى مقتطفات من الحقيقة الكاملة .. لذا فأعظم ما تقدمه تلك النافذة انها تجعلك تذهب لعقلك وفكرك لله مدبر الكون بأكمله تسال كيف يضع قوانين الحياة هذه وتقول فى نفسك، يا إله الكون كيف لنا أن نفهم هذه الحياة، بكل ما فيها !؟
فتحت عيناى بتعب وقبل أن أغلقها ثانياً، قاطعنى من يجاورنى : " هل انت من هواة الجلوس بجوار النافذة " .. أجبته باسماً : يوماَ ما سأكتب عنها .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة