كثيرا ما قابلنا أو قرأنا عن نماذج مشرفة من ذوى الهمم وأصحاب الإعاقات الذين تخطوا الصعاب وحققوا نجاحات فى مجالات مختلفة، وغالبا ما نجد بداخلهم إحساسا مختبئا بالظلام يحاولون مقاومته وإثبات أنهم لا ينقصهم شيء عن أسوياء الجسد.
إلا أن وضع "هشام" اختلف فتجد شابا وسيم الوجه مفعم بالحياة يمتلك من لباقة الحديث ما يجعلك لا تلفت عينك عنه، فعيناه يملؤها الهدوء المثقف وابتسامته يمكنها أن تضئ العالم لتنسى تماما أنه به إعاقة حركية حتى بدأ بسلاسة فى سرد قصة حادثه الذى حوله من شاب جامعى فى العشرين من عمره بكامل قوته وصحته ولياقته البدنية إلى قعيد فاقدا لـ 80% من حركته الجسدية وكيف حول هذا العجز إلى قوة جعلته يحصد العديد من الجوائز ويثبت أن ظلام العالم لا يمكنه الوقوف أمام إرادة الروح ومثابرتها.
يقول هشام نادى شعبان، 33 سنة، ابن قرية إبهيت الحجر، بمركز سنورس، بمحافظة الفيوم، والذى يعمل كاتبا وباحثا فى التاريخ المصرى، ومن حوالى 13 سنة تعرض لحادث صعق بالكهرباء وسقوط من مكان مرتفع حوله من شاب يعمل ويدرس وبكامل صحته ولياقته إلى شاب مصاب بشلل رباعى و80% من حركة جسده خارج سيطرته، لافتا إلى أنه مر بمرحلة من اليأس استغرقت 5 سنوات وهى مرحلة "كرب ما بعد الصدمة"، كما يطلق عليها فى علم النفس وتتكون من 5 مراحل الأولى هى مرحلة إنكار ما حدث وكنت أقول دوما لا لست أنا من تعرض لهذا الحادث لست أنا من فقدت حركتى أنا بكامل لياقتى هذا كابوس وسينتهى وبعد ذلك مرحلة العدوان أو العنف وهى الامتناع عن الأدوية والمرحلة الثالثة هى الاكتئاب ورابع مرحلة هى المساومات، وهى أن أتمنى عودة حركتى وزوال ما حدث أما المرحلة الأخيرة هى قبول الأمر الواقع والتسليم به والتعايش معه وفى هذه المرحلة يكون الإنسان تخلص من الصدمة وتوابعها وهو ما حدث معى.
8 سنوات لم يخرج هشام من منزله وقاطعه أصدقاؤه
يقول هشام بعدما تخطيت مراحل الصدمة والاكتئاب والعزلة قلت يكفى 5 أو 6 سنوات ضاعوا من عمرى وأنا لا أتذكر أن قلت عمرى 23 أو 24 أو 25 هذه السنوات مرت ولم أشعر بها، وبدأ انقطاع أصدقائى عنى فبعدما كانوا يجتمعون معى كل أسبوع أصبح الأمر كل شهر إلى كل 6 شهور إلى انقطاع كامل لسنوات، حيث مكثت فى منزلى 8 سنوات ونصف لم أخرج من منزلى لعدم امتلاكى كرسى متحرك، وعندما بدأت فى الخروج من المنزل بدأت أسمع من أصدقائى جمل تظهر فى ظاهرها "لطيفة" لكنها "سخيفة"، مثلا، " أنت كنت مسافر، كنت فين، سمعنا إنك فقدت الذاكرة ومش هتعرفنا ولذلك انقطعنا عنك وغيرها".
ولكن هنا توقفت وسألت نفسى كيف سأتعامل مع هذا العجز كيف سأكمل حياتى خاصة أن الجزء البدنى يعادل صفر أنا لا أستطيع أن أرتشف شربة ماء بمفردى وكان لابد أن أعتمد على الجانب الذهنى وأقوم باستثماره وتنميته وتطهيره، وبدأت أفكر فى القراءة والبحث والدراسة وطرح أسئلة على آخرين من أصحاب التجارب والحصول على أجوبة تناسبنى وتمكنت من تطوير فكرى بشكل كبير وقرأت الكثير من الكتب فى الفلك والجغرافيا والتاريخ والسياسة والفلك وغيرها.
الأصرار على نشر التاريخ أجبره على استخدام "الماوس" بلسانه
يقول هشام، وفى خضم هذا البحث عن أكبر حصيلة من المعرفة وجدت نفسى منجذبا نحو التاريخ، وكنت أحب أن أشارك أى معلومة مع الناس، فبدأت عام 2013 فى استخدام صفحتى على " الفيس بوك " لنشر ملخص لما أحصل عليه من معلومات تاريخية وهنا بدأت فى استخدام لسانى لتحريك "الماوس" استخدام الكمبيوتر وبعدها أنشأت صفحة متخصصة فى التاريخ على الفيس بوك تحت مسمى "سليل الفراعنة" ووصل عدد متابعى صفحته على الفيس بوك إلى 40 ألف متابع، وبعدها قررت إطلاق قناة على اليوتيوب لعمل برنامج بعنوان "حصة تاريخ"، بتعليق صوتى ومصحوبة بتعليق صوتى ومؤثرات بصرية لشرح معلومات تاريخية، وهنا بدأت العودة إلى حياتى وتمكنت من عمل 50 حلقة موسمية.
خلال خطة وضعها لنفسه هشام قرأ 4 آلاف كتاب وتمكن من تأليف 5 كتب
ولفت هشام إلى أنه فى عام 2017 قام بوضع خطة لنفسه حتى عام 2020 لإنهاء عدد من الكتاب وقراءتها واستخلاص معلومات منها لنشرها وتأليف 4 كتب وتمكن بالفعل من إنجاز خطته، حيث تمكن من قراءة 4 آلاف كتاب وتأليف 3 كتب وحاليا يعمل على تأليف كتابين أحدهما له علاقة بالتاريخ والآخر حول تجربته مع الإعاقة، لافتا إلى أنه يحاول فى هذه المرحلة زيادة دخله حيث أن دخله الوحيد 300 جنيه من مديرية التضامن الاجتماعى والتى تصرف لذوى الإعاقة فبدأ فى العمل فى إخراج الكتب والتنسيق الداخلى لها وتعلم الفوتوشوب والتصوير والمونتاج وأنه يحب دوما العمل وفق مخطط وهو يجيد هذا الأمر.
أسرتى هى سندى الوحيد عندما أسقط "والد هشام يطعمه ويحمله ويتكفل بكل أموره"
يقول هشام، أن تجربته أثبتت أن الأسرة هى السند والداعم الأول والجيش القوى عند السقوط، فبعد وفاة والدته منذ عام أصبح والده وإخوته هم السند والداعم الوحيد له خلال رحلته الصعبة، لافتا إلى أن والده يتفرغ له ويقوم بكل شئونه المادية والمعيشية، حيث ينفق عليه ويطعمه ويحمله من الكرسى المتحرك إلى سريره ويعطيه دواءه فى مواعيده وهم "المعوض الرئيسى عن فقده الجزء البدني".
الدولة تتكفل بأصحاب الإعاقات ولكن يتمنى تنفيذ لائحة قانون الإعاقة
يقول هشام ما تفعله الدولة مع ذوى الاحتياجات الخاصة فى ظل الظروف الحالية للدولة هو مجهود كبير ولكن هناك بنود تعرفت عليها فى قانون الإعاقة مثل الإعفاء من الجمارك أحيانا والإعفاء من رسوم دخول الأماكن العامة والإعفاء من تعريفة المواصلات العامة ولكن اللائحة التنفيذية لا تترجم هذه النصوص، موضحا أن حلمه هو الحصول على فرصة عمل للحصول على دخل ثابت خاصة أنه تعلم العديد من البرامج، وأنه يعيش تحت رحمة وضعه الصحى وهو ما يجعله فى حاجة لدخل ثابت.
دكتوراه فخرية ودروع وشهادات تقدير تلخص رحلة هشام
على جدار غرفة هشام عدد من الشهادات وفى دولابه عدد من الدروع وطائرة صغيرة أنيقة تلخص مشواره خلال السنوات القادمة، حيث حصل على تكريم من جامعة الفيوم، وتكريم من محافظ الفيوم السابق، ودكتوراه فخرية وتكريم لاستطاعته تكييف جهاز الكمبيوتر الخاص به دون أى إضافات ليناسب إعاقته وشهادة لاختيار أسرته الأسرة المثالية ودرع من إحدى المؤسسات والطائرة هدية شخصية من قائد متحف القوات الجوية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة