"قتلتك بالصيف وسرقتك بالشتا".. من الأغانى الهزلية التى يرددها المصريين تهكماَ على ما يُطلق عليه بالجريمة الموسمية، حيث نعلم جميعا أن لكل شخص فصل يفضله عن فصول السنة الأخرى، فواحد يستمتع بالصيف ويشعر بفرح كبير تبعثه أشعة الشمس القوية، وآخر يشعر بالراحة والأجواء الرومانسية مع بداية الشتاء والمطر، وهنالك من يميل للربيع موسم تفتح الازهار وانتشار الخضرة، وجمال الطبيعة، لتسيطر أجواء الاسترخاء والهدوء على من يعشق الخريف.
ولقد أثبت العلم الحديث أن هناك علاقة بين تغير مزاج الإنسان وتعاقب الفصول من خلال دراسات عديدة للسلوك البشرى الذى يختلف فيه الناس عن بعضهم البعض فى تفاعلهم وتعاطيهم مع حالة الطقس والظروف الجوية، بل يعتقد بعض الاختصاصيين فى الطاقة أن تغير مزاج الإنسان وحالته النفسية تبعًا لحالة الطقس يرتبط بوقت ولادته، فمن يولد والشمس مشرقة تبقى الشمس بالنسبة له مصدرًا للطاقة والحياة، وهو العكس لمن يولد فى الليل. بالإضافة إلى الحالة النفسية لدى الإنسان المؤلفة من إشعاعات داخلية، وهى إما متنافرة أو متجاذبة من شأنها التأثير على مزاجية الشخص ونفسيته وحتى ملبسه حيث أن طاقة الشمس هى طاقة ذكرية قوية جدًا وحارقة، أما طاقة الليل فهى طاقة أنثوية هادئة.
هل ترتبط الجريمة بحالة الطقس؟
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على حالة الطقس وكيف تلعب دوراَ هاماَ فى انتشار جرائم بعينها؟ حيث أن المجرمين من البشر ليسوا بمعزل أو بحصانة عن هذه المؤثرات والتغيرات الجوية بفصول السنة المختلفة بل أن أنواع الجرائم ومعدلاتها تختلف باختلاف فصول السنة ودرجات الحرارة حيث يتسم كل فصل من فصول السنة بطقس مختلف عن الآخر، فكذلك يتسم بنوعية جرائم مختلفة، فإذا كان الشتاء على مستوى العالم - بحسب الدراسات والأبحاث - يعرف بكثرة السرقات فيه، فإن جرائم القتل ترتفع معدلاتها بالصيف عن غيره من الفصول، بينما تتزايد نسبة الجرائم الجنسية فى الربيع، هذا ما انتهت إليه دراسة عن الجرائم فى منطقة الشرق الأوسط أجرتها ونشرتها صحيفة - كوريير ديلاسيرا - فى عام 2010 عن مسألة علاقة الجريمة ودوافعها بحالة الطقس – بحسب الخبير القانونى والمحامى سامى البوادى.
فى البداية - تلك الدراسات أكدت أن منطقة الشرق الأوسط ضمن المناطق التى تتأثر فيها الجريمة تأثيراَ مباشراَ بحالة الطقس حيث يُعد شهر "ديسمبر" من أكثر شهور السنة فى منطقة الشرق الأوسط التى ترتكب فيها جرائم الاعتداء على الملكية، فيما يشهد شهر "أغسطس" أعلى نسبة للقتل العمد والشروع فى القتل والضرب المفضى إلى الموت، بينما ترتفع جرائم الاعتداء الجنسى فى شهرى "مارس" و"إبريل" وتنخفض بشكل كبير فى شهور الشتاء، وتختلف الجريمة ودوافعها وعلاقتها بحالة الطقس أو درجة حرارة الجو وأسباب تميز كل من فصل من فصول السنة بارتكاب جرائم عن الآخر، وتباين الجريمة بين شعوب البلاد الحارة عن نظرائهم فى البلاد ذات الجو البارد أو المعتدل – وفقا لـ"البوادى".
ارتباط ظهور الجريمة بقتل قابيل لـ"هابيل"
وهنا علينا أن نوضح مسألة الجريمة وكيف بدأت؟ فقد ظهرت الجريمة بظهور الإنسان وهى مازالت مستمرة معه، بل هى صفة من صفاته وظلت ملتصقة به منذ أول جريمة وقعت فى تاريخ البشرية والتى أشارت إليها كل الأديان السماوية "قابيل وهابيل أبناء آدم عليه السلام"، وظل معها كذلك التفكير فى كيفية تفسيرها وكيفية ردعها وما هى الوسائل للقضاء عليها، أو التقليل منها على الأقل.
فقد عرفت البشرية الجريمة منذ أقدم عصورها وتحولت الجريمة إلى ظاهرة اجتماعية شاذة فى حياة التجمعات البشرية منذ القدم، وأصبحت الجريمة تمثل مشكلة على مر الأزمنة وباختلاف المجتمعات الإنسانية حيث ظهرت العديد من الآراء فى محاولة لتفسير هذه الظاهرة لبحث دوافعها ولمحاولة السيطرة عليها، فكان لازما على المهتمين والعلماء أن يؤسسوا علم الاجرام: وهو الدراسة العلمية للظاهرة الاجرامية والبحث الذى يهدف إلى تحديد أسباب "الاجرام" حيث يدرس هذا العلم العوامل الإجرامية ذات الطابع الاجتماعى، فيدرس الجريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية ناتجة عن تأثير البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد –الكلام لـ"البوادى".
تأسيس علم الإجرام
ويقوم هذا العلم على أساس أن أسباب الجريمة لا يمكن أن تنحصر فى الخصائص العضوية والنفسية للمجرم وأن العوامل الاجتماعية تؤثر تأثير هام على هذه العوامل الداخلية، فتنشطها وتتفاعل معها فى إنتاج الجريمة، لذا كانت أهمية دراسات علم الإجرام بالغة من نواحى شتى فعلم الإجرام بدراسته للعوامل المؤدية لارتكاب الجريمة بطريقة علمية يمثل أهمية كبيرة من نواحى متعددة حيث يفيد كل من المشرع والقاضى وسلطة التنفيذ العقابى واختيار أفضل وسائل المعاملة العقابية للمحكوم عليه، وذلك من خلال تصنيف المجرمين من حيث السن والجنس والخطورة الإجرامية.
وفى هذا الإطار - وجدنا أن العلماء قد أقرو أن الجريمة ترتكب نتيجة خلل عضوى ونفسى لدى المجرم، وأن العوامل الخارجية المحيطة بالفرد تلعب دورًا فى ذلك فقد اعتبروا الجريمة نتاجًا لعدة عوامل وهى عوامل داخلية مثل السن والجنس والتكوين العقلى والبدنى للمجرم، وعوامل اجتماعية كالوسط العائلى والحرفة والظروف الاقتصادية من فقر وبطالة، وعوامل بيئية طبيعية مثل المناخ.
لماذا ترتبط الجريمة بحالة الطقس؟
أى أن الأحوال الجوية تلعب دورا فى تشكيل الظاهرة الإجرامية، وصلة الجو بالإجرام أمر أيدته كذلك ملاحظة الباحثين وشواهد الإحصاءات فأشعة الشمس لا تؤثر على وجه الأرض فحسب بل بدأ أثرها كذلك فى وجه التاريخ على أنه نود أن نشير إلى أن تأثير المناخ على الظاهرة الإجرامية كقاعدة عامة هو تأثير غير مباشر، أى عن طريق وسيط وهذا الوسيط قد يكون عاملا اجتماعيا أو عضويا أو نفسيا.
فهناك من يقول بوجود علاقة مباشرة بين الظاهرة الإجرامية من جهة، وبين درجات الحرارة ارتفاعا وانخفاضا وكذلك بين الليل والنهار طولا وقصرا من جهة أخرى، وذهبوا فى بيان ذلك مذاهب شتى : فمنهم من يرى أن ارتفاع الحرارة يزيد من حيوية الإنسان ونشاطه فيجعله أكثر استعداد للانفعال والإثارة وأشد رغبة فى الجنس الآخر، مما يترتب عليه زيادة جرائم العنف وجرائم الآداب فى المواسم الحارة والمناطق الحارة، بينما سبب ارتفاع نسبة جرائم على الاعتداء على الأموال فى فصل الشتاء يرجع إلى طول ليالى هذا الفصل من السنة ولما كان الظلام من العوامل التى تسهل ارتكاب جرائم الاعتداء على الأموال كان صحيحا القول بزيادة جرائم الاعتداء على الأموال فى فصل الشتاء – هكذا يقول "البوادي".
الجريمة بين شعوب البلاد الحارة والباردة والمعتدلة
وهناك تفسيران، لذلك: الأول التفسير الأحادى للجريمة، والثانى التفسير التكاملى ويقصد الربط بين عدد كبير من العوامل تتساند وتتعاون معًا فى حدوث السلوك الإجرامى – بحسب الدراسات والأبحاث - حيث أن شعوب البلاد الحارة هم عادة أقل حيوية ونشاطًا عن نظرائهم فى البلاد ذات الجو البارد أو المعتدل، وأن الحرارة الزائدة تؤدى إلى الخمول، وتؤدى إلى الإجهاد، ورغم ذلك فإن الارتفاع فى درجة حرارة الجو من شأنه أن ينتج نوعًا معينًا من النشاط، فالحرارة الزائدة من شأنها تحريك العواطف، وتضاعف القابلية للاتصال يدفع إلى ارتكاب أعمال العنف، وهذه الحقيقة تفسر سبب ارتفاع نسبة جرائم الاعتداء على الأشخاص فى البلاد ذات الأجواء الحارة عن غيرها فى البلاد ذات المناخ البارد، كما تقول الدراسة.
الصيف فصل جرائم الاعتداء على الغير
فى فصل الصيف تزداد نسبة جرائم الاعتداء على الأشخاص، لأن فيه يحصل جانب كبير من الأفراد على إجازاتهم لأن ارتفاع درجة الحرارة يجبر الناس على الخروج من منازلهم إلى الأماكن العامة، فتزداد فرص الاتصال بينهم وما يتبع ذلك من توافر ظروف متزايدة لتضارب المصالح والرغبات ومن ثم الاحتكاك والتشاجر.
الشتاء فصل جرائم الأموال
أما عن فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة والإحساس بالبرودة يؤدى إلى ازدياد احتياجات الناس فى هذا الفصل عن فصل الصيف، وإشباع هذه الحاجات يتطلب وفرة من المال قد لا تكون متحققة لدى بعض الناس، مما قد يدفعهم إلى ارتكاب جرائم الأموال.
الربيع فصل جرائم الآداب
الجرائم الجنسية هذا النوع من الجرائم يكثر ارتكابه فى فصل الربيع فلا علاقة له بالحياة المفتحة فى الصيف أو المنغلقة فى الشتاء فعدد الجرائم الجنسية يتغير بتغير الفصول ويبلغ أقصى مداه فى فصل الربيع والسبب فى ذلك أن تتابع الفصول يقابله تغييرات دورية فى وظائف أعضاء الجسم والنفس وأن الغريزة الجنسية تبلغ ذروتها فى فصل الربيع وهذا هو السر فى ارتفاع عدد الجرائم الجنسية فى فصل الربيع عنه فى الفصول الأخرى.
الخلاصة:
خلاصة القول بحثيا - فلقد أثبت البحوث العلمية وجود علاقة بين المتغيرات المناخية والسلوك الإجرامى، حتى أصبح من المستقر أن لكل فصل من فصول السنة نوع معين من الجرائم تظهر فيه أكثر من ظهورها فى الفصول الأخرى، وأشارت إحدى الإحصائيات عام 1964 إلى جرائم الدماء فى أشهر الصيف، وتبلغ ذروتها فى شهر أغسطس والأموال فى أشهر الشتاء، وتبلغ ذروتها فى شهر يناير ثم تنخفض هذه الجرائم وترتفع جرائم الجنس فى أشهر الربيع خاصة شهر "فبراير".
وهى الفترة المسماة بفصل الإخصاب وإسقاط الحوامل مما حدى بالبعض بأن يوصف جرائم الدماء بالإجرام الصيفى وجرائم الأموال بالإجرام الشتوى، وجرائم الجنس بالإجرام الربيعى، وإن كان ذلك لا يعنى انعدام جرائم الأموال فى الصيف، أو انعدام جرائم الدماء فى الشتاء، أو انعدام الجرائم الجنسية فى باقى الفصول أى أن الحرارة لا تشكل سببا وحيدا فى حدوث الجريمة بقدر ما هى عامل مساعد فالجريمة بكل أنواعها باقية وموجودة وتنوعه ومتكررة طالما وجد وبقى البشر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة