لعلك تذكر اسدال الستار على حكومة إلياس الفخفاخ فى تونس بعدما تم تطويقه من الإخوان وطلبت حركة النهضة وقتها سحب الثقة منه مما دفعه للاستقالة فى 15 يوليو 2020، نفس السيناريو يتكرر مع حكومة هشام المشيشى الذى يواجه حالة من الابتزاز الإخوانى.
وخلال الجلسة البرلمانية العامة التى خصصت أزل أمس للنظر فى مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادى، ومشروع قانون المالية لسنة 2021، حمّل رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشى، كل الأطراف السياسية والاجتماعية المسؤولية عما «آلت إليه الأوضاع الكارثية فى تونس».
وقال المشيشى فى بيان الحكومة، الذى يسبق النقاشات البرلمانية حول الميزانية، أن تونس تعيش أزمات متعددة ومتشعبة، مؤكدًا أن الوضع الصحى ليس الأزمة الوحيدة التى تواجهها تونس، بل هناك أزمة اقتصادية صعبة واجتماعية حادة. مشددًا على أن الحل «يكمن فى الدولة المسؤولة والهادئة والمستثمرة، وهو سبيل التمكين والإنجاز».
وبخصوص التحركات الاجتماعية المطالبة بالتنمية والتشغيل، قال المشيشى أن حكومته لا تطرح معالجة الحراك الاجتماعى وفق مقاربة أمنية، بل وفق رؤية تنموية تشاركية شاملة. مبرزا أن «زمن التعاطى الأمنى الصرف ولى وانتهى، والديمقراطية تقتضى وجوبًا إشراك الجميع، ليس بمنطق الحاكم والمحكوم، بل بمنطق التشارك فى بناء الوطن وفق رؤية تنموية شاملة»، وأكد فى هذا السياق سعى حكومته للتنسيق مع مختلف الهياكل المركزية والجهوية والمحلية ومع المنظمات الوطنية لتحقيق التنمية.
فى المقابل، أكد المشيشى أن حكومته لن «تخضع للابتزاز والمحاولات البائسة للى الذراع»، كاشفًا أن تونس ستواجه العنف بقوة القانون، باعتبار أن التنمية لا تتحقق إلا فى مناخ هادئ تتضافر فيه مجهودات الجميع.
يذكر أن عدة ولايات تونسية شهدت خلال هذا الأسبوع احتجاجات اجتماعية كبيرة للمطالبة بالتنمية والاستثمار، والتنديد بتدهور الاقتصاد والخدمات الاجتماعية، وارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتدهور البنية التحتية، وحملوا الحكومات المتعاقبة بعد 2011 مسؤولية الوضع الاجتماعى والاقتصادى الصعب.
حكومة المشيشى بين غضب الشارع وابتزاز الإخوان
مصادر برلمانية مطلعة، كشفت أن التحالف البرلمانى المتكون من "قلب تونس" (30 نائبا من أصل 217)، و"النهضة" (54) وائتلاف الكرامة (19) طلب بشكل رسمى، من رئيس الحكومة هشام المشيشى إدخال تعديلات على حكومته قبل نهاية 2020، وفقا لما جاء فى صحيفة "العين الإماراتية".
وأوضحت المصادر أن الثلاثى المتحالف اشترط تغيير وزراء الداخلية توفيق شرف الدين، والعدل محمد بوستة، واستبعاد عدد من المستشارين المقربين من المشيشى، ووزير الاقتصاد على الكعلى، من أجل مواصلة دعم الحكومة برلمانيًا.
ولا يخفى الثلاثى البرلمانى، فى تصريحات إعلامية سابقة لأعضائه، رغبته فى استبعاد الوزراء المحسوبين على الرئيس قيس سعيد، مستغلا فى ذلك انفجار الأوضاع الاجتماعية أمام حكومة المشيشى لابتزازه والضغط عليه، وفق متابعين.
فى المقابل، يعتبر أكثر من ملاحظ فى تونس أن الحكومة تبدو ضعيفة وعاجزة عن مسايرة نسق الاحتجاجات الاجتماعية والاعتصامات المندلعة فى أكثر من محافظة.
ومن أبرز أوجه الأزمة الاجتماعية، تواصل اعتصام أهالى محافظة قابس (جنوب) أمام محطة إنتاج الغاز المنزلى، مما تسبب فى شلل تام للمجمع الكيميائى التونسى، واقتحام أهالى محافظة قفصة (جنوب) لمقرات إدارية، وإغلاق محطة إنتاج النفط بمحافظة القصرين (غرب).
أزمة أكدها وزير المالية التونسى على الكعلى، خلال جلسة برلمانية، بالقول أن تونس ستنهى 2020 بعجز فى الموازنة بنسبة 11.4%، وهو رقم قياسي.
ولفت الوزير إلى أن الوضع الاقتصادى فى تونس يمر بفترة حرجة، بعد أن تراجعت مداخيل الدولة بنحو 8 مليارات دينار (3 مليارات دولار).
الإخوان وتجارة الأزمة
بالرغم من مسؤوليتهم المباشرة عن تواتر الأزمات فى تونس منذ سنة 2011، فإن إخوان تونس وعلى رأسهم راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان، يواصلون ابتزاز الحكومات من أجل انتزاع الغنائم.
ويعمل الغنوشى على إسناد مناصب هامة فى الدولة للمقربين منه، من أجل توسيع دائرة نفوذه على حساب الأزمات.
ولا تعتبر هذه المرة الأولى التى يعتمد فيها شيخ إخوان تونس أسلوبه المعتاد فى ابتزاز الدولة، حيث فضح هذه الممارسات الحبيب الجملى رئيس الحكومة المكلف إبان انتخابات 2019.
وحينها، قال الجملى فى مقابلة متلفزة، أن الغنوشى قام بابتزازه بشكل لا وطنى فى شهر يناير مؤكدًا بأن الإخوانى يشكل "ضررا على التونسيين".
نفس الأسلوب الإخوانى يواجهه هشام المشيشى، حيث تقول الباحثة فى العلوم السياسية نرجس بن قمرة، أن الغنوشى استغل الحصار الذى يعيشه رئيس الحكومة من قبل المحتجين، من أجل ابتزازه وانتزاع منافع لأنصاره مقابل دعمه برلمانيًا، وفقا لما جاء فى حديث لـ"العين الإخبارية"،
وأكدت بن قمرة، أن قدرة المشيشى على الاستمرار أصبحت ضعيفة، خاصة وأنه لا يملك الحلول لإطفاء الحرائق الاجتماعية، وفى ظل خواء خزينة الدولة ورفض البنك المركزى التونسى تمويل الموازنة العامة، وسبق أن رفض المركزى التونسى ضخ سيولة مالية فى الميزانية العامة للدولة، خوفا من ارتفاع نسبة التضخم التى قاربت 6%، حسب ما أكده محافظ البنك مروان العباسي.
وبحسب بن قمرة، فإن "تونس مفتوحة على جميع السيناريوهات فى ظل هذه الأزمة المتعددة الأبعاد اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، وحكومة هشام المشيشى أول ضحاياها".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة