تسببت الازمة التى نتجت عن وباء كورونا فى اضعاف الاقتصاد بشكل خطير فى أمريكا اللاتينية كما أن الجميع لا يتلقى مساعدات مالية من حكوماتهم، فهل تؤثر الازمة الأقتصادية على سكان امريكا اللاتينية أكثر من الوباء؟
فمن الناحية الاقتصادية، يبدو أن امريكا اللاتينية نجت من الأسوأ، مقارنة بالربع الثانى الكارثى، حيث انخفض الناتج المحلى الإجمالى للمنطقة بنسبة تتراوح بين 10 و20% عن نفس الربع من العام الماضى، ولكن يرى الخبراء أن دول امريكا اللاتينية ستسغرق وقت طويل حتى تتعافى وتعود الى مستويات ما قبل الازمة، ومن الممكن أن يستغرق الامر حتى عام 2022.
وزاد خطر الفقر بالنسبة للعديد من الأمريكيين اللاتينين مع الأزمة، وفقا لدراسة أجراها معهد CEQ بجامعة تولين فى نيو أزرلينز بالولايات المتحدة، وقد أظهرت الدراسات الاستقصائية أن الاسر التى يعتمد دخلها على ما يسمى "القطاع الغير رسمى، تتأثر بشكل خاص، لأن هذه وظائف غير مسجلة وبالتالى لا توفر أى حماية حكومية أو تعاقدية".
وتوضح ميريك بلوفيلد، مديرة معهد GIGA لدراسات أمريكا اللاتينية: "قلة قليلة من هؤلاء الأشخاص لديهم مدخرات"، مضيفة: "يفقد مقدمو الخدمات أو العاملون فى القطاع غير الرسمى وظائفهم بين عشية وضحاها فى الأزمات، لا سيما عندما تفرض الحكومة إغلاقًا".
استجابت العديد من الحكومات بالمساعدات المالية لحالة الطوارئ للتخفيف من مخاطر الفقر لدى المستفيدين. تعاونت Blofield فى دراسة تصف المساعدات الطارئة والتدابير المتخذة ضد انتشار فيروس SARS-CoV-2 فى عشرة بلدان فى أمريكا اللاتينية. تظهر ثلاثة من أكبر أربع دول، وهى البرازيل والمكسيك والأرجنتين، مدى اختلاف هذه البرامج.
فقط المكسيك والبرازيل دون قيود صارمة
حتى الآن، لم يتخذ الرئيس البرازيلى جايير بولسونارو أى إجراء وطنى ضد فيروس كورونا، على الرغم من الانتقادات الشديدة من الداخل والخارج، تم إصدار قواعد وكمامات و المسافة الإلزامية، وإغلاق المدارس أو إغلاق وسائل النقل العام وحظر التجول فقط فى البرازيل على المستوى المحلى أو الفيدرالي.
ومن ناحية آخرى، تعتبر الإجراءات فى الأرجنتين المجاورة من بين أكثر الإجراءات تشددًا: فى منتصف مارس، فرضت الحكومة إغلاقًا وطنيًا، والذى تم تخفيفه ببطء منذ يوليو. كما اعتمدت شيلى وبيرو وبوليفيا وإكوادور وكولومبيا تدابير بعيدة المدى، مثل حظر التجول وإغلاق المدارس، جزئيًا على المستوى الوطنى وكذلك على المستوى الإقليمى، من بين أكبر البلدان فى المنطقة، اتبعت المكسيك مسارًا مشابهًا لمسار البرازيل ولم تتخذ إجراءات ضد الوباء.
المساعدات فى البرازيل تقلل من الفقر المدقع
ومع ذلك، فإن السياسة ضد فيروس كورونا فى المكسيك والبرازيل تختلف فى نقطة حاسمة: بينما لم تبدأ حكومة المكسيك أى برنامج اجتماعى إضافى للتخفيف من الصعوبات الاقتصادية للأزمة، فإن الحكومة البرازيلية، تحت ضغط من المعارضة والمجتمع المدنى يدفع "معونة طارئة" بقيمة 600 ريال شهرياً، أى حوالى 100 يورو، أى أكثر من نصف الحد الأدنى للأجور. يستفيد حوالى ربع السكان من هذه المساعدة، وفقًا لدراسة CEQ، حيث يقوم الباحثون بمحاكاة طبقات الدخل المهددة بالفقر.
ولذلك فمن المحتمل أن يؤثر هذا المصير على 15 إلى 30 % فقط من السكان، وفقًا لباحثى نيو أورليانز، و يقول بلوفيلد، الباحث فى GIGA: "تظهر الدراسات أن برامج المساعدة فى البرازيل أدت حتى إلى الحد من الفقر المدقع".
وبالتالى، فإن الأزمة الاقتصادية لا تضرب الفئات ذات الدخل الأدنى فى البرازيل بنفس القوة مثل تلك الموجودة فى المكسيك، و يمكن أن ينتقل ما يصل إلى 45 % من المكسيكيين الذين كان لديهم دخل منخفض أو متوسط قبل الأزمة إلى مستوى دخل أقل: يصبح أفراد الطبقة الوسطى فقراء والفقراء أكثر فقراً.
الأرجنتين: المساعدة التى بالكاد تنقذ من التدهور الاجتماعي
بشكل عام، يبدو أيضًا أن البرازيل تخرج من الأزمة الاقتصادية بشكل أسرع إلى حد ما من البلدان الأخرى. فى الربع الثالث، وفقًا لتحليل أجراه البنك الهولندى ING، شهدت الصناعة التحويلية وقطاع البناء وتجارة التجزئة زيادة كبيرة مرة أخرى. فى مقارنة إقليمية، البرازيل فى المقدمة، وفقا لمحللو Focu الاقتصاديون، كما توقعت وكالة إس إيكونوميكس حدوث ركود معتدل نسبيًا فى البرازيل، مع انخفاض بنحو 5.9٪.
وتظهر المقارنة مع الأرجنتين أن البرامج الاجتماعية ليست مسؤولة فقط، فمددت الحكومة الأرجنتينية قيودها الصارمة فى نهاية سبتمبر حتى منتصف أكتوبر، فى الوقت نفسه، يستفيد حوالى خُمس الأرجنتينيين مما يسمى "الدخل الطارئ للأسر".
الارجنتين
ووفقًا لتوقعات CEQ، يمكن أن ينخفض ما يصل إلى 46 % من سكان الأرجنتين إلى مستوى دخل أقل، كما هو الحال فى المكسيك. فى البرازيل، كما يتوقع الخبراء أن يكون هذا هو الحال فقط لأقل من ثلث سكانها. وتقدر فوكاس إيكونوميكس أيضًا أنه من المرجح أن ينكمش اقتصاد الأرجنتين ككل هذا العام مرتين تقريبًا (11.5 %) مقارنة بالبرازيل، وبالنسبة للمكسيك، يتوقع الاقتصاديون أقل بنسبة 9.8 %
وترى صحيفة "انفوباى" الارجنيتينة أنه ةمن الصعب التحديد الجاد للعوامل التى تؤدى إلى اختلاف البيانات الاقتصادية ومخاطر الفقر فى أوقات فيروس كورونا. ومع ذلك، فإن الحقيقة هى أن عواقب الأزمة الاقتصادية المرتبطة بالوباء تؤثر على العديد من الناس أكثر من المرض نفسه. فى أكبر اثنى عشر دولة فى أمريكا اللاتينية، حيث يعيش أكثر من 90 % من سكان المنطقة، توفى حتى الآن 0.6 من كل 1000 شخص مصاب بفيروس كورونا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة